عشرات المسلمين، ومعهم مئات من السويديين، كانوا سيقضون قتلى وجرحى بعملية أرادها العراقي تيمور عبدالوهاب، مؤذية وحارقة لساحة في الوسط التجاري والسياحي لستوكهولم بمن كان فيها من زوار بعد ظهر السبت الماضي، لكنها جاءت على عكس ما أراد، فكان قتيلها الوحيد. قضى تيمور قتيلاً بانتحاريته الفاشلة، لأن واحدة من 6 أسطوانات غاز وضعها في سيارته ليقتحم بها ما سنذكره بعد قليل انفجرت قبل أوانها لخطأ ما في التجهيز، فقام بكبح السيارة بسرعة، ثم فتح بابها وخرج يلوذ بالفرار، وحين أسرع يركض انفجرت احدى 6 قنابل أنبوبية كانت في حزام ناسف يرتديه، وأيضاً لخطأ ما في التجهيز، فارتمى مضرجاً بدمه في الحال بعيداً 250 متراً عن السيارة التي اشتعلت فيها النار. "العربية.نت" من مصادر عدة اتصلت بها أمس الأحد، حتى وفجر الاثنين 13-12-2010 في السويد ومدينة "ليوتن" البريطانية، ومنها مع الصحافي اللبناني قاسم حمادي، المحرر بصحيفة "اكسبريسن" السويدية، وجميعها توحي بأن تيمور قام بتجهيز عمليته كيفما كان مستعجلاً المغادرة الى العالم الآخر وهو في عز الشباب، ولو عنوة وعلى رؤوس الحراب. ووفق الواضح حتى الآن من التحقيقات الأولية للشرطة السويدية، فإن تيمور عبدالوهاب الذي وعد عائلته بالاحتفال أمس الأحد بمرور 29 سنة على مولده في بغداد، خطط للتوجه بسيارته الى "أفضل" مكان ليقتحمه بها على الطريقة الأصولية، أي محملة بأسطوانات غاز وقنابل أنبوبية وحقيبة مكتظة بمسامير متنوعة الأحجام والأشكال تتطاير كالرصاص بفعل الانفجار قاتلة البعيد عنها 150 متر تقريباً. عشرات الباعة المسلمين كانوا هدفاً: والمكان الذي خطط أن يتوجه اليه بالسيارة هو ساحة "هوتريات" (البيدر) وهي تجارية وسياحية في وسط ستوكهولم، ومكتظة دائماً بالزوار، خصوصاً السبت أول الليل وفي هذا الوقت بالذات، وهو موسم شراء الهدايا واحتياجات عيد الميلاد الذي أصبح على الأبواب. كما في "هوتريات" أيضاً أكبر دور السينما بالعاصمة السويدية، إضافة الى متجر PUB وهو الأشهر في البلاد. وقريباً منه يقع "كونسيرت هول" وهو مقر توزيع جوائز نوبل منذ بدأوا بتوزيعها هناك قبل 109 أعوام تقريباً. لكن أهم ما يسيل لعاب الانتحاريين والارهابيين المتعطشين للقتل هي "طريدة" في الساحة من أسهل ما يكون، وهم مئات من الباعة الصغار، ممن يقفون وراء أكشاكهم وعرباتهم يبيعون الهدايا والتذكارات والورود والصحف والسندويشات وما شابه لمن يرغب، "وعند هؤلاء ترى الوضع مكتظاً بالزائرين أكثر مما في سواه بالساحة" الى درجة أن كتف المار هناك يرتطم بأكتاف الكثيرين مثله في كل 20 متراً كمعدل. وأكثر من 80% من الباعة الصغار في "هوتريات" هم من المهاجرين العرب والمسلمين، ممن يزيد عددهم هناك على أكثر من 150 بائعاً، عدا الزوار، وإليهم كان تيمور سيسرع بسيارته ليقتحم بها المكان ويفجرها على سنة الأصوليين والارهابيين، تماماً كما يحدث منذ سنوات في العراق، وهناك كانت ستحدث مجزرة، يقدر الصحافي قاسم حمادي بأن قتلاها كانوا سيزيدون على 200 شخص، والجرحى بالمئات، حرقاً بالغاز أو بشظايا القنابل وتتطاير المسامير "يعني، كانت عملية كوكتيل رهيبة من أدوات قتل متنوعة"، كما قال حمادي. وكانت "العربية.