أصدرت المحكمة حكمها على الصحفي الشاب يوسف ججيلي، مدير تحرير أسبوعية "الآن"، بشهرين حبساً مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 50.000 درهم، لأنه ببساطة نشر فاتورة عشاء للوزير عمارة بدولة "بوركينافاصو"، تناول فيها قنينة شمبانيا بغرفته ودفع ثمنها من أموال الشعب، في وقت تحكم المغرب حكومة يرأسها حزب إسلامي ينتمي له الوزير عمارة. والمشكل هو أن الصحفي نشر فاتورة صحيحة حصل عليها من مصادره، بينما الوزير الذي كذَب الصحفي لم ينشر فاتورته ليزهق ما سماه بالباطل. و الأمور كانت ستنتهي ببساطة لو نشر الوزير فاتورة إقامته ببوركينافاصو، ويفقد بذلك الصحفي شرعيته و يظهر كذبه أمام الملأ بعيدا عن المحاكم و السجون.
في الحقيقة لا ندري ماذا تغيَر في المغرب إذا كانت الحكومة التي وعدت بألَا يدخل أي صحفي السجن في عهدها، تحكم على صحفي بالحبس لأنه ببساطة نشر فاتورة عشاء. ولا ندري ما موقف مصطفى الرميد وزير العدل من هذا الحكم، وهو الذي كان يترافع في قضايا الصحفيين قبل أن يجلس على كرسي الوزارة.
والحقيقة هي أنه ليست المرة الأولى التي تتربص فيها حكومة بنكيران وحزب العدالة والتنمية بالصحافة، فكلنا نتذكر كيف هاجم بنكيران صحفية من القناة الثانية أيام كان في المعارضة وطردها من المكان الذي كان يجلس فيه داخل البرلمان. وكلنا نرى ما تتعرض له القناة الثانية من هجمات لأنها عرضت تقريراً في أحد البرامج يفضح الحالة الاقتصادية الكارثية للبلاد. وكلنا قرأنا هجوم الرجل الثاني في حركة التوحيد والاصلاح على الصحفي رشيد نيني، لأنه فضح مخطط مصطفى الخلفي لتعيين مدير ديوانه كاتباً عاماً لوزارة الاتصال لترسيخ الفاشية الجديدة في هذه الدولة.
نعم انها الفاشية الجديدة التي نعيشها اليوم مع السيد بنكيران واخوانه، الذين وصلوا إلى الحكم بشعارات الديمقراطية والحقوق ثم انقلبوا على الديمقراطية والحقوق في أول فرصة. وبدأ وزير العدل بسجن الشباب الذين أوصلوه إلى الحكم بعد أن ركب على خرجاتهم و شعاراتهم. وبدأ وزير العدل في سجن الصحفيين الذين أوصلوه بمقالاتهم إلى ما هو فيه اليوم بعد أن كان يلتقط الصور معهم وهم معتقلون سابقاً،. وبدأ الحزب الإسلامي الفاشي يعاقب شعبا بأكمله لأنه وضع فيه ثقته و أوصله إلى كرسي الحكم.
نعم انها الفاشية الجديدة التي تريد الهيمنة على كل شيء ولا تبالي بمعاناة الشعب وانتظاراته، ولا يهمها أن يموت الناس جوعا أو أن يشرد الناس في الشوارع لأنهم لا يجدون عملاً، ولا يضرها أن يقف الاقتصاد ويفقد المستثمرون ثقتهم في البلاد وناسها، لأن هدفهم كان ومازال هو تركيع الجميع وإقامة دولة السمع والطاعة التي يحكمها مرشد الإخوان في مصر وتستمد شرعيتها من دعوات المرشد الأعلى في إيران.
لا يجب أن تستغربوا من سجن الصحفيين إذا نشروا ما يزعج الفاشية، ولا يجب أن تستغربوا من اعتقال الشباب المعطل في الشوارع إذا ازعجوا الفاشية وطالبوا بلقمة عيش كريمة، ولا يجب أن تستغربوا من جلد المواطنين الجياع في المغرب العميق إذا احتجوا على سلوك رجل سلطةٍ. لا تستغربوا إذا عدنا إلى سنوات الرصاص، لكن بنكهة اسلاموية هذه المرة. لا تستغربوا لأننا فعلاً نعيش عصر الفاشية الجديدة.