في التسعينات كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر على وشك الفوز بالانتخابات التشريعية، لولا التدخل العنيف للجيش الذي حرمها من ذلك. وفي تونس سيطر حزب النهضة على الحياة السياسية منذ الإطاحة بالنظام وفرار الرئيس المخلوع بنعلي. وأصبح الحزب الإسلامي، العدالة والتنمية، أول قوة سياسية بالمغرب. ومنذ سنوات وقادته يجسدون المعارضة، وفي نفس الوقت يحرصون على التذكير بتمسكهم بالملكية. استراتيجية هؤلاء تبعث على الحيرة. فخلال الانتخابات التشريعية لعام 2002، قبلوا تحت ضغط وزارة الداخلية بعدم ترشيح ممثليهم في كل الدوائر الانتخابية. وبعد سنة، أي بعد الحادث الإرهابي الذي ضرب الدارالبيضاء، وهو من تدبير سلفيي القاعدة حسب السلطات، عرف هؤلاء كيف يلجمون مناضليهم في انتظار أيام أحسن. والأيام الأحسن ستأتي في انتخابات 2007 التي وضعتهم استطلاعات الرأي فيها في مقدمة الفائزين بتفوق، قبل أن يقدم القصر الملكي، بنجاح، على تجنيد كل الوسائل لإضعافهم.. وجاءت انتخابات 2011 ليحققوا فوزا ساحقا على منوال حزب النهضة التونسي، حيث توجهوا، في الحال، برسالة تطمينية باتجاه البلدان الغربية، مؤكدين أنهم لن يقيموا دولة إسلامية على الحدود الجنوبية لأوربا. الهدف من الرسالة هو تثبيت الإسلاميين المحافظين بهدوء، والقيام بتغييرات تدريجية في النسيج الاجتماعي والسياسي بدعم من الرأي العام الذي يتبنى، في جزء منه، مواقف الحزب المنتقدة لبعض الحريات الفردية المستوردة من الغرب.. ويجد خطاب حزب العدالة والتنمية صدى واسعا في الأوساط الفقيرة وحتى لدى الفئات المتوسطة. مثل هذه الاستراتيجية تضايق بشكل كبير العلمانيين الفرانكفونيين الذين يخشون أن يسجل البلد تراجعا في البناء الاجتماعي الحداثي، وفي بعض المكتسبات التي حققتها المرأة. وحتى الآن يرفض الحزب أن يوصف بأنه بصدد المساس بمنظومة الأخلاق السائدة، حتى وإن كان يعد ببعض الرتوشات التي يعتبرها ضرورية. ومن الصعب الاطمئنان إلى مظاهر الاعتدال والانفتاح التي يتفاخر بها الحزب، ذلك أن أمينه العام ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لا يفوت فرصة دون أن يشدد على وطنيته «الإسلامية»، حيث اللغة الفرنسية التي يتقنها تشكل، برأيه، عبئا على الثقافة والتعليم، وتعتبر نوعا من الاستعمار الجديد، فيما يعتبر العلمانية مرضا، والمهرجانات الموسيقية وسيلة لتكريس مظاهر الانحراف والرذيلة. ولم يفته، خلال أحد التجمعات التي نظمها شباب الحزب، أن يعرب عن امتعاضه مما يسمى بحرية الاعتقاد وحرية الجنس، «فالعلمانيون يريدون أن تنتشر العلة في أوساط المتشبعين بالدين، ويرغبون في أن يشيع الانحراف الجنسي في المجتمع. على هؤلاء المتمسكين بمثل هذه القناعات أن يختفوا لأننا لو أمسكنا بهم لطبقنا عليهم عقاب الله». مثل هذا الكلام لم يصدر من خطيب سلفي ولكن من زعيم حزب هو اليوم رئيس حكومة. ومثل هذا الكلام يلقى رواجا كبيرا في المدن العصرية، مثل مراكش، فحينما يعبر الفرنسيون ممن يملكون الإقامات أو الروض بالمدينة عن تضايقهم من الأذان، فإن ذلك يقوي رأسمال الإسلاميين. أما محمد السادس، فلا يتدخل في الشأن الحزبي المغربي، وقد اختار التوجه إلى باريس أثناء الانتخابات حتى يعلو على النزاعات التي قد تشوبها، ويؤكد حياده بشأنها، فيما قلل وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبي، من أهمية فوز الحزب الإسلامي، معتبرا أنه لم يحقق الأغلبية المطلقة بالبرلمان. الإسلاميون ليسوا وحدهم من يعزفون على وتر تخويف المغاربة من الخطر الأجنبي، فهناك بعض المحافظين من أحزاب أخرى، وأيضا من الدوائر الرسمية أحيانا. فحينما يتم انتقاد نظام الملكية، تبادر تلك الجهات، مدعومة بالإعلام الرسمي، إلى اتهام فرنسا وإسبانيا والجزائر وحتى البوليساريو بالوقوف وراء ذلك. وحينما لم يستجب السينمائي الإسباني، بيدرو ألمودوفار، لدعوة ملكية لحضور تظاهرة ثقافية بمراكش، هب الكاتب الطاهر بنجلون ليصفه بوريث الفرانكفونية والعنصري المعادي للعرب.