يروى أنه كان لأبي حنيفة جار إسكافي يؤذيه كل ليلة منشدا ،في حالة سكر الييت الشعري أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر ،قبل أن ينام ،و كان هذا الإمام المعروف بأنه كان يقضي ليله بين الصلاة، و القراءة ،و التدوين و إعداد الدروس ، يصبر على أذى جاره، و حدث أن هذا العالم فطن أن صوت جاره انقطع،فخاف أن يكون قد أصاب هذا الأخير مكروه، فسارع، بعد صلاة الفجر بالسؤال عنه، فعلم بأنه معتقل،فواساه مراجعا السلطة آنذاك في الأمر،و بمجرد أن علم الخليفة بهذه الزيارة أمر بتوسيع الطريق له، و أن يدخل عليه راكبا فوق بغلته إكراما و إعزازا له بصفته عالما من علماء الأمة، و نفذ هذا الأمر ،فاستقبله أحسن استقبال، و لما علم بموضوع الزيارة أطلق سراح الجار المعتقل، و كل السجناء معه ليلة حبسه ،و سأل أبوحنيفة جاره، و هما في طريق العودة إلى بيتيهما عن صدق التظلم مما يتظلم منه المضيع من طرف أحبائه، و أدرك الجار المفرج عنه خطأه، و اثر فيه هذا الأسلوب القويم من المعاملة، و قرر الإقلاع عن شرب الخمر، وتاب من التعاطي لهذا المحرم توبة نصوحا.هذه بعض الأخبار الصادقة ،النفيسة،الكريمة حول قصة عظيم يقدر الجوار حق قدره،و ينزل الجار منزلته ،و يتحمل الإزعاج ، و الضرر المتسبب فيه الجوار و يحسن إلى من يسيء إليه .و ما أحوج الأمة إلى تقويم، و إصلاح عيوبها المضبوطة ،وكل مظاهر الزلل، و الانحراف المرئية و غير المرئية، و منها الخصومات بين الجيران ، و ما يترتب عنها من خلافات، و منازعات ،و صراعات ،و فواجع و حروب ،و خسائر لا تعوض ،و تصحيحها بإحياء الأحكام الشرعية، و القيم ، والعبر ،والعظات المستنبطة منها، و تقرير تدريسها للصغار ،و إعادة تعليمها للكبار ،و تربية الجميع عليها، في إطار مراجعة مكونات نظامنا التعليمي، و في طليعتها المقررات الدراسية التجارية الطويلة المملة الحالية ، غير المرفقة بالناشئة ،التي يجب أن تبدل عن طريق إحداث إدارة للتأليف المدرسي المجاني، و فتح باب التفرغ لهذه المهمة في وجه المؤهلين و المؤهلات من ذوي الغيرة على الوطن وعلى مصالحه العليا، من ثوابتنا ومقدساتنا الشريفة.والله القاضي بأن لا يرد يدي عبده الآخذ بالأسباب بهما صفرا خائبتين الموفق.إنه سميع مجيب.