بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجديد تنشر نص مبادرة المعتقل أبو حفص
نشر في التجديد يوم 11 - 03 - 2010

تنشر "التجديد" في حلقات الجديد الذي حملته المبادرة التي أطلقها المعتقل أبو حفص ، مساهمة منها في فتح النقاش حولها، لما قد يثار من اختلاف حول مضامينها، لتشكل مدخلا لمعالجة فقهية شرعية لأصول الأفكار التي أنتجت حالات من الغلو والتطرف والعنف.
لقد مر هذا الملف الشائك بمراحل مختلفة، فمن الاعتقالات بمدينة فاس على إثر الحملات التعزيرية التي كان يقوم بها بعض الشباب، والتي لا شك أنها عرفت جملة من التجاوزات الشرعية، إلى دخولي المعتقل لأول مرة بعد الخطبة المشهورة (عذرا فلسطين) عام ,2002 ثم ما تلا ذلك من الأعمال المنسوبة إلى الإسلام زورا وبهتانا، والتي جرت معها جملة من الأبرياء أو من المتحمسين لقضايا المسلمين الكبرى، أوالذين فكروا يوما في ضرب المصالح الغربية واليهودية، أو من الذين حاولوا مساعدة إخوان لهم في أفغانستان ضاقت بهم السبل بعد انسحاب العرب إثر الهجوم الأمريكي الغاشم، إلى أن اعتقل الشيخ الشريف حسن الكتاني بداية عام ,2003 ثم كان اعتقالي بعده بشهر، ووالدي بعدي بعشرة أيام، ولم تمض بضع شهور على ذلك، حتى كانت أحداث 16 ماي الأليمة، والتي هزت المغرب بأسره، وقد استنكرتها في حينها مع الشيخ حسن الكتاني، في بيانات مفردة ومشتركة، وقد كانت الأحداث شنيعة فعلا، فقد راح ضحيتها عشرات القتلى من المسلمين الأبرياء العزل، وقليل جدا من الأجانب الذين تنطبق عليهم أحكام الأمان الشرعي المعتبر، وقد كانت الخسائر فادحة، اكتوت بنارها كل التيارات الإسلامية حتى تلك الموصوفة بالأكثر اعتدالا، تلتها حملة أمنية واسعة، حصدت المئات من المتدينين، وأحيانا حتى من غير المتدينين، وشملت كل المستويات الثقافية، من العلماء والمشايخ والدعاة وأساتذة الجامعة، إلى الأميين وذوي الثقافة المحدودة، وشملت كل أطياف المتدينين من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، فمن غير المتدين أصلا، إلى المتدين دون انتماء، إلى أفراد وإن كانوا محدودين من كل الأحزاب والجماعات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية، من العدالة والتنمية ومن العدل والإحسان ومن الدعوة والتبليغ ومن التيار السلفي التقليدي، إلى من نسبوا إلى التيار السلفي الجهادي وهم الغالب، وهؤلاء ليسوا على فكر موحد، فمنهم من ليس له من جريرة إلا التعبير عن آرائه المناهضة للسياسات الأمريكية في بلاد المسلمين، أو نصرته لبعض الجماعات الجهادية المقاتلة للأمريكان وحلفائهم، ومنهم من استمع إلى شريط فلان أو علان، ومنهم من حضر عقيقة هنا أو وليمة هناك، ومنهم من هم أو فكر يوما بضرب المصالح الأجنبية، لكنه لم يفعل شيئا من ذلك، ومنهم العائد من أفغانستان، بعد أن كان مقاتلا في صفوف طالبان أو القاعدة أو الجماعة الليبية المقاتلة، أو حتى بعض الذين كانوا مع حكمتيار أيام الحرب الأهلية بين من كانوا يسمون بالمجاهدين، ومنهم المتورطون في بعض الأعمال المحدودة التي كان أثرها محدودا، ومنهم المتورطون في مخططات خطيرة بلغت حد قلب نظام الحكم، لكنها كانت محدودة الوسائل، ولم تتجاوز أذهان المخططين، ومنهم أفراد قلائل لا يتعدون الثلاثة شاركوا في أحداث 16 ماي ثم تراجعوا في اللحظات الأخيرة حسب روايتهم، وانتهاء بغلاة التكفير الذين لم تنلهم إلا أحكام خفيفة، ثم كانت المحاكمات الماراطونية، والأحكام الخيالية، التي وإن كانت شديدة وقاسية ومجحفة، إلا أننا حافظنا على الأمل، وقلنا لعل قوة الحدث، وشدة العاصفة، وعدم اعتياد المغرب على مثل هذه النوازل الخطيرة، أدى إلى مثل هذه الحملة التي خلطت الحابل بالنابل، وتفهمنا ذلك واعتبرناه، ومكثنا نترقب انقشاع الغيم، ومرور العاصفة، برغم الظروف القاسية التي عشناها بسجن سلا، ثم بعين البرجة، قبل أن يتم نقلنا إلى السجن المركزي بالقنيطرة.