نت" تحدثت الى حمادي عبر الهاتف من حيث ينزل في فندق بمدينة "تراناس" البعيدة 250 كيلومتراً عن ستوكهولم، وهو هناك لأنه في تلك البلدة تقيم عائلة تيمور عبدالوهاب، الملقب بالعبدلي، وفيها أيضاً أمضى تيمور آخر 3 أسابيع من حياته بعد أن جاءها من حيث يقيم منذ 8 سنوات بعيداً 51 كيلومتراً عن لندن، أي في بلدة "ليوتن" حيث بيته مع أولاده وزوجته، وهي عراقية اسمها منى ثواني وتصغره بعام. أما في مدينة "تراناس" السويدية، فيقيم والده تامر عبدالوهاب، وشقيقتاه: تامارا البالغ عمرها 17 سنة، وتارا الأصغر منها بعامين، ومعهم والدتهما الأردنية الشركسية، أميرة بكير. أي أن أسماء العائلة تبدأ بالتاء، إلا الأم التي عوضها ابنها الذكر الوحيد في العائلة بهدية أفضل، فأطلق على جميع أولاده الثلاثة أسماء تبدأ بأول حرف من اسمها: أميرة البالغ عمرها 4 سنوات، وآية الأصغر منها بأقل من عامين، ثم أسامة، الذي مازال رضيعاً وبالكاد عمره 4 أشهر. من "بلاي بوي" إلى مفجّر سيارات: وفي معلومات ألمّت بها "العربية.نت" من اثنين مقرّبين من تيمور - طلبا عدم ذكر اسميهما - أن الشاب الذي كان يعمل بمحل لبيع السجاد في "ليوتن" مع أنه خريج جامعي "خضع لعملية غسل دماغ أصولية منذ مدة على ما يبدو، أي منذ أقل من عامين، فقبلها كنا نعرفه شاباً عصرياً ومودرن، ومن بعدها في عام 2008 بدأ يتغير"، بحسب ما قال أحدهما. كما في المعلومات أنه ترك "ليوتن" في 2005 وعاد الى السويد التي هاجر اليها مع عائلته في 1992 لأول مرة، وهناك عمل في مصنع للبلاستيك مدة 6 أشهر تقريباً "لكنه لم يكن مرتاحاً من الناحية النفسية، فعاد أدراجه الى "ليوتن" وهناك تزوج". ويقال إن تيمور كان يترد دائماً على مسجد في "ليوتن" المعروفة بأنه أقام فيها الأصولي الشهير أبوحمزة المصري، وفيها كان اماماً لأحد المساجد وترك فيها كثيراً من محبيه وبعض تلامذته الى الآن. وفي تردده على المسجد كان تيمور يكتسب المزيد من الأصدقاء في كل مرة، حتى أصبح يداوم فيه وقتاً طويلاً الى حد المبالغة، مع أن ماضيه كان غير ذلك تماماً، "فقد كان صاحب كيف، ويلبس على آخر موضة، وله سهراته ومغامراته بلندن وستوكهولم، يعني بلاي بوي كما يقولون"، وفق تعبير المقرب الآخر. واتصلت "العربية.نت" أمس بمساجد في "ليوتن" لتعرف الى أي منها كان يتردد أكثر، كما حاولت الاتصال بمحل السجاد الذي كان يعمل فيه، فلم تنجح. كما اتصلت أيضاً ببيت والديه في "تراناس" وعلى الهاتف النقال لشقيقته تامارا، الا أن أحداً لم يرد. ومما هو معلوم للآن أن تيمور ترك "ليوتن" وعائلته فيها ببريطانيا، وسافر في ربيع هذا العام "ليعمل في الدول العربية" بحسب ما نقل المقرب مما قاله تيمور لزوجته. والشيء الأكيد وارد في ختم جواز سفره، من أنه كان في الأردن ذلك الربيع، ومنه زار العراق، ثم عاد ثانية الى الأردن ثم الى "ليوتن" ببريطانيا. وقبل 3 أسابيع ترك "ليوتن" ليزور عائلته في "تراناس" بالسويد، "حيث كان يرافقه فيها رجل عراقي مسن، وهذا الرجل يعرف عائلته وكان يلازمه دائماً، بل كان آخر من رآه حين تناول عنده الافطار صباح الجمعة وبرفقته