هناك أزمة صامتة بين المغرب والولايات المتحدةالأمريكية عنوانها: كريستوفر روس، وهذه أول مرة منذ مدة طويلة تقع حادثة سير في طريق العلاقات بين الرباطوواشنطن، اللذين عرفا دوما بكونهما حليفين، وعلى ود في الكثير من القضايا. مدام هيلاري كلينتون غاضبة من وزير الخارجية سعد الدين العثماني لأن المغرب سحب البساط من تحت رجلي الوسيط الأممي لنزاع الصحراء، وقطع خط الرجعة على الدبلوماسي الأمريكي، وأغلق باب مراجعة هذا الموقف لما أعلن قراره علانية وأمام الرأي العام الدولي...
ورغم أن العثماني أخبر الإدارة الأمريكية بقرار المغرب سحب ثقته من الوسيط الأممي 48 ساعة قبل إعلان ذلك، فإن الدبلوماسية الأمريكية لم تتفهم وجهة نظر المغرب، خاصة وأنها تجاوبت مع مطالب الرباط في مجلس الأمن، حيث وافقت على جملة من التعديلات التي طالت القرار الأخير لمجلس الأمن، وعلى رأس هذه التعديلات عدم توسيع صلاحيات المينورسو حتى لا تمس بالسيادة المغربية...
قلق أمريكا هذا من المغرب لم يبق حبيس مكاتب جناح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية الأمريكية، بل تحول إلى ضغط داخل مجموعة أصدقاء الأمين العام للأمم المتحدة في موضوع نزاع الصحراء من أجل استصدار موقف جماعي مع روسياوفرنساوإسبانيا وبريطانيا وروسيا، يعلن تشبث هذه الدول الكبرى بالمبعوث الأممي لنزاع الصحراء كريستوفر روس، ومحاولة فرضه على المغرب. من حسن حظ هذا الأخير أن فرنسا تعارض حماس بريطانيا وأمريكا لمبادرة تثبيت روس مكانه رغم رفض المغرب له، هذا فيما تقف إسبانيا على خط الحياد الإيجابي وكذلك روسيا...
ما هو سر هذا الغضب الأمريكي غير المعتاد من أحد حلفاء واشنطن في المنطقة؟ هناك أكثر من جواب. الأول يقول إن المبعوث الأممي أمريكي وليس هولنديا أو سويديا، لذلك فإن أمريكا تتشبث به لتبقى يدها قريبة من هذا النزاع الذي عمر أكثر من 37 سنة، وإن روس اختير لمهمة الوساطة بالقبعة الأمريكية قبل أن يرتدي القبعة الأممية، وهذا ممكن. الجواب الثاني يقول إن «جنون العظمة» لدى الإدارة الأمريكية يمنعها من أن تسمع أو ترى مواقف الدول الصغرى، وإن الدبلوماسية الأمريكية لا ترى نفسها إلا قوة عظمى، وعلى الجميع أن يرضخ لها ولمبعوثها بدون نقاش ولا جدال. والسبب الثالث يقول إن هناك فتورا نسبيا في علاقة الرباطبواشنطن سرى منذ مدة بسبب غياب الاتصال المباشر بين القيادتين واللقاءات الثنائية المباشرة، فالملك محمد السادس لم يزر أمريكا على عهد باراك أوباما، كما أن آخر زيارة للملك إلى بلاد العم سام ترجع إلى سنة 2004 في عهد جورج بوش الابن، وآخر مرة زارت فيها هيلاري كلينتون المغرب لم تلتق الملك محمد السادس، علاوة على أن البلاد لم تعد تلعب أدوارا إقليمية كبيرة كما كانت في السابق.
ما يعزز هذا التفسير هو أن المغرب سبق له أن تحفظ على مشروع جيمس بيكر، الوسيط الأممي لنزاع الصحراء، الذي كان يرمي إلى فرض الحل الذي يراه على أطراف النزاع. ورغم قرب بيكر من عائلة آل بوش، فإن جورج الابن تلقى مكالمة هاتفية من الملك محمد السادس، وبعدها سحب بيكر مقترحاته وانسحب من المهمة والمرارة تغمر حلقه...
فلماذا الآن تتصلب الإدارة الديمقراطية في موضوع بسيط يتعلق بسحب موظف دبلوماسي من مهمة حل نزاع تعرف كل الأطراف أن حله ليس في الأممالمتحدة، وأن روس حتى وإن بقي ما تبقى له من عمر في مهمته فإنه لن يحل نزاعا معقدا لن يُحل إلا على طاولة مغربية-جزائرية في يوم ما... قلق أمريكا هذا جرس إنذار للدبلوماسية المغربية، فالصداقة بين الدول ليست مكسبا في الجيب. إنها شجرة تحتاج إلى السقي كل فترة وأخرى حتى لا تذبل وتموت.