مبادرات
هناك بالقنيطرة رأينا في جمع المشايخ في جناح واحد إشارة إلى رغبة الدولة في البحث عن مخرج لهذا الملف الذي أفسد شيئا من الوجه الحقوقي الذي كان يسوق للخارج عبر هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة مع بعض الحوارات غير الرسمية التي كانت تتم بين بعض المسؤولين الأمنيين وبعض المشايخ، والتي كان يضخمها الإعلام كعادته، والظاهر أن تلك الحوارات لم تكن إلا مسكنات طارئة، أو كانت جس نبض لمدى استعداد المشايخ للتفاعل مع أي عرض مقدم من الدولة، والحق يقال، أن المشايخ الأربعة ( الفزازي-الحدوشي- الكتاني-أبو حفص) أبدوا تفاعلا متوازنا حظي بقبول جمهور المعتقلين في السجون، فقد أصدروا علنا بيانات متوالية، قدموا فيها التعازي لعائلات ضحايا 16 ماي، وبينوا فيها براءتهم من تهم التكفير والتفجير، بل وصل الأمر إلى حد إصدار وثيقتين هامتين، أولاهما وثيقة علنية، نشرتها جريدة (الأيام )المغربية، وتضمنت الرد على تقرير أمني، شاركت به المخابرات المغربية في مؤتمر الإرهاب الذي احتضنته العاصمة السعودية الرياض عام ,2004 وبغض النظر عن مصدر التقرير فإن أهمية الوثيقة تظهر في تبني المشايخ الأربعة لمواقف واضحة وصريحة بخصوص جملة من القضايا الحساسة، فهم وإن كان موقفهم واضحا من قبل في مسائل معينة كالتكفير أو التفجير، فإنه لم يكن كذلك في قضايا أخرى كالموقف من الملكية، أو التعامل مع الحركات الإسلاميةّ، بل إن هذه القضايا كانت مثار خلاف واسع وحاد بينهم قبل السجن، لكن الوثيقة خرجت بعد مخاض عسير برؤية واضحة ومؤصلة، فلا معارضة للنظام الملكي، ولا مطالبة بتغييره، مادام علماء الأمة منذ العصر الأموي إلى اليوم قبلوا بهذا النظام، وبايعوا له بالسمع والطاعة حقنا للدماء وسدا لباب الفتنة، وإنما تنصب المطالبة على تطبيق الشريعة الإسلامية وجعلها حاكمة في كل مجالات الحياة كما هو مطلب كثير من الحركات الإسلامية، هذه الحركات التي اعتبرتها الوثيقة حصون الإسلام بهذا البلد، واعتبرت الاختلاف معها اجتهاديا لا يمس الأصول والثوابت، وهو تطور نوعي في تفكير بعض أولائك المشايخ، الذين كانوا فيما قبل يتبنون مواقف متشددة من هذه الحركات، لكن للأسف الشديد، لم تنل هذه الوثيقة حظها من العناية، لا من طرف الدولة التي لم تبد أي تجاوب، ولا من طرف المثقفين الذين كان عليهم استغلالها لتحريك هذا الملف الذي أجمعت كل المنظمات المحلية والدولية على خدشه لصورة حقوق الإنسان في هذا البلد، وأنا متأكد أنه لو خرج نصف هذه الوثيقة أو ربعها من السجون المصرية لطار بها المثقفون كل مطار، ولطبلوا وزمروا لها، ولكانت سببا في حدوث انفراجات وإفراجات.
