لم يرحل الروائي الرائع غابريال ماركيز. فلحسن الحظ أن التغريدات التي نقلت نبأ وفاته عن جرائد الكترونية يوم الاثنين 14 مايو 2012، عارية من الصحة.
لم يرحل صاحب كتاب "مائة عام من العزلة"، و"الحب في زمن الكوليرا"، و"معلن من الموت"، وهو الحاصل على جائزة نوبل للآداب، الذي سيظل واحدا من الرجالات الذين بصمت شخصيتهم القرن العشرين.
فمن يكون الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز؟
إن له أكثر من وجه رائع، و"فبراير.كوم" تقرأ لكم بعضا من أوجهه في أكثر من موقع. هكذا قدمته مثلا "المدينة" السعودية:
لا يحلم أي روائي في العالم أن تُوزع من رواياته مليون نسخة حتى في أكثر أحلامه جموحاً، ولكن رواية الروائي الكولومبي العالمي والحائز على جائزة نوبل غارسيا ماركيز: (مائة عام من العزلة) وزع منها ما يقارب 30 مليون نسخة.. وتُرجمت إلى 33 لغة حول العالم.. وتحوَّل بعدها ماركيز إلى ظاهرة فنية جذبت الأنظار بقوة إلى أدب أمريكا اللاتينية وأسلوب الواقعية السحرية الذي تفجَّر على يديه.. وأضفى على أعماله الأدبية جمالاً وروحانية أخّاذة.
وتحول بعدها إلى أيقونة لاتينية يحتفي به العالم ويرافق زعماءه أمثال فيدل كاسترو، وتشي غيفارا، ولأن الرئيس الأمريكي السابق (كلينتون) كان مثقفاً ويهوى قراءة الروايات.. فقد دعاه إلى البيت الأبيض رغم ماضيه الشيوعي.
كان ماركيز في أحد أيام 1965 يقود سيارته برفقه عائلته الصغيرة متجهاً إلى بيت عائلته الممتدة الكبيرة، وفجأة التمع في ذهنه مطلع روايته مائة عام من العزلة.. فما كان منه إلى أن عكس اتجاه السيارة وقفل عائداً, وودع أصدقاءه وطلب من زوجته أن لا تفتح الباب.. أو تجيب على الهاتف وقطع صلته بالعالم الخارجي وبدأ في كتابة الرواية.
يقول ناشر ماركيز: (بعد سنة من الانقطاع أرسل لي المائة صفحة الأولى فوجدتها عملاً فنياً من طراز رفيع.. رواية ماركيز حررتنا جميعاً).
قالت اللجنة التي اختارت أعماله لجائزة نوبل عن مائة عام من العزلة: (ربما أفضل رواية في اللغة الإسبانية منذ رواية «دون كيشوت».. ماركيز ينحدر من كُتّاب أمريكا اللاتينية ذوي المكانة والشهرة: بورخيس, أسترياس, كاربينتيّر.. اكتسب قراء أكثر عدداً خارج حدود القارة الأميركية وعالمياً, وبصورة لم تحدث في السابق, لقد كسر الحواجز الإقليمية وربط ثقافات القارة, وجدد اللغة والخيالي).
عاش الروائي سنواته الثماني الأولى في بيت جده وجدته من ناحية الأم.. كان في اتصال بما هو «فوق طبيعي», من خلال حكايات جدته: عالم من الأساطير والتنبوءات بالكوارث والخرافات وحكايات عن التمردات والحروب الأهلية بالإضافة إلى عماته اللواتي طوال فترة طفولته, أفعمن جو البيت بالأرواح, والخادمات الأمريكيات الهنديات, والأفارقة السود الذين يعودون من عملهم في المزارع وفرق السيرك التي تمر بالمدينة قادمة من المجهول ذاهبة إليه.
كان ماركيز متفوقاً موهوباً في طفولته لكن في الجامعة ترك دراسته للقانون, واضطر لممارسة مختلف المهن.. أو على حد تعبيره: «يجب أن آكل, بعت موسوعات, أصبحت مراسلاً صحفياً في نيويورك, وروما، وباريس وجنيف».. وفي كل الأحوال كان يعيش عند حافة الحاجة.. وعن قراءاته يقول: «كنت أذهب إلى مكتبة المدرسة.. وأقرأ الكتب المصفوفة على الرفوف من اليسار إلى اليمين».
إنه الروائي الظاهرة الذي صنع مجده.. ومن ثم اختار العزلة ليرقبه عن كثب، يقول في كتاب سيرته الذاتية (أعيش لأروي): (لطالما شعرت بأنني لا أعيش العالم من حولي.. بل أرويه قصصاً وحكايات).
أما مجلة عرب 48، فقد سبق أن نشرت رسالة كان قد وجهها إلى أصدقائه، وقد انتشرت تلك الرسالة بسرعة، بفضل الانترنت، فوصلت إلى ملايين المتابعين والمحبين عبر العالم.
حيث قدمتها على النحو التالي:إنها رسالة حب للعالم، يكتبها أشهر روائي عالمي من فراش مرضه خطاب محبة للبشرية، قبل أن تكون وداعا لأرض عليها ما يستحق الحياة، لقد اعتزل الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز الحياة العامة لأسباب صحية بسبب معاناته من مرض خبيث. ويبدو أن صحته تتدهور حاليا.. ومن على فراش المرض أرسل رسالة إلى أصدقائه، وقد انتشرت تلك الرسالة بسرعة، بفضل الانترنت، فوصلت إلى ملايين المتابعين والمحبين عبر العالم. فهذا النص القصير الذي كتبه ألمع كتاب أمريكا اللاتينية، مؤثر جدًّا وغني بالعبر والدروس، وفي ما يلي نص رسالة ماركيز للعالم:
"لو شاء الله أن يهبني شيئا من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي.. ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتمًا سأفكر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه.
سأنام قليلاً، وأحلم كثيرًا، مدركًا أنّ كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد، وإنما عاري الروح أيضا. سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق. سوف أعطي للطفل الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلَّم التحليق وحده. وللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة، بل بفعل النسيان. لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر... تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه. تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرّة الأولى، فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد. تعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف. تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن، قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضب في حقيبتي أكون أودع الحياة. قل دائمًا ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه. لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعيّ ولتضرعت إلى الله أن يجعلني حارسًا لروحك. لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت "أحبك" ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك. هناك دومًا يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبدًا. لأن الغد ليس مضمونًا لا للشاب ولا للمسن.. ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم. فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرة. حافظ بقربك على من تحب، اهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكرًا، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها. وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك.