مطلع عام جديد من مسيرة العملية التعليمية والتربوية؛ فما الجديد الذي يحصده الطلبة وعوائلهم؟ إن الدراسة ليست حضورا في صفوف الدرس والتحصيل العلمي ولا علاقة إيجابية بين التلاميذ ومعلميهم حسب بل هي عملية نوعية أوسع بكثير من هذا التوصيف الإجرائي المخصوص.. إن جملة الظروف التي يحياها الطلبة في إطار عوائلهم بل جملة الظروف الاجتماعية الاقتصادية السياسية العامة تتحكم بهذه العملية... ومن هنا فإن الفقر والغنى، والاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني وعدمه وغيرها من مفردات تظل عاملا ضاغطا على أذهان التلامذة مثلما هي أبعد على كواهل عوائلهم.. إذ كيف سيتسنى للطالب الوصول إلى مدرسته أو معهده؟ والطرقات غير معبدة تكتنف ممراتها الانقطاعات والحواجز الأمنية وغير الأمنية والمطبات والحفريات وبحيرات المياه الآسنة الناجمة عن كسور أنابيب الصرف الصحي وربما قرويا ريفيا الناجمة عن سيول الأمطار في وديان بلا جسور ولا قناطر.. وغير الطرقات ومسالكها، ما يعترض التلميذ في رحلته اليومية من حاجة للمال كيما يستقل سيارة أجرة أو يحظى بوسيلة نقل يستخدمها كما دراجة هوائية مثلا! وغير هذا وذاك الخوف بل الموت رعبا طوال ذهاب التلميذ وحتى عودته سالما من احتمالات التفجيرات الدموية البشعة أو مما هو اسهل بدرجة إرهابية أدنى نجاته من مهالك الاقتتال العشائري الثأري أو الحرب الطائفية أو الوقوع في مصيدة مجرمي الشوارع من مختطفين وسرّاق ومن مختلف سوقة الجريمة السائبين في شوارع بلا من يحميها!! من يوفر للتلميذ اليتيم وعندنا ملايين منهم كراريس الدراسة وقرطاسيتها؟ ومن يوفر له قبل ذلك الملابس؟ وإذا ما توافر بعض هذا، فمن سيوفر له المدرسة ذاتها إذ لا تستوعب المباني الموجودة التلامذة كافة؟ وضغط ازدواج المدارس في بناية وازدواج الدوام بين صباحي ومسائي وضغوط أخرى من مثل عدم صلاحية المباني ذاتها بسبب ما فيها من تهدم ومن انعدام صيانة ومن عدم توافر المرافق الخدمية كما في دورات المياه شبه المنعدمة وضغوط حجم الفصول الدراسية كل هذه ضغوط لا تطفو على السطح ولا يتحدث عنها مسؤول بقدر ما يتبجح بمنجزاته الوهمية أو الهزيلة كما في مقدار الدعاية الإعلامية لافتتاح مبنى مدرسة بناها أهالي المنطقة من طين بعد أن سرقت بالتأكيد أموال التخصيصات لها (انظر إلى مثال المدرسة غياها في الناصرية وانظر إلى صور مدارس بيوت القصب في العمارة!!) فهل تحمي تلك المدارس بلا أسقف من مطر أو من برد أو من ريح أو من ظروف ممرضة؟ وكيف ينصرف ذهن التلميذ لدرسه وكيف يمكنه أن يمسك بقلمه ويده ترتجف من طقسه وظرفه؟! أيها السادة القابعون على أكتاف ورود الوطن وأزاهيره من تلامذة وتلميذات، توقفوا هنيهة وانظروا برحمة و بروح مسؤول نزيه.. أطالب هنا وزير التربية والتعليم بإصدار تفاصيل حجم عدد الطلبة وعدد المدارس والفصول الدراسية والمرافق الخدمية والملحقات وعدد المكتبات والمختبرات (طبعا إن وُجِدت) وأرقام ونسب الصلاحية والاستيعاب بمناسبة العام الدراسي الجديد مع عرض الخطة للسنة المنصرمة والمنجز ونسبته والخطة الجديدة استراتيجيا وكذلك للمديات القصيرة والمتوسطة لتغطية ومعالجة الحاجات وآليات سدها مؤقتا ودائما... كما أطالب بعرض ميزانية الوزارة وآليات الوارد والمصروف بكل شفافية أمام الإعلام والأجهزة المعنية ومن ذلك ما يتعلق بمسألة التشغيل للمعلمين والمدرسين والإداريين والفنيين وغيرهم وظروف التشغيل والمرتبات والمكافآت وتطوراتها والمتغيرات فيها وطبيعة مطالب هؤلاء جميعا ومستوى التلبية ومقارنة بينهم وظروف نظرائهم في عدد من البلدان الأخرى؟؟ وبالتأكيد ينبغي الحديث عن مستويات التدريس وأداء المهام والمسؤوليات وتطوير الخبرات والقدرات الإدارية والعلمية ومتابعة منهاج العمل وأدواته وأساليبه وإمكانات التدريسي وفرص تعاطيه مع عمله في ضوء أجواء العمل وما يكتنفها من مصاعب وعراقيل... مالذي فعلته الوزارة لهم؟ عند التوقف مع العام الدراسي سيثير الصداع الحديث عن نسبة التسرب ونسبة الالتحاق؟ آملا ظهور أرقام محددة رسميا والحديث عن التحاق الذكور والأناث وأسباب عدم الالتحاق أو التسرب؟ وماذا تم لمعالجة الأمر ومتى وكيف تم دراسة المشكلات هذه؟ هل سيتم الانتهاء من قرارات تسييس الطلبة لأحزاب السلطة أم أن تمرير التجيير والإخضاع عبر ألاعيب ممارسات طقسية (تسمى دينية) ستبقى ظاهرة حادة تجور على أذهان زهور لم تتفتح بعد.. أذكّر هنا بجرائم فرض ممارسة التعازي في بعض رياض الأطفال! ولا أقول المدارس بل رياض الأطفال وتصوروا الجريمة؟ كان الطاغية يحشو إكراها أذهان الطلبة بما يريد واليوم يجري الحشو بذات الآلية.. فهل يقبل علماء النفس والتربية بما يجري؟ وهل يقبل أب أو أم لابنهم أو ابنتهم بفروض لم يقبل بها دين ولا تستقيم بمنطق؟ المناهج والدراسة والأداء وديموقراطية التعليم والعلاقات النزيهة بين الطلبة والمعلمين والإدارات وحرية التعبير وحرية التنظيم ومنع تدخل أحزاب سلطة أو أحزاب ميليشيا في مسيرتهم التنظيمية أو غيرها ومنع سطوة الأشقياء وسوقة الشوارع والمنتفعين والمتاجرين بكل شيء في كنف المدارس ومن ذلك تسويق الرذيلة وإن بأغطية أو أردية دينية يباركها هذا السيد وذاك المعمم وجرائم التغرير والإكراه على فعل أو آخر وأقل منها مشكلات تتعلق بالغش الجماعي والفردي وأغطيته وبنزاهة الاختبارات والامتحانات العامة والخاصة ومسائل ومعضلات لها مدخلات في حياة الطلبة وليس لها مخرجات على حساب نتائجهم وحيواتهم.. مساكين ملايين من يتجهون إلى المدرسة اليوم.. فهم يتوجسوسن من الآتي الذي يعرفون أنه يتكرر رغما عنهم وعوائلهم وربما لكل حله المخصوص في طريقة المشي جنب الحيط ولكن هذه المرة الجميع يخشى انهيار الحائط عليه بعد تداعيات بلا منتهى! ما ينتظر، أن يتسع جهد اتحاد الطلبة العام والمنظمات الطلابية الأخرى بشكل ينسق ويخطط لمفردات المواجهة بدءا من ظروف المباني وعجزها ومرورا بظروف المناهج وآليات التدريس وليس انتهاء بظروف تهديد الطلبة واستلابهم حقوقهم في كل شيء حتى في حيواتهم.. كما المنتظر أن يجري التضامن الطلابي والتعليمي التربوي من طلبة ومدرسي دول المنطقة والعالم.. ولربما كان عقد الصلات المباشرة من الأثر بمكان... بقي أن أقول كنتُ أتحدث عن طلبة البلد الأغنى بثرواته وموارده في المنطقة والعالم أتحدث عن طلبة العراق وليس الصومال ومشكلاته في الشرذمة والتخلف وانعدام مصادر الدخل ومعالجة المعضلات ولا عن فلسطين وطلبتها وما يواجههم وسلطتهم من جرائم الاحتلال وحصاراته وأشكال تهديده وظروف البؤس ومصاعب يومهم العادي مما يواجهونه بتحدِ ِ وعزيمة.. إن حال طلبة العراق اليوم هو الأسوأ ليس بسبب انعدام ثروة البلاد بل لحجم الفساد وتردي السياسات وتخبطها عبر مركبات النقص والجريمة والفساد والإرهاب والمافيات والعصابات المنظمة وغير المنظمة بل وفي ظل قصور المسؤول الحكومي المباشر وصاحب الجريمة الأولى في إخلاء الميدان لخذخ الجرائم المتراكمة المتكررة سنويا حيث جرائم هذا المسؤول الحكومي بحق الطلبة وعوائلهم وبحق المعلمين والمدرسين والإداريين.. ولكن، وما أعقد هذه ال و لكن إنما نقولها: عسانا نحقق بقراءة المشهد ما يدفع للتعاطي معه بموضوعية وصواب، ومثلا تتقلص سرقات ما يخصص للتعليم المدرسي وتصل لمستحقاتها وتلبية ما ينبغي القيام به وحينها ندعو لزيادة المخصصات بما يتناسب وحجم أهمية التعليم عندنا وحاجاته ومتطلباته وكل عام وطلبتنا وأساتذتنا بخير... وللقراءة بقية تتبع *