الوثيقة الثانية التي أصدرها المشايخ أيام اجتماعهم بالسجن المركزي بالقنيطرة، كانت سرية نوعا ما، فلم تنشر في الصحف، ولم يطلع عليها إلا أفراد اللجنة التي كانت تمثل المعتقلين معنا بحي (ج)، وقد كانت هذه الوثيقة ... تقدم مخرجا وتصورا للطريقة التي يمكن بها حل هذا الملف (...)
التصريح الملكي وانطلاق مسلسل العفو
أحد أكبر الأبواب التي فتحت الآمال في تلك الفترة، أي نهايات 2004 وبدايات2005 هو التصريح الملكي اللافت لجريدة إل الباييس الإسبانية، والذي أشار إلى وقوع تجاوزات في هذا الملف، ولا يخفى على أحد أهمية مثل هذا التصريح، فهو من أعلى سلطة في البلاد، وفيه أبلغ رد على بعض الذين شككوا في ادعاءتنا، بوقوع تجاوزات وانتهاكات سواء خلال التحقيق، أو أثناء المحاكمات، أو حتى الإقامة في السجون الرسمية، فانتظرنا بفارغ الصبر تفعيل هذا التصريح، وترقبنا بداية الإجراءات العملية التي تكشف عملية التجاوز وأسماء المتضررين وكيفية المعالجة، لكن شيئا من ذلك لم يقع، بل بالعكس، كانت تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين وقتذاك صادمة ومناقضة كلية للتصريح الملكي، مما بدأ يزرع خيبة الأمل في نفوس المعتقلين.
بل إن هذه التصريحات المذكورة قد استفزتنا في منتصف 2005 لتنظيم إضراب عام عن الطعام، لم تعرف السجون له نظيرا إلى اليوم، فقد قاده الشيوخ الأربعة، وشاركت فيه كل السجون التي يقبع بها معتقلون على ذمة هذا الملف، وحظي بمتابعة إعلامية واسعة، ومساندة حقوقية بارزة، لعب فيها الوافد الجديد على هذا الملف دورا مميزا، وأعني بذلك جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، واستمر الإضراب خمسة وعشرين يوما، توفي فيها أحد المضربين بسجن اوطيطة، وفرق فيها بين الشيوخ، فألحق كل واحد منهم بالسجن القريب من محل إقامة أسرته، وانتهى بوعود جادة بإيجاد المخارج القانونية لحالات التجاوز.
يمكن القول إن الفترة الممتدة من يونيو 2005 إلى أبريل 2006 عرفت أكبر انفراج في هذا الملف، فإضافة إلى الأحكام المخففة في القضايا المعروضة على المحاكم، والاستجابة للعشرات من طلبات النقض، وتقريب السجناء من عوائلهم، خطت الدولة خطوة جبارة بالعفو والإفراج عن عدد كبير من المعتقلين يكاد يبلغ الثلاثمائة، بل إن العفو الصادر بمناسبة عيد الفطر عام 1426 ه 2005م شمل 164 معتقلا، منهم من كان قد حكم عليه بثلاثين سنة، بل منهم من لم يتقدم أصلا بطلب العفو، مما فتح الباب أمام كل ما تبقى من المعتقلين خلف القضبان، والذين كانوا يعدون حقائبهم استعدادا للمغادرة، لكن ذكرى المولد النبوي الشريف عام 1427 ه 2006م شكلت المحطة الأخيرة لهذا الانفراج، فبعد الإفراج عن ثلاثين معتقلا بهذه المناسبة، توقف هذا المسلسل وإلى اليوم، بعد الإعلان عن اكتشاف مجموعة من الخلايا، والتي قيل إنها كانت تخطط للقيام بأعمال مسلحة داخل الوطن، ومن أبرزها خلية الرحا نونبر 2005 وخلية حسن خطاب صيف ,2006 بل تواردت الأخبار بأن خلية الرحا كانت سببا في إيقاف عفو كان سيطال مئات المعتقلين، وسيصفي ما يقارب ثمانين في المائة من هذا الملف.
