أنعش تصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، « ليس لدى المملكة مشكلة مع الإخوان المسلمين، إلا مع قلة تحمل بيعة للمرشد »، آمال الحركة بالعودة إلى الحضن السعودي، بعد قطيعة قاسية، قادت خلالها المملكة العربية، بجانب دولة الإمارات، حملة « سحق » الإخوان، والتأكد من إقصائهم من الحكم، حيث أمكن. كان الأسبوع المنصرم حافلاً بالتسريبات والتصريحات التي نجحت، إلى حد ما، في ضخ جرعة تفاؤل في جسد حركة الإخوان المنهك من الحصار، فبعد تسريبات لمكتب عبد الفتاح السيسي، يتحدث فيها عن دول الخليج بازدراء، ويصفها بأنها « أنصاف دول »، كما يصف حالتها المادية: « الفلوس عندهم زي الرز »، وأن العلاقة معهم تُدار بطريقة « هات وخد »، إلى تصريح الأمير الفصيل الذي أعتبر بمثابة فتح خط عودة للإخوان لإعادة التموضع خليجياً، لكن، وفقاً لشروط المملكة طبعاً. يبدو السؤال عن العلاقة بين السعودية والإخوان المسلمين سؤالاً مشروعاً الآن. فما هي الشروط السعودية، أو ما هو المطلوب من « الإخوان » خليجياً حتى يعاد تأهيلهم؟ إذا ما وضعنا في الاعتبار أن المملكة سبق لها أن وضعت جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وأن تطورات الربيع العربي جعلت من سياسة السعودية أكثر تشدداً تجاه الحركة الإسلامية الأكبر في المنطقة. لكن، ليس هذا كل شيء، فهناك تاريخٌ طويل من الاتصال والانفصال بين الطرفين. تعود العلاقة بين الإخوان المسلمين والسعودية، في جذورها، إلى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا، الذي أقام علاقات ود مع الملك عبد العزيز، ومع أعيان منطقة الحجاز، مستغلاً موسم الحج الذي كان البنا يحرص على حضوره كل عام، لكن العلاقة لم تتوطد بين المملكة والجماعة إلا في منتصف الخمسينات، بعدما تصادم الإخوان المسلمون مع الخصم المشترك، الرئيس جمال عبد الناصر، بعد محاولة اغتياله، حيث أودع كثيرين من قيادات الإخوان في السجون، ففر كثيرون من قياداتهم نحو المملكة العربية السعودية، التي وفرت لهم ملاذاً آمناً، وعززت من وجودهم في السعودية، بتمكينهم من السيطرة على بعض مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية، كالتعليم والشؤون الدينية، بالإضافة إلى تدعيم أوضاعهم الاقتصادية، بفتح المجال أمامهم لإنشاء شركاتهم الخاصة، والدخول في مناقصات الحكومة الضخمة في مجال المقاولات، حتى إن قيادات أعطيت الجنسية السعودية. لكن صفو العيش قد عكرته مجموعة ظروف إقليمية، كان منها تأييد الحركة الثورة الإيرانية، بقيادة الإمام الخميني، ثم أتت حرب الخليج الثانية، لتصب المزيد من الزيت على النار. فقد غزا الرئيس العراقي، صدام حسين، الكويت زاحفاً نحو حدود المملكة، لكن الجماعة قررت، حينها، الوقوف بجانب صدام، مُعلنة رفضها استقدام قوات أجنبية، تُعين دول الخليج على استعادة الأراضي الكويتية، وحماية حدود المملكة، حيث قادت الحركة التظاهرات المناهضة لدول الخليج، وللقوات الأجنبية في أكثر من قطر عربي، كما عملت حركة الصحوة، التي شكل « الإخوان » نواتها الأولى في السعودية، على تعبئة المجتمع السعودي ضد قرار الملك فهد السماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي السعودية لتحرير الكويت، وهو ما اعتبرته السعودية نكراناً للجميل. بالتأكيد، لم تكن العلاقة من طرف واحد، كانت، هي الأخرى، على طريقة « هات وخذ »، فكما كانت السعودية تسمح لجماعة الإخوان بالعمل داخل أراضيها، ومن خلال مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية، فإن الجماعة ترد الدين من خلال تفعيل الإيديولوجيا الدينية في الفضاء السياسي، وتحويلها إلى ذراع فولاذية، في مواجهة خصوم الطرفين، محلياً وخارجياً. إذا ما أردنا تبسيط القول أكثر، ليس ثمة عائق أمام عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى أحضان السعودية، إذا ما قبلت الأولى بشروط الأخيرة، خصوصاً أن الجماعة، على الرغم من قسوة الهجوم الذي قادته المملكة عليها، بقيت في حالة صمت تجاهها، وحافظت على أملها في ترميم علاقتها معها، ويبدو أن حلمها بالعودة قارب على التحقّق، فالجماعة بارعة في إعادة تموضعها السياسي. يأخذ كلامنا هذا وجاهة أكبر حينما نضع نصب أعيننا الظروف الإقليمية التي تحيط بالمملكة، ففي عقلها تسكن محاربة داعش، وتقليص النفوذ الإيراني المتعاظم، والمعزز بالتفاوض الأميركي مع طهران بشأن البرنامج النووي، حيث وصل هذا النفوذ إلى الحدود الجنوبية للمملكة، بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، بدعم مباشر من طهران، وبمباركة روسية؛ ولأن القوة التي تعرضت للهزيمة الأكبر في صنعاء كانت حركة الإصلاح الإخوانية، فإن المملكة تبدو الوحيدة القادرة على مد الحركة بطوق النجاة، لكي تستعيد الحركة قواها، فتعيد بذلك التوازن السياسي للجار الرازح تحت محنة الفقر وعدم الاستقرار. تعيش جماعة الإخوان حالة من الترقب الحذر لما قد يصدر عن الرياض من مواقف، من شأنها تخفيف الضغط على الجماعة، فالسعودية تعيش عهداً سياسياً جديداً. وعليه، فإن تغيير سياستها الخارجية أمرٌ وارد، لكن إعادة تأهيل الإخوان إقليمياً سيخضع لشروط السعودية التي لن تقبل وجود تنظيم سياسي في رقبته بيعة غير بيعة « ولي الأمر »، فهل يتجرّع إخوان الخليج سُم المصالحة بفك الارتباط بمكتب المرشد؟