كان المغرب قد أعلن عن قراره بالانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، بعد قبول عضوية الجمهورية الصحراوية المزعومة في مؤتمر القمة الإفريقي وقد جاء هذا القرار في خطاب وجهه الملك الحسن الثاني إلى المؤتمرين يوم 12 نونبر 1984، تلاه في جلسة الافتتاح السيد أحمر رضا اكديرة مستشار جلالة الملك، ورئيس الوفد المغربي، نعيد نشره، في سياق العودة القوية للمغرب لنفس المؤسسة بعد تغيير اسمها إلى الاتحاد الإفريقي: السيد الرئيس أصحاب الفخامة رفاقي الأعزاء. ها قد حانت ساعة الفراق، ووجد المغرب نفسه مضطرا ألا يكون شريكا في قرارات لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل لا رجعة فيه لتقويض أركان المشروعية، العنصر الحيوي لكل منظمة دولية تحترم نفسها. والواقع أن منظمة الوحدة الإفريقية، قد ارتكبت بما يتنافى، ويشكل انتهاكا صارخا للفصل الرابع من ميثاقها، خطأ يعد سابقة خطيرة، وستبقى عواقبه لأمد بعيد لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ومن شأنه أن يتكرر، إننا نحن رؤساء الدول، رجال سياسة، وتلك مهمتنا الأساسية قد تلقينا من شعوبنا تفويضا جوهريا وأساسيا، يكمن في أنه في إطار ممارسة سياستنا، سواء الداخلية أو الخارجية، ينبغي أن تقوم هذه السياسة على أساس ثابت، وغير قابل للانتهاك، ألا وهو الاحترام الدائم للمشروعية. وإذا لم يتم احترام هذه الأخلاق بدقة، فعندئذ سيقع الخلط بين حل التوافق، وهو الدعامة الضرورية للسياسة، وبين المجازفة التي هي سلاح فتاك ضد المشروعية. وطوال تاريخه العريق، وجد المغرب نفسه مرات عديدة أمام اختيارات كانت حظوظ الانتهازية فيها أقوى من حظوظ الفضيلة في انتزاع قراره، وقد اختار المغرب دوما وعلى حساب مصالحه في غالب الأحيان، صيانة الفضيلة والمشروعية، ولن نحيد لا اليوم ولا غدا عن هذا السبيل. إن ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية كل لا يتجزأ، وكل من سمح لنفسه بتحريف بعض مقتضيات هذا الميثاق بكيفية ظرفية، أو لمصلحة خسيسة، سيدفع بمنظمة الوحدة الإفريقية إلى الهلاك وبأعضائها إلى الاقتتال. ولا نذكر إلا مثالا واحدا، وهو كيف يمكن لنا الآن تنفيذ الفصل، الذي ينص على بقاء الحدود الموروثة عن عهد الاستعمار على أصلها. سيدي الرئيس أصحاب الفخامة رفاقي الأعزاء إن الكمال لله وحده، وبما أن الأمور إذن هي كما هي، وفي انتظار أن يتغلب جانب الحكمة والتعقل، فإننا نودعكم، إلا أن المغرب إفريقي بانتمائه، وسنظل نحن المغاربة جميعا في خدمة إفريقيا. ففي جامعة الدول العربية، سنعمل من أجل التعاون العربي – الإفريقي، وفي مجموعة دول عدم الانحياز، سندافع عن المشروعية، وسنعمل على المحافظة على سيادة إفريقيا، وفي حظيرة منظمة المؤتمر الإسلامي، سنسعى إلى تعزيز التساكن والتعاون بين الديانات السماوية، وفي منظمة الأممالمتحدة، سنكون في المقدمة من أجل كرامة المواطن الإفريقي، واحترام قارتنا. ولكنكم مع هذا ستدركون بسهولة أن المغرب العضو المؤسس للوحدة الإفريقية، لا يمكنه أن يعمل على إقبار هذه الوحدة. فلم يبق لنا الآن إلا أن نتمنى لكم حظا سعيدا مع شريككم الجديد، الذي سيتعين عليه أساسا أن يملأ الفراغ الذي سيتركه المغرب، على مستوى الأصالة والمصداقية والاحترام، إفريقيا وعالميا. وسيأتي يوم يعيد فيه التاريخ الأمور إلى نصابها، وفي انتظار ذلك، فإن البعض منا – وهذه حقيقة مؤلمة – قد تحمل مسؤوليات بعيدة عن التعقل. وفي اليوم الذي سيعود فيه أولئك الذين تم تضليلهم إلى الحكمة الإفريقية من تلقاء أنفسهم، فإن المغرب العريق في تقاليده وتاريخيه، سيتذكر أن الحكمة تتغلب دائما على أخطاء المسير. ومع وفائي لإفريقيا، وإيماني في مستقبلها، سأظل شقيقكم الأمين والفعال.