الجمود وتطورات 2008
تجمد الملف منذ هذا الوقت، وتفرغت ومعي بعض طلبة العلم بسجن بوركايز بفاس، للدراسة وزيادة الاطلاع على كل أبواب العلم والفكر والمعرفة، مما زادنا اقتناعا بكثير من مواقفنا السابقة تجاه التكفير أو العمليات المسلحة في بلاد المسلمين، وهو ما ظهر في الكتابات التي كنت أصدرها بين الفينة والأخرى، ومثلها ما كتبه الشيخ الشريف الحسن الكتاني وهو بسجن سلا، في ثنايا نقده للحركة الوهابية، ومع ذلك لم تعرف هذه الخرجات أي تفاعل أو تجاوب من قبل الدولة ومسؤوليها.
بقيت دار لقمان على حالها إلى صيف 2007م، والذي عرف أبرز حدث شهده المغرب خلال تلك السنة، ألا وهو التفجيرات التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، والتي كان أبرزها تفجير عبد الفتاح الرايضي لمقهى أنترنت، مما جعل الجميع يعتقد أن هذا الملف قد أقبر نهائيا، وأن كل مجهودات السنوات السابقة قد ولت أدراج الرياح، خاصة وأن الرايضي هذا كان معتقلا سابقا وكان من المستفيدين من العفو، لكنني كنت أرى أن ما وقع من أحداث مؤلمة من شأنه أن يحرك الملف لا أن يجمده، إذ هي داعية لإعادة النظر في طريقة التعامل مع هذا الملف، وعدم الاقتصار على المقاربات الأمنية، واعتماد المقاربات الفكرية والمقاربات التصالحية، حتى لا تتكرر مأساة الرايضي ومن معه، وهكذا انطلاقا من مسؤوليتي العلمية والأدبية، أصدرت بيانا أولا نددت فيه بهذه العملية المنكرة، وبينت مخالفتها للنقل الصحيح، والعقل الصريح، مع ما اشتملت عليه من المفاسد الظاهرة والبينة، وقد أحدث البيان ضجة واسعة من مختلف الأطراف المرتبطة بالملف، سواء في صفوف المعتقلين الذين انقسموا ما بين مرحب بهذا البيان ومثني عليه، وما بين متهم لنا بالتخاذل والهزيمة والانتكاس، أو في صفوف المثقفين والإعلاميين، الذين انقسموا بدورهم ما بين مرحب ومستبشر به، وما بين متهم لنا بالتقية والمناورة والمخادعة، فاضطررت لإصدار بيان ثان، أكثر توضيحا وتفصيلا، بينت فيه بشكل صريح دوافعي لإنكار مثل هذه الأعمال، وإيماني التام والصادق بذلك، وأشهدت الله تعالى على ذلك، كما تزامن إصدار البيان مع تصاعد الدعوات وسط المثقفين من أجل فتح سبل الحوار مع المعتقلين على ذمة هذا الملف، ومع كثرة الحديث عن المراجعات الفكرية كأحد الحلول والمخارج، فاستغللت هذا البيان لأجدد ترحيبي بأي محاور، وخاصة إذا كان من أهل العلم والفقه، الذين نكن لهم كل تقدير، ونرحب بهم كل ترحيب، كما أكدت على أني وإن كنت أستنكر مثل هذه الأعمال حتى قبل الاعتقال، فإني أرى أن المراجعة واجب شرعي، وأني لا أجد أدنى حرج في الاعتراف بأي خطإ، بل أعد ذلك من المناقب والممادح، وقد أقررت في هذا البيان بوجود أخطاء شابت مسيرتي الدعوية، راجعة إلى الحماسة وفورة الشباب، وبذلك أكون قد أبرأت الذمة، وقدمت كل ما يمكن أن يقدمه مثلي لتحريك هذا الملف وتحريك جموده.
ولم نكتف بهذا البيان، بل حاولت مع بعض طلبة العلم، إصدار حلقات علمية، تؤصل لأحكام الأمان والعهد، والمصالح والمفاسد، وتبين جملة المخالفات الشرعية التي تشوب مثل هذه الأعمال، لنؤكد على أن الأمر يتعلق بدين ندين الله تعالى به، وليس تقية ولا مناورة القصد منها مغادرة المعتقل، وكنا على وشك إصدار حلقات أخرى لولا بعض العوائق الداخلية والخارجية التي أوقفت تلك الإصدارات.
