لازال لحزب المعلوم الذي وجد نفسه فجأة في المعارضة، يعاني من تداعيات الربيع العربي التي أربكت حساباته التحكمية.. آخر ما تفتقت عليه عبقرية الحزب، هو التلويح برفع شكاية ضد رئيس الحكومة المغربية قصد وضع حد حسب تصريحات قياديي الحزب للاتهامات التي توجه للأصالة والمعاصرة بضلوعه في نهج سياسة تحكمية كانت تخطط للهيمنة على المشهد الحزبي والمؤسساتي عن طريق دعم مباشر من طرف الإدارة. يقول السيد الباكوري: "نطالب بإجراء تحقيق لوضع حد نهائي لهذا المسار غير الصحيح.. لا يمكننا نهج خيار آخر دون اللجوء إلى المؤسسات....لذلك، قررنا توجيه طلب للسيد وزير العدل في كل ما صدر من اتهامات في حقنا، وفي الوقت نفسه رفع شكاية ضد رئيس الحكومة، مطالبين بالإنصاف من الاتهامات التي وجهت إلينا ظلماً كهيئة وكأشخاص..خلال تحليلنا للمعطيات الراهنة، وجدنا فراغا قانونيا، فحين تضع شكاية ضد وزير في الحكومة كيفما كان نوعه، هناك مبدئيا مساطر وإجراءات لم تحدد بعد.. ولذلك، سنتقدم بمقترح قانون خلال الأسبوعين المقبلين"...!!
من خلال هذا التصريح يظهر مدى التخبط الذي يعانيه الحزب جراء تردده في الإقدام على خطوة شجاعة ستسمح باندماجه الطبيعي في الحياة السياسية وهي خطوة النقد الذاتي الشجاع، عوض اللجوء إلى إقحام القضاء في سجال سياسي طبيعي بين الحكومة و"المعارضة"..
الحزب يعرف قبل غيره بأن هذه الخطوة تندرج في إطار المزايدات السياسية والتشهير الإعلامي ولا علاقة لها بالوصول إلى الحقيقة، وذلك للأسباب التالية:
أولا، لا فائدة من إقحام القضاء في متاهة الصراع السياسي والدخول في إشكاليات مواجهة الحصانات القانونية..إلخ
ثانيا، إن وزير العدل إذا قام بالتحقيق في هذا الموضوع وكشف عن الحقيقة، التي ربما ستكون مخيبة لآمال الجهة المشتكية، فستتم مواجهته بكونه عضوا قياديا في الحزب الذي يقود الحكومة، يقوم بتوظيف موقعه للتأثير في استقلالية القضاء..
ثالثا، إن الاتهامات التي توجه لحزب الأصالة والمعاصرة، هي ذات طبيعة سياسية وطنية تشمل اتهامات له بتحصيل مقاعد غير مستحقة، تؤشر على وجود تدخل مباشر في سلطة الإدارة في عدد من الأقاليم ودفعها لدعم لائحة الجرار في الانتخابات الجماعية 2009، وتعبيد الطريق أمامه ليتبوأ الرئاسة في العديد من المجالس، ويزداد هذا "التحكم" حينما يتعلق الأمر بمواجهة تحالف يضم حزب العدالة والتنمية بحيث يصل إلى درجة التدخل المباشر لمنع منتخبين من التحالف مع العدالة والتنمية واستخدام كافة الوسائل الممكنة من ترغيب وترهيب! أو تهديد المنتخبين بكشف أسرار تهم حياتهم الخاصة ! أو تحريك مسطرة المتابعة في ملفات كيدية أو شكايات توضع في آخر لحظة !!أو محاولة إقناع المنتخبين بأن الإرادة الملكية تأبى حصول العدالة والتنمية على الرئاسة في هذه المدينة أو تلك، كما حصل في مدينة وجدة..!
ما حصل في مدينة وجدة مثلا تجاوز توظيف الإدارة للتدخل من أجل الدعم المباشر لتحالف الأصالة والمعاصرة ليعتمد آليات الانتقام المباشر من مرشحي تحالف العدالة والتنمية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم تسخير القضاء لاستجواب مرشحين بدعوى تعرضهم لاختطاف من طرف تحالف العدالة والتنمية، ولازالت شهادة المستشارة فدوى الكنوني تتجول في مواقع اليوتوب فاضحة ما حصل من تجاوزات آنذاك..
ثالثا، إن طبيعة الاتهامات التي وجهت إلى الأصالة والمعاصرة تمس تصرفات بعض أطراف الجسم القضائي نفسه، وتشير إليها بالتواطؤ، ولذلك فإن معرفة الحقيقة لن تتم عبر طريق تحقيق قضائي..
رابع، هناك تواثر لتصريحات متعددة لأطراف سبق لها أن تحملت مسؤولية سامية في الإدارة، وأطراف حزبية متنوعة الانتماءات الحزبية، تتهم الحزب بمحاولات التحكم والهيمنة..
إننا، انطلاقا من جميع الاعتبارات السابقة، ومن موقع الناصح الأمين دائما، وسعيا لمعرفة الحقيقة فإن أفضل صيغة مناسبة هي أن يبادر مجلس النواب إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق تمثل فيها جميع الأطراف السياسية، وتنظر فيما وقع بين 2008 و2011 من محاولات التحكم في الحياة السياسية ، والتحقيق في ما جرى خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2009 من مزاعم التدخل المباشر للتأثير على إرادة الناخبين بطرق غير مشروعة..
آنذاك يمكن معرفة الحقيقة ، وطي صفحة الماضي بعد قراءتها جيدا، والانطلاق بحرية لتلمس آفاق المستقبل..