المسيرات والتظاهرات التي خرجت في المحافظات المصرية، أمس، تقدم الدليل على أن سرطان الخرافة والدجل لم يلتهم كل خلايا الوعي والعقل بعد. يشارك السيسي في العاصفة أو لا يشارك. يترأس قمة عربية في « شرم شيخه »، أو لا يترأس، يبقى رئيس سلطة جاءت بانقلاب، أراق الدماء وأهدر الحقوق. لذا، يخرج هؤلاء الثوار الصامدون، غير عابئين بالتغيرات المناخية والتبدلات الإقليمية. « مصر في خطر ». كان هذا هو الشعار الذي انطلقت به التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري، إذ يدرك المتظاهرون أن الخطر ليس في باب المندب ولا في إثيوبيا، بقدر ما هو كامن في رأس نظام، يأخذ البلاد إلى القاع باندفاع غريب، مطمئناً إلى أنه نجح في إعطاب الوعي، ومن ثم كل ما يلقيه على مسامع الناس من أكاذيب وأضاليل، هو حقائق. لقد بلغ حد ترويج الدور العسكري المصري، والزعم بتنسيق مسبق مع السعودية في عملية « عاصفة الحزم » حد الجنون والعته. انتقلنا من طرد الأسطول الإيراني من باب المندب إلى مرحلة متقدمة جدا في الهلوسة، يجسدها إعلان المصادر الأمنية المصرية في صحيفة أخبار اليوم الحكومية عن اعتقال أول خلية للحوثيين في سيناء، تتضمن خلطة عجيبة من « الإخوان الإرهابيين » و »أنصار بيت المقدس » والدواعش، إلى جانب الحوثيين بالطبع. هنا، تتجاوز المسألة حدود الاستغفال والتدليس، لتصل إلى حالة من احتقار القارئ، وإهانته، والتنكيل بوعيه، بلا رحمة، هذا إذا افترضنا أن الأخبار بهذه الصيغة، تدرك أنها تلعب بوعي هزيل وعليه. ومن دون ذلك، ستكون أمام كارثة، تتطلب إيداع كل من شارك في صناعة مثل هذا الخبر مستشفى الأمراض العقلية فورا. وواقع الأمر أن النظام الرسمي الذي أمعن في تصنيع الأوهام وتسويقها، حتى بات هو نفسه واقعا تحت تأثيرها، أفاق على زلزال هائل في اليمن، فلم يدر ماذا يفعل، فقرر بلا تفكير أن يهتف مع الهاتفين، ويصيح مع الصائحين: شرعية .. شرعية، وبعد النفي القاطع لعلم الدولة المصرية بشأن تحرك عسكري عربي. فجأة، تبدلت العناوين إلى « أسرار وكواليس التنسيق العسكري السعودي المصري »، وينهمر بعدها سيل من قصص وحكايات العمليات العسكرية الأسطورية في تحالف « الحزم ». إن هذا التهليل المبالغ فيه من نظام السيسي لعملية « عاصفة الحزم » ليس نابعا من موقف يتسم بشيء من المبدأية والاحترام، بل يأتي أساساً من براغماتية وانتهازية، تصور له أنه بالإمكان، الآن، الحصول على غنيمة « القوة العربية الموحدة » على وقع طبول الحرب في اليمن، وهي الفكرة التي يسعى إلى تنفيذها منذ شهور، تارة بالابتزاز، وأخرى بالإلحاح والاستعطاف، وثالثة بإغراءات سخية، من نوعية عرض خدمات التدخل برياً في الصراع باليمن. ومهما يكن من أمر، فإن مزايدة نظام السيسي على الجميع، في إعلان الخصومة والرفض لانقلاب الحوثيين في اليمن، لن تنفي عنه أنه نظام انقلابي، كما لن ينجح صياح بشار الأسد وحسن نصر الله والحوثيين بالموت لأميركا والموت لإسرائيل، والطنين المستمر عن المؤامرة الأميركية الصهيونية الإمبريالية، لن ينجح كل ذلك في إخفاء حقيقة أن هذا المعسكر ارتكب فظائع، ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، بحق الشعوب العربية وقضاياها وأحلامها في التغيير. وكما قلتها مرارا: السيسي والحوثي هما وجها عملة الثورة المضادة، لا فرق بينهما، حتى إن قلت عبد الملك السيسي وعبد الفتاح الحوثي لن تكون بعيداً عن الحقيقة. ويمكنك أن تضيف إليهما بشار الأسد وخليفة حفتر، رفقاء مشروع واحد، حتى وإن اختلفت روافد الدعم الإقليمية، وبالتالي، كانت المقدمات كلها تنطق بأن المنطقة كلها وكأنها متجهة إلى جحيم مستعر، سيكتوي به أولئك الذين أطلقوا العنان لأدوات المشروع المعادي لثورات الربيع العربي. وليس جديدا ما تسمعه، الآن، من دوي شعارات رنانة عن العمالة والخيانة والممانعة، ذلك حدث ويحدث وسوف يحدث، من أنظمة القمع والاستبداد، والفساد، تهرب دائما من حقوق البشر في الديمقراطية والكرامة، إلى افتعال أجواء معارك كبرى ضد « أعداء الأمة »، بحيث يصبح كل معارض لاستبدادهم وطائفيتهم، سواء طائفية مذهبية، أو طائفية مجموعات المصالح، عميلا للصهاينة والأميركان.