كاينة الهرماكة أمرية... أحسن ليك رجعي اللور..خليني أنا نصور.. لا تظهري في الصورة..."... أحسن ليك بلا متصوري..." هكذا حذرني أحد زملائي في جريدة ورقية، قبل أن تنطلق وقفة بدأتها العناصر الأمنية، واستبقت انطلاقتها على الساعة التاسعة. وصلت وزملائي إلى المقهى المقابل للبرلمان على الساعة التاسعة ليلا، قادمين من المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار. أن ننتقل من هذا الحدث إلى ذاك في نفس اليوم، مع اختلاف الأمكنة والسياق وأسباب النزول، يكاد يكون عملا روتينيا بالنسبة للصحافيات والصحافيين..
كانت كل الطرق المؤدية من وإلى البرلمان، مغلقة، وقد سدت منافذها الحافلات وسيارات الأمن وتعددت التشكيلات الأمنية والرؤساء الذين يرسمون الخطة الأمنية.. للحظة خيل أنني أمام استعراض أمني.. وأخيرا، ظهرت عناصر أمنية، كانت شرارة العنف، تتطاير من أعين أصحابها، بدرجات تجاوزت، تلك الأعين التي وزعت وفق خطة محكمة، على ممرات الشارع. فجأة، استبقوا الوقفة. وسبقوا المنظمين، وبادروا قبل أن يفتح المحتجون أفواههم إلى إخراسها بالهراوات.. وأنا أقوم بواجبي كصحافية، عزلوني في زاوية مظلمة، وركزوا بهراواتهم على الجزء الأسفل من جسدي، وقد انشغل جميعهم لإسقاط حزمة في يدي لإسقاط، لم تكن سوى كاميرا صغيرة، كنت ألتقط بها مشاهد من وقفة أدانت العفو وإطلاق سراح مغتصب الأطفال الإحدى عشر. ..وتزايدات ركلاتهم. ولا أدري ما الذي جرى لي بالضبط! بقيت صامتة.. كان يكفي أن أقدم لهم نفسي، وأن أدلي لهم ببطاقتي الصحافية المهنية، وأن أؤكد لهم أنني ها هنا لأقوم بواجبي كصحافية، وأن أغطي قضية عفو تحولت إلى رأي عام.. سمعت حينها العبارات التالية تنهال من عشرة أفواه تقريبا:" حيدي من هنا لدين ربك.. سيري تقو.. خمجوا لدين مها وجهها.." لم أفتح فمي بعدها. ألأن الكلمات كانت صادمة أو لأنه لم يعد يجدي الكلام، بعد الذي حصل، بعد كل الذي حصل..؟ للحظات طالت، كدت أنهار والضربات تنهال علي يمنة ويسرة، شيء ما، بل أشياء كثيرة، جعلني خرساء.. إنها مشاهد طفلة تبكي وأمها تصرخ ووالدها يحملها فوق كتفها.." هذا عار هذا عار، وليداتنا في خطر. واش تقبل أنت يوقع لوليداتك داكشي لوقع ل11 طفل؟..أنا كنحتج أنا كنحتج.. أنا خايفة على بنتي.. مغنولدش من بعد اليوم.." يجيبها أحد عناصر الأمن من الخلف بصوت لا يسمعه إلا مجاوريه:" تولدي أولا متولديش.. تمال دين مك غادي تولدي لينا انشطاين.. العْكر.."!! كل هذه الكلمات، الصور، التي خزنتها عدسة الكاميرا.. جعلتني شبه خرساء... إن لي سوابق مع مرتدي البذلة الأمنية في مهنة مليئة بالأشواك، وقد تفنن بعضهم في تعنيفي في وقفات ومسيرات، غطيتها باسم أسبوعية "الصحيفة" أولا ثم "الأيام" ثانيا، قبل أن يأتي الدور على موقع "فبراير.كوم"، في كل المراحل السابقة كنت أصرخ، أنتفض، أدافع عن نفسي.. في هذه المرة، اكتشفت أن جسدي استأنس الضربات، كلمات وركلات مثل هاته، لا ينفع معها صراخ أو إدانة. ما كان لدي ما أقوله لأصد الركلات التي استعمل في أغلبها "البرودكان" بالنسبة للقوات المساعدة وأحذية عناصر الأمن الوطني.. ما عدت انشغل بحماية نفسي لأقوم بمهمتي، ما يشغلني أكثر أن لا أضيع الصور، وأن أنقل الحقيقة، بالصوت والصورة لزوار "فبراير.كوم"، كما هي خالية من الرتوشات..