حضور رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قبل أسبوعين، كان سابقة في تاريخ هذا الصندوق الذي أحدث في نهاية خمسينات القرن الماضي، ولم يسبق لأي وزير أول أن حضر اجتماعا لمجلسه الإداري. حضور رئيس الحكومة إلى «المجلس الإداري» لصندوق الفقراء هدية رمزية، لكن الهدية الفعلية لهذا الصندوق، الذي يعيش زبناؤه أوضاعا مجحفة، هي أن يمتلك بنكيران الشجاعة السياسية لإصلاح الإطار القانوني لهذا الصندوق حتى لا يبقى 2.5 مليون منخرط في هذا الصندوق وعائلاتهم يعيشون على تعويضات بخسة... وعلى معاشات يندى لها الجبين إن كانت هناك جباه مازالت تندى، كيف ذلك؟ منذ تأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 1959، وضعت الدولة نصا قانونيا يجبر إدارة الصندوق على وضع ودائعها كاملة في صندوق الإيداع والتدبير، وحددت لذلك فائدة صغيرة جدا تقل بكثير عن معدل الفائدة في السوق المالي. مرت السنوات، وتغير النسيج الاقتصادي الوطني، وظهرت هناك صناديق أخرى وطرق جديدة لتمويل «CDG»، كذراع مالي للدولة، والبعض يقول للمخزن، ومع ذلك ظلت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مكبلة أيديه ومحروم من استثمار مدخراته في السوق المالي بما يعود بالنفع على المنخرطين، الذين يقدر عددهم بأكثر من 4.5 ملايين، إذا احتسبنا المنخرطين وعائلاتهم. اليوم، صندوق الضمان الاجتماعي يخسر حوالي مليار درهم سنويا (ألف مليار سنتيم)، لأنه يضع ودائعه لدى «CDG» بفوائد لا تتجاوز %3.7، في حين أنه إذا ما أطلق سراحه، وأعطيت لإدارته الحرية الكاملة في توظيف ودائعها، التي تزيد على 31 مليار درهم (زادت السنة الماضية بحوالي %25) في السوق المالي، سيربح صندوق الفقراء أموالا كثيرة ستساعده على رفع قيمة التعويضات العائلية (حاليا محصورة في 200 درهم)، وتعويضات الشيخوخة التي وصلت اليوم، بعد الزيادة فيها، إلى 1000 درهم، وكانت قبل ذلك تصل إلى 300 درهم و200 درهم وأقل... إنه المنكر بعينه. تصوروا عاملا كان يتقاضى 2500 درهم في الشهر، وبعد 30 أو 40 سنة من العمل ومن المساهمة في صندوق التقاعد يجد نفسه، وقد نال منه الكبر وتحول جسده إلى دولاب للأمراض، يتقاضى 1000 درهم شهريا. ماذا يصنع بها؟ أما أكبر إطار منخرط في الصندوق، والذي يتقاضى في المعمل أو البنك أو الشركة 20 ألف درهم أو 30 ألف درهم شهريا، عندما يصل إلى سن التقاعد لن يصله من CNSS سوى 6000 درهم شهريا، وهو أعلى تعويض يعطيه الصندوق لزبنائه... هذا حرام. في المغرب هناك عدة أنظمة للتقاعد (الصندوق المغربي للتقاعد، الصندوق المهني المغربي للتقاعد، النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد...)، لكن كل هذه الصناديق لها الحرية الكاملة في تدبير واستثمار مدخراتها، فنجد الصندوق المغربي للتقاعد يحصل على %6 من مدخراته، في حين لا يحصل CNSS سوى على %3.7 من «CDG»، وهذا معناه أن الصندوق المغربي للضمان الاجتماعي يخسر مليار درهم كل سنة... إذا كان «CDG» يخدم المصلحة العامة، وهذا ما يحتاج إلى دليل ونقاش، خاصة عندما تحولت هذه العلبة إلى الاستثمار في «منتجعات الغولف والمرافئ والمارينا وأسهم ClubMed، وأضحى يشبه الصندوق الأسود للدولة.. إذا كان «CDG»، وبغض النظر عن كل هذه الملاحظات، يخدم المصلحة العامة، فلماذا تلزم الدولة CNSS لوحده بوضع مدخراته في صندوق «CDG» بنسبة فائدة متدنية، في حين أن صندوق تقاعد موظفي الدولة لا يلزَم بذلك. هذا القانون غير دستوري، وإذا طعن فيه السيد سعيد حمدوش أمام المحكمة الدستورية سيربح القضية لا محالة، لأن هذا القانون حيف وضرب لمبدأ المساواة وتقاسم الأعباء بين المغاربة. هنا نأتي إلى بيت القصيد. إذا كان بنكيران يريد سياسة اجتماعية حقيقية، فما عليه إلا أن يرفع الحيف عن ملايين العمال وأسرهم، الذين يتقاضون الفتات من صندوق يستغل الأغنياء أمواله وأن يلغي القانون الذي يجبر «CNSS» على وضع كل بيضه في سلة واحدة.