40 سنة من نضال المغاربة، قدم فيها أبناء هذا الشعب أرواحهم، حياتهم...من اجل أن تحترم أصواتهم،40 سنة من تاريخ مرير مليء بالدم و النار دافع فيه المغاربة عن حقهم في الإدلاء بأصواتهم بحرية بعيدا عن أي ضغط ،إكراه آو سمسرة...40 سنة كانت كافية ليعتقد فيها البعض خصوصا من المناضلين الديمقراطيين بان خيار النضال الديمقراطي هو الأسلم و هو القادر على إحداث الفارق بين مغربين، هو الاختيار الأكثر واقعية من الاختيارات الأخرى سواء كانت ثورية ،عدمية أو فوضوية... 40 سنة من كل ذلك و أكثر، أدت في نهاية المطاف إلى الاقتناع بضرورة ألا خروج من أزمة البلاد و سكتتها القلبية إلا بالدخول في تجربة سياسية جديدة ، تجربة الانتقال الديمقراطي، كان مبتدئها،مرتكز ها و منتهاها في نهاية الانتقال هو الوصول إلى انتخابات سليمة،ديمقراطية،حرة، بعيدة عن تدخل مباشر للإدارة آو السلطة، و بعيدة أيضا عن أي حياد قد يظهر في ظاهره انه حياد سلبي لكن في عمقه و باطنه هو حياد ايجابي لصالح قوى الفساد، تبقى فيه الغلبة و الانتصار في النهاية للمقربين من رجالات الدولة الكبار و أصحاب "الشكارة" من الذين لا يتعاملون مع يوم الاقتراع إلا بمنطق "الشناقة" و سوق كبير لشراء الأصوات و الذمم...و بيعها و إعادة سمسرتها لصالح جهات لا ترى في المغرب إلا صورة البلد الذي يجب أن يقاد بأدوات مخزنية حتى لو استعملت فيها أدوات فاسدة و آليات افسد، لن تزيد في النهاية إلا من تعميق يأس و بؤس الوضع الديمقراطي في بلادنا و تجعله اقرب من التخلف منه من الوعي المتقدم بأهمية التغيير الحر للمغاربة. إن انتخابات 2009 الجماعية و ما صاحبها من استعمال للمال و النفوذ و السلطة، و كدا في غياب تدخل ايجابي للدولة أثناء يوم الاقتراع و بعده أثناء تشكيل المكاتب و انتخاب الرؤساء، و الضغط الذي مورس على بعض الأطراف السياسية حتى لا تتمكن من الظفر برئاسة بعد المدن ، يجعلنا اليوم أمام تحدي آخر لتقديم الإجابة عما وصلت إليه بلادنا من انحطاط و تراجع ديمقراطي عام؟؟ الأسلوب الذي تم به تنصيب العديد من العمداء و رؤساء بعض الجماعات و حديث الصحف، بالإضافة إلى تقرير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، من شراء للذمم و اختطاف المنتخبين ، من تدخل لرجالات الدولة باسمها من اجل دفع الأمور في اتجاهات معينة، من حديث عن استعمال اسم" الملك" ، و العنف و مرورهم فوق سيول من المال و الدماء يجعلنا نفكر في إعادة إنتاج نقطة البداية لهذا المسلسل، ما دامت 15 سنة من التحول الديمقراطي كانت نهايتها تعميم الفساد ، 15 سنة من الحديث المطنب المكرور حد التخمة المحشو بعبارات "الديمقراطية" النزاهة" الانتقال" "العهد الجديد" و ما إلى ذلك من مصطلحات مستهلكة انبهرنا نحن أيضا بها و قمنا بتسويقها و كأنها منتوج تجاري يحتاج إلى التوزيع بأي شكل كان فكانت النتيجة الفساد المعمم، لم تكن النتيجة سوى صناديق اقتراع مليئة باستغلال أحزمة البؤس ، الفقر، و اليأس . إن الأحزاب الديمقراطية و منذ أكثر من عقد من الزمن اختارت التفكير في إدارة صراعها مع الدولة بمنطق الصراع الديمقراطية و هو المعروف في أدبياتها بالنضال الديمقراطي، و ظلت طيلت هذه المدة تفكر من منطق "المشاركة"، المشاركة في الانتخابات رغم التزوير الذي شابت العملية الانتخابية منذ الاستقلال، المشاركة في مؤسسات تعرف جيدا أن لا سلطات لديها حقيقية...و كان الرهان في ذلك أن يوما ما ستنتصر إرادة الديمقراطية، و النزاهة، على إرادة الفساد التزوير، و الحكم الفردي المطلق... منذ بداية مسلسل ما عرف "الانتقال الديمقراطي" عمل الجميع على إقناع الجميع بأهمية المشاركة في هذه التجربة، و أن المغرب سيدخل في تحول ديمقراطي، وصف بالانتقال من عهد إلى عهد جديد، و عند بداية نهاية العشر سنوات الأخيرة اتفقت كل الأطراف السياسية المشاركة في هذا "التحول" على انه تحول سياسي أكثر منه تحول اجتماعي آو اقتصادي، و أن انعكاساته ستكون بادية و مركزة على احترام إرادة الشعب، و أن كيفية إدارة الدولة لدواليبها و للعملية السياسية خصوصا في شقها الانتخابي ستكون إدارة نزيهة و شفافة ، فكانت انتخابات 2003 والتي زكاها الجميع باعتبارها الانتخابات الأكثر نزاهة في تاريخ المغرب، و اعتبرت من بين النقط المضيئة في تاريخ المغرب ، ثم حلت الكارثة في 7 شتنبر ثم يوينو 2009، لذلك أصبح من الضروري اليوم إجراء تقييم حقيقي و جدي لمغرب ما بعد 1996، هل النتيجة التي وصلنا إليها و اوصلنا معنا المغرب اليها هي التي كنا نرجوها اثناء انطلاق المسلسل؟؟ أم أن المفسدين و لوبيات الفساد و المركب المصالحي كما كان يسميه الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي اقوي من كل إرادات التغيير؟؟ مرجع التساؤل هو حالة الاستنفار القصوى التي شهدها معسكر الحزب "الاغلبي" الذي ولد و في ملعقته فريق برلماني هجين متخم بالرحل و العابرين للأحزاب، و أصبح اليوم بقدرة قادر متصدر للمشهد الانتخابي و الحزبي.. مرجع التساؤل كذلك، هو حجم الفساد الانتخابي الذي تتحدث عنه الصحف يوميا،حيث أصبح من العادي أن تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد أخبار الفساد الانتخابي، و بدل أن يفتح تحقيق حول هذا الفساد يتم التحقيق مع الصحفيين الذين يفضحونه و يقومون بواجبهم... مرجع هذا التساؤل هو الحياد السلبي للسلطة، بل الحياد السلبي المنحاز لمعسكر الحزب "الاغلبي" و للفساد حيث لا يعقل أن أجهزة الدولة التي لا تنام ، أن تصل أخبار الفساد الانتخابي للصحف و للناس و لا تصل إلى أجهزتها، الدولة التي تتعبئ و تظهر كامل لياقتها و فطنتها ضد المعطلين الذي يحتجون صونا لحقهم في العمل آو للحقوقيين الذي يتم التنكيل بهم في مناسبات عديدة و لا يصلها خبر الولائم و الحفلات الانتخابية..... مرجع التساؤل هو الأخبار التي يتم تداولها علنية الآن عن عمليات شراء المنتخبين لتشكيل المكاتب الجماعية و اختيار رؤساء الجماعات ، فمادام اغلبهم نتاج لعملية انتخابية فاسدة فلن يكونوا إلا فاسدين، و ماداموا قد قاموا بشراء الأصوات لانتخابهم فلا بد أن يبيعوا هم أصواتهم لتعويض الخسارة ما داموا لا يروا في العملية الانتخابية إلا مناسبة تشرعن فيها عملية البيع و الشراء.... يمكن القول إن 12 يونيو تقدم لنا الخلاصات التالية الأساسية: الأولى: إن الفساد حقق تقدما آخر ، و هذه المرة حققه في واضحة النهار على حساب كل الذين اعتقوا أن 1998 هي الحد الفاصل بين عهدين، عهد تدخل الدولة و عهد حيادها الايجابي، عهد النزاهة و الدفاع عن الاختيارات الحرة و عن صندوق الاقتراع و عهد التزوير و شراء الذمم ، إن الدول اليوم عندما تسكت عن الحالات المتعددة و المتكررة لحالات الفساد الانتخابي هي بالضرورة متواطئة مع ما يحدث،بل و تزكيه، و تقوض كل آمال المغاربة و عموم الديمقراطيين بمختلف مشاربهم و انتماءاتهم في الاعتقاد الراسخ بان مغربا يتم فيه تداول السلطة محليا و وطنيا مازال بعيد المنال، إن ذلك يقضي على كل الآمال المتبقية في ضرورة المشاركة في الانتخابات بالتالي قد نصل إلى اليوم الذي تنظم فيها الانتخابات و لن يشارك فيها احد. ثانيا: إن الرقم الذي قدمته الدولة حول نسبة المشاركة التي بدأت تسوق له كانتصار ، و قد نشاهد يوم غد الحزب "الاغلبي" يعتبر أن هذا الرقم و الانجاز تحقق بفضل وجوده و ودخوله معترك الحياة السياسية، لذلك وجب التأكيد أن نسبة المشاركة 51 في المائة هي نسبة تم الإعداد لها سلفا،حيث أن العملية التي تم القيام بها و هي التشطيبات الكثيرة من اللوائح الانتخابية، هي التي أوصلت نسبة المشاركة إلى ما هي عليه و لو كانت الدولة قد حافطت على نفس لوائح 2007 لكانت المشاركة اضعف بكثير من سابقتها. ثالثا: لقد تحولت الانتخابات و ستزداد تحولا مع كل استحقاق إلى سوق نخاسة كبير مشرعن تحت حماية و أعين الدولة، أن تصبح المشاركة إلا للذين يستنفعون و يستفيدون منها ، و الباقي سينضاف إلى الحزب الاغلبي الحقيقي، الصامت المشكل من المغاربة الذين أصبحوا غير مبالين بما يجري حولهم. رابعا: و هي الخلاصة الأساسية، على الأحزاب الديمقراطية و على رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تعيد قراءة مفهومها للمشاركة سواء في الانتخابات آو في أجهزة الدولة، أن تساءل تجربتها الطويلة في المشاركة الانتخابية، ما الذي حققته؟ هل كانت هذه المشاركة لصالح الديمقراطية أم أننا مع الوقت أصبحنا نؤثث لديكور سياسي يراد لنا أن نلعب فيه وفق قواعد انتخابية و سياسية مرسومة و محددة سلفا؟ إن المشاركة اليوم علينا ان نعيد النظر في منطلقاتها و أسسها القيمية و السياسية، 40 سنة من المشاركة و ما زال الفساد يزداد قوة و يتلون كل مرة بلون سياسي معين،و هي المهمة الأساسية التي على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و كل القوى الديمقراطية أن تبحثه فيه و تساؤله انطلاقا من التجربة الطويلة في المشاركة الانتخابية و إلى ما انتهت إليه. عضو المجلس الوكني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية