ماعاد الملك شابا، ولا عهده عهدا جديدا، أكمل الجالس على العرش إلى عقده الخامس وصار اقرب الى الكهولة منه إلى الشباب، لقد أمضى 14 السنة في السلطة بحلوها ومرها، وماعاد المغاربة يسعون إلى اكتشاف من يحكمهم، صاروا يعرفون ملكهم وصار هو يعرفهم ويعرف ما يريدون وما لا يريدون ،وفي اللحظات الحرجة يعطيهم أكثر مما يتوقعون منه ،قبل ان تتدخل آلة السلطة الأكبر من الجميع فتعيد ضبط ساعة الإصلاحات على التوقيت المحلي مستغلة ضعف النخب السياسية وتقليديتها. هذا الأسبوع أطفا الملك شمعته الخمسين، وخطب في الناس بهذه المناسبة بأسلوب لم يعهدوه. وبنبرة لم يالفوها، لقد جاء هذا الخطاب يحمل لمسة حميمية و عاطفية ، تحدث فيه الملك عن نفسه وعن دراسته وعن قربه من شعبه، وعن حزبه المفضل ،الذي هو المغرب، وعن سواسية الناس فقيرهم وغنيهم عنده ،لقد تحدث الملك محمد السادس المعروف عنه ابتعاده عن الحديث للإعلام والصحافة بأسلوب مغاير عن السابق .وهذا دليل على وعي القصر الملكي بأهمية التواصل الحديث في عالم التسويق السياسي ،حيث يمزج الساسة بين حياتهم الخاصة ومسؤولياتهم العامة، وحيث يحرص من يحكم على التجاوب مع اتجاهات الرأي العام، وأحكامه ،وخاصة الشباب في بلاد ثلثا سكانها من الشباب0
ليس هناك من سر في هذا التحول، فحادثة السير التي وقعت داخل منطقة العفو الملكي بمناسبة عيد العرش الماضي وادت إلى الإفراج خطا عن وحش بشري اسمه دانييل كان يقضي عقوبة 30 سنة سجنا لأقدامه على اغتصاب 11الطفلة مغربية، حادث اثر سياسيا وإنسانيا في الجالس على العرش، فلأول مرة وجد الملك نفسه في وسط أزمة كبيرة، وسوء فهم حاد، بينه وبين شعبه بدون وساطة ولا ( بارشوك) ،وإذا كان الملك قد تحرك لإطفاء الحريق لوحده ،فتاسف لما حدث واعترف بوجود خطا، وسحب عفوه، ووعد بإعادة تنظيم حق العفو من اصله، وعاقب واحدا من خدام دار المخزن ( حافيظ بنهاشم) ،فان الأمر مع ذلك خلف جرحا ستظل آثاره بادية للعيان مدة طويلة ،ولهذا فالحادث يجب ان يفتح الأعين كلها في القصر وخارجه على الواقع الجديد. وهو ان المغاربة وخاصة شباب اليوم شباب الفايس بوك والتويتر واليوتوب ،ماعادوا مثل آبائهم وأجدادهم يكتمون غيضهم، ويصبروا على البلاء، ويتفهموا ضرورات حكامهم، ويغضوا الطرف عن أخطائهم .
شباب اليوم الذي يوجد أكثر من 15 المليون منهم مرتبطون بشبكة لانترنيت، صاروا مواطنين يشعرون ان لهم عالم افتراضي شكلا واقع عمليا يكفل لهم حرية الرأي والتعبير وبسقف عال جداً لا تتيحه جل المنابر الإعلامية التقليدية، التي سقطت سقوطا مريعا بمناسبة فضيحة دانييل، حيث ظلت صامته لمدة أربعة أيام، حتى صدر البلاغ الاول للديوان الملكي ،الذي اعترف بوجود خطا في العفو، ولو لم يصدر هذا البلاغ لسمعنا صحافيين وكتاب وأقلام تبرر العفو عن دانييل باعتباره يراعي المصالح العليا للوطن، وباعتبار القصر معصوما من الخطأ، وهلما جرا من تبريرات مدفوعة الأجر ماديا أو مدفوعة بالخوف معنويا. المغربي تغير، وأسلوب حياته تغير، وطرق تواصله تغيرت، وإحساسه بالخوف تراجع، وشعوره بالفردية والمواطنة ينمو يوما بعد آخر. صحيح انه لا يصوت إلا نادرا، ولا يشترك في الأحزاب والنقابات إلا بنسبة قليلة. لكن مياه كثيرة تجري تحت جسر شباب اليوم واكثر منه شباب الغذ الذي صار يؤثر ويتأثر بما يجري حوله في الداخل والخارج .
الإنترنيت ليس مجرد حاسوب وكونكسيون ومحركات بحث ومواقع للدردشة والتواصل الاجتماعي. الإنترنيت ثورة ثقافية وسياسية وإعلامية وتواصلية هائلة، وهي إذ تمحي الحدود الجغرافية والثقافية بين الدول والمجتمعات والثقافات، فإنها تزرع بعض اهم خصائص المواطنة وهي حرية الرأي والتعبير ،والقدرة على الوصول إلى الآخرين والتواصل والتفاعل معهم ، لقد كان لافتا للنظر الحجم الكبير جداً من التعليقات التي صاحبت فضيحة دانييل على صدر مواقع التواصل الاجتماعي وكان لافتا ان تظاهرات كثيرة خرجت إلى الشارع في مدن عدة للاحتجاج على قرار العفو الملكي عن الوحش دانييل كان مصدرها هو الفايس بوك والتويتر والصحافة الإلكترونية وان الداعين لها شباب بعضهم خرج من رحم 20 فبراير ،وبعضهم نزل إلى الشارع لأول مرة، لا حزب ولا نقابة ولا هيأة ولا جمعية ولا منظمة أطرت هذا النزول إلى الشارع،و واحدا لم يهتم بوجود ترخيص للتظاهرة من عدمه، او بضرورة تأطير الاحتجاج في الشارع العام من عدمه هذه مفاهيم صارت من الماضي، اليوم هناك مغرب مادي تحكمه القوانين والسلطة والحدود والمواضعات ، وهناك مغرب افتراضي لا سيادة فيه لاحد والجميع يشعر داخله بالحرية المطلقة والحلقة الأكثر حساسية هي درجة ومقدار التفاعل بين المادي والافتراضي والخروج من الثاني إلى الاول والعكس 0
اليوم هناك رقم جديد دخل إلى المعادلة،هو ( والمواطن الإنترنتي ) وعلى السياسي ان يحرص على الانسجام مع قيم حقوق الإنسان و الديمقراطية والحكامة ودولة الحق والقانون لان هذه القيم الحديثة هي معيار الحكم على تصرفات السلطة والمعارضة في جمهورية النيت الحرة .