والده تامر عبدالوهاب"، وفق تعبير المقرب. بعد ذلك الافطار مضى تيمور واشترى أرخص سيارة "أودي" بيضاء، ودفع ثمنها 10 آلاف كرونة نقداً، أي تقريباً 1450 دولاراً، وكان ذلك قبل يوم من التفجير الفاشل، ومن بعدها لم يعد يراه أحد، إلا حين حضر آخر الليل لينام "لكن العائلة لم تجده في البيت حين استيقظ أفرادها صباح السبت، ثم إن غيابه طال، فاتصلوا به لكنه لم يرد عبر هاتفه النقال، ولم يعد أحد يسمع عنه شيئاً طوال النهار، إلا حين علموا من الشرطة عند الخامسة بعد الظهر انه قتيل الانفجار وأنه انتحاري خطط لتفجير السيارة"، كما قال المقرّب. أهم ما كان في صفحته على "فيسبوك" وما أن بثت الشرطة اسم تيمور حتى أسرعت وسائل الإعلام السويدية تبحث عما اذا كانت لديه صفحة في موقع "فيسبوك" التواصلي على الانترنت، ومنه استنسخوا 9 صور كانت فيه، كما بعض المهم من المعلومات، ومنها انه أبدى رغبته بالزواج من امرأة ثانية لتصبح ضرة لزوجته في "ليوتن" ببريطانيا. أما الصورة التي يبدو فيها بلباس تخرجه بالعلاج الطبيعي في 2004 من جامعة "بدفوردشاير" في ليوتن، فقد حصلت عليها "العربية.نت" من أحد المقربين، وهي خاصة. وليس صحيحاً أن موقعاً اسمه "شموخ الاسلام" كان أول من بث صوره، بل كانت صور تيمور لدى الكثيرين، وجميعها من موقع "فيسبوك" الشهير. ومع أن الموقع أزال صفحته التي كانت باسم تيمور العبدلي، الا أن "العربية.نت" تعرفت الى كل ما كان فيها تقريباً، وبعضه فظيع ومقزز. أهم ما كان في الصفحة هي عبارات حاقدة ومحرضة على العنف يتهجم فيها على اليهود والمسيحيين ومن يعتبرهم كفاراً من المسلمين، كما وعلى السويد شعباً وحكومة. كما فيها أوصافه وتعريفات بشخصه، ومنها أنه "مسلم وأفتخر" ووزنه 93 كيلوغراماً، ويعشق يوم القيامة ويحن الى دولة الخلافة، ثم كان فيها الأفظع، وهو شريط فيديو اسمه "الشهيد الأعظم" وهو مقزز حقيقة، وفق ما نقل المقرب من تيمور تفاصيله. في الشريط يبدو مقاتل شيشاتي مهلل السمات والثياب ومرمى على الأرض يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو دام من شظية أصابته بإحدى المعارك، فتجمع حوله رفاق له وراحوا يتهامسون ويقولون: "أنت تموت، فلتكن لديك الشجاعة، قريباً ترى نفسك في الجنة.. تشجع يا فلان، أنت شهيد، ستموت شهيداً" وما شابه من عبارات تلقي الذعر في سامعها بالتأكيد، الى أن ينتهي الشريط بأسوأ لقطة: المسكين يلفظ أنفاسه ورفاقه يهللون. وفي الموقع كتب تيمور عبارات تدل على أنه كان في عجلة من أمره، وهي في رسالة نصية محصورة في "فيسبوك" على أفراد عائلته فقط، وفيها اعتراف خطير منه بأنه لم يسافر الى الدول العربية ليعمل ويربح المال، كما زعم لزوجته وعائلته في ربيع هذا العام "بل سافرت اليها للجهاد" في إشارة تدل ربما على أنه تلقى تدريبات على التعامل مع المتفجرات لدى جهة ما في دولة عربية أو أكثر. وطلب في عبارة ثانية أن تقوم زوجته بتقبيل أولاده الثلاثة نيابة عنه، وأن تقول لهم إنه يحبهم، وبعد أقل من ساعتين على الرسالة التي كتبها بعد ظهر السبت أثبت تيمور أنه يحب أولاده بالفعل، لذلك قرر أن يتركهم يعيشون من دونه، فغادر الدنيا وغادرهم.