بعد سنوات طويلة من دفاعه المستميت عن كيفية تطبيق الدولة ومعها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي كان يرأسه بين 2007 و2011، توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وبعد لوزمه الصمت منذ تعويضه بإدريس اليزمي على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمبرّر واجب التحفظّ، خرج أحد قيدومي اليسار المغربي ليوجّه عددا من الانتقادات والملاحظات لكيفية تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ومسار العدالة الانتقالية بالمغرب. أحمد حرزني، قال إنه بعد المدة التي قضاها خارج المسؤولية، استعاد حقوقه الكاملة كمواطن مغربي من أجل التخلص من واجب التحفظ، وأن التجربة المغربية الإيجابية والنموذجية في العالم، ليست كاملة ولا بعيدة عن النقائص.
وخلص حرزني إلى أن الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي تنتج عادة عن مسار العدالة الانتقالية، جاءت متأخرة في الحالة المغربية، «ولو لا حركة 20 فبراير، لكنا مازلنا نتأمل هل نقوم بها أم نزيد في الانتظار». وشدّد حرزني أمام أنظار مسؤولين دوليين وسياسيين وحقوقيين أجانب، خاصة من الدول العربية، أن ما طبع التجربة المغربية هو بطؤها، «والسبب بسيط وواضح، وهو أن الفاعلين، وخاصة الفاعلين السياسيين الذين لم ينخرطوا في التجربة، وعذرهم في ذلك أنهم يعانون من نوع من الضعف العام في الفكر وفي القدرة على الوجود الميداني». وناشد حرزني الأحزاب التي وصفها بذات المرجعية الديمقراطية، بأن تسترد زمام المبادررة والقوة «حتى ننهي هذا المسلسل وننتقل إلى مرحلة الديمقراطية وحقوق الإنسان بسرعة وبشكل نهائي».
أبرز ملاحظات حرزني الذي تحمّل مسؤولية تطبيق توصيات هيئة الراحل إدريس بنزكري، بعد إنها هذه الأخيرة أعمالها وتسليمها التقرير النهائي إلى الملك محمد السادس عام 2005؛ كانت غلبة الهاجس المادي لدى الضحايا حسب أحمد حرزني.
الأخير قال إن التعويض المادي للأفراد غلب على المقاربة التي اتبعها المغرب، «وهذا يعكس غلبة المصالح الفردية على اهتمامنا الجماعي كوطن وأمة وأحزاب وفاعلين، بالإسراع في تنفيذ مقتضيات العدالة الانتقالية». وأضاف الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، خلال مشاركته في ندوة دولية حول العدالة الانتقالية نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشراكة مع مؤسسة إدريس بنزكري، بمقر أكاديمية المملكة؛ أن بعض مكونات التعويض الفردي لم تخضع للدراسة الكافية قبل تطبيقها، مثل توصية الإدماج الاجتماعي لفائدة الضحايا. وذهب حرزني إلى أن هذه التوصية المتمثلة في تشغيل ضحايا سنوات الرصاص، «وُزّعت بكرم غير مدروس، خاصة أن الأمر يتعلّق بأناس صاروا في أغلبهم شيوخا ويستعصون على الإدماج».
جبر الضرر الجماعي بدوره لم يسلم من انتقادات حرزني. هذا الأخير وبعدما شدّد على أن الطابع العام للتجربة المغربية يبقى إيجابيا، «لكنها ليست كاملة شاملة لا يأتيها النقص من أمامها ولا من خلفها». وأوضح حرزني أن اختيار المواقع التي استفادت من جبر الضرر الجماعي قابل للنقاش، «وقد خضع أحيانا لظروف مثل وجود جمعيات، فحُرمت مناطق أخرى فقط لأنها لا تتوفر على جمعيات». وحتى طبيعة المشاريع التي أقيمت في بعض المناطق في إطار جبر الضرر الجماعي، غلب عليها حسب حرزني هاجس الدخل المادي لفائدة الضحايا، «رغم أن الطموح كان هو استقطاب مشاريع تطوّر مداخيل وتقوي قدرات تلك المناطق، لكن الواقع أن المشاريع المدرة للدخل كادت أن تكون طاغية، وهو ما يعكس أولويات الضحايا أنفسهم والتي هي للأسف الزيادة في مداخيلهم المادية».
الجانب المتعلّق بكشف الحقيقة في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، نال بدوره ملاحظات من قبيل عدم كشف الحقائق كاملة واستثناء بعض الملفات الشهيرة من هذه العملية. وعدّد حرزني الإكراهات التي واجهت كشف الحقيقة في الحالة المغربية، من قبيل أن «انخراط الفاعلين المعنيين لم يكن دائما في المستوى المطلوب، وكمية المعلومات التي توفرت لم تكن كافية، وحالة الأرشيف لم تساعد لدى الأجهزة المعنية من مستشفيات وشرطة، بل حتى الأجهزة السرية التي كانت تتوفر على استقلال مفرط واشتغلت حتى خارج القوانين المنظمة لها، بكل هذه الإكراهات يجب الإقرار بأهمية ما تحقّق». أما بقاء بعض الملفات الشهيرة عالقة دون كشف للحقيقة، فمردّه حسب حرزني إلى «عدم التعاون الكافي من الفاعلين المعنيين بها، خاصة القضايا التي تعود إلى السنوات الأولى للاستقلال إلى غاية السبعينيات»، بالإضافة إلى ارتباط بعض الملفات بأبعاد دولية، في إشارة إلى ملف المهدي بنبركة.