ومع أن القصد من هذه البيانات كان إبراء الذمة، وتنبيه الشباب إلى المفاسد الشرعية والعقلية المترتبة على مثل هذه الأعمال، إلا أن ما تضمنته من محاور ونقاط، كان من شأنها تحريك الراكد في هذا الملف، وبث بذرة الحياة فيه بعد أن كاد يموت، وقد تحرك فعلا بعض المثقفين والإعلاميين، ونادوا بضرورة إنهاء الاحتقان الذي رافق هذه القضية، لكن تلك الأصوات لم تكن عالية إلى درجة تسمح لها بالتأثير على المسيطرين على مفاتيح الملف.
مبادرة المجلس الاستشاري ومنتدى الكرامة
ووسط كل هذا الجمود القاتل، تنسم المعتقلون شيئا من بذرات الأمل، مع المبادرة التي أطلقها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بتنسيق مع منتدى الكرامة الحقوقي، ذي النفس الإسلامي، والتي طالب فيها المعتقلين بثلاثة مطالب لا أقل ولا أكثر، البراءة من العنف ومن تكفير المجتمع ومن معارضة النظام الملكي، مقابل التوسط بين المتعهدين بذلك وبين القصر ليتم إطلاق سراحهم، وما إن تم الإعلان عن ذلك، حتى سارعنا لدعوة المعتقلين إلى الاستجابة لهذه المبادرة، عملا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي)، وخضوعا للواقعية والمنطقية، ومراعاة لمحن المعتقلين وعوائلهم وأسرهم، ولأن ما طرحه المجلس لا يتناقض البتة مع معتقداتنا ورؤانا وأفكارنا، وهكذا كتب المعتقلون مئات الأوراق التي تضمنت التعهد بالشروط الثلاثة، وسلمت إما للمجلس مباشرة وإما عن طريق منتدى الكرامة، وعظم الأمل ببعض التصريحات الإيجابية الصادرة من بعض كبار المسؤولين، والتي تصب في نفس الاتجاه، وانتظرنا بفارغ الصبر تفعيل هذه المبادرة، ومرت الشهور تلو الشهور، والمناسبات تلو المناسبات ولا شيء إلا الجمود، وأجساد المعتقلين تهترئ خلف القضبان.
حادث الفرار من السجن والجمود الجديد
بقي الحال على هذ الجمود، سوى بعض الإضرابات التي كان تدخلها بعض السجون، والتي كانت تثير القضية ولو بشكل محتشم، والتي كانت غالبا ما تنتهي بالتفاوض حول بعض الامتيازات السجنية دون التعرض نهائيا للقضية الأساس، وفي أحسن الأحوال تعهد من المفاوضين برفع الأمر إلى السلطات العليا دون إعطاء أي وعود أو تعهدات، ولم يكسر هذا الجمود عام 2008 إلا ما أقدم عليه تسعة معتقلين على ذمة الملف، حين نظموا عملية فرار هوليودية من السجن المركزي بالقنيطرة، مما أحدث زلزالا داخل كل السجون، فجردنا من كل الامتيازات، وفك الارتباط بين إدارة السجون ووزارة العدل، ثم لم يلبث الفارون أن التقطوا واحدا بعد الآخر، ولم يفلت منهم إلا واحد، لكن غالب المتابعين اعتقدوا أن هذه العملية ضربة أخرى لكل الجهود التي بذلت طيلة السنوات الفارطة، وأن المعتقلين الفارين بفعلهم هذا قد وقعوا على شهادة الوفاة لكل المبادرات السابقة، وبالرغم من أني لم أوافق مطلقا على ما فعله أولائك الشباب، لأن الأمر لا يعنيهم لوحدهم، بل يعني مئات المعتقلين ومنهم المضربون عن الطعام في ذلك الوقت وأسرهم وعوائلهم، وها نحن لا زلنا إلى اليوم نعاني من مفاسد ذلك العمل، ونتحمل ومعنا عوائلنا وأسرنا وأطفالنا نتائجه ولوازمه، ولأننا نطالب دائما المعتقلين بسلوك المسالك القانونية حفاظا على قضيتهم، وبالرغم من هذا فقد كان رأيي أن ما وقع هو أكبر مشجع على الإسراع نحو حل لإنهاء هذا الملف، إذ إن الهاربين قد أرسلوا رسالة واضحة، مفادها أن كل الأبواب قد سدت في وجوهنا، وكل الطرق قد أغلقت أمامنا، فلم يبق أمامنا إلا التفكير في مثل هذه المسالك، فلماذا ندفعهم إذا إلى هذا النمط من التفكير؟، لقد كان بعضهم قبل الفرار بسجن عين البرجة بالدار البيضاء، وكان الفرار منه أسهل بكثير من الفرار من السجن المركزي، ومع ذلك لم يفكروا ولم يجر على بالهم مثل هذا العمل فيما أظن، لأن الملف كان متحركا، عفو واستجابة لطلبات النقض وأحكام مخففة، وتخفيف لها عند الاستئناف، مع ظروف سجنية محترمة، تحفظ أدنى شروط الكرامة، ففي مثل هذا الوضع لا يفكر السجين مطلقا في الهرب والفرار مهما بقي قيد الاعتقال، لكن حين تسد في وجهه كل الأبواب، وتغلق كل المخارج، من الطبيعي أن يتجه تفكير بعض المعتقلين إلى مثل هذا الاتجاه، ومع كل ذلك لم يتحرك الملف ولم يتزعزع من جوانبه.
خيبة أمل مع حكم النقض
بل زاد الأمر سوءا، ففي الوقت الذي استبشر فيه جمهور المعتقلين ومعهم عوائلهم وأسرهم بالاستجابة لطلب نقض الحكم الصادر في حقي وحق رفيق المحنة الشيخ حسن الكتاني، وقد عظم الاستبشار حين انطلقت أطوار المحاكمة، بل بلغ ذروته حين استجابت المحكمة لطلب الدفاع، واستدعت الشهود الذين رفضت المحكمة الأولى استدعاءهم، واستمعت لهم واحدا واحدا، وكانت شهاداتهم جميعا إيجابية، مما جعل الجميع يعتقد أن هذه المحاكمة هي فاتحة الانفراج والفرج، وكان أكثر المتابعين تشاؤما يتوقع الحكم بما قضينا أو ببضع سنوات لا أكثر، لكن للأسف الشديد، كان الحكم صادما، ولعل صدمته على كثير من المعتقلين كانت أشد من صدمته على المعنيين بالأمر وعوائلهم وأسرهم، ومع ذلك الحكم القاسي والشديد، قلنا لايهم، لعل الدولة تريد لهذا الملف مخرجا آخر غير المحاكم والقضاء.
لكن أعظم خيبة عرفها الملف عام ,2009 كانت هي تلك المرارة التي تجرعها المعتقلون بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتلاء العرش، فقد سبقتها الإشاعات والروايات والمصادر المطلعة، والتي تنعكس على الرؤى والأحلام، مما جعل غالب المعتقلين يترقبون ذلك اليوم بفارغ الصبر، لكن هذا الأمل تفجر وبلغ مبلغه في النفوس حين صدر الخبر الرسمي عبر الإذاعات السمعية والمرئية، والتي أعلنت استفادة ما يقارب خمسة وعشرين ألفا من العفو الملكي، منهم ستة عشر ألفا سيغادرون زنازنهم نحو الحرية، وأمام هذه الأرقام الضخمة، لم يكن أمام بعض المعتقلين إلا جمع الحقائب وإخبار الأهل والأقارب، وشخصيا لم أتصور أن يتم إطلاق سراح هذا العدد الضخم من قطاع الطرق ومصاصي الدماء البشرية، والذين عاد الثلث منهم أو أكثر لمعانقة القضبان، بل إن بعضهم لم يستنشق هواء الحرية إلا يوما أو يومين، حتى ضاق صدره بالهواء النقي، وعاد ليجد نفسه وراحته بين القضبان، لم أتصور أن يسرح كل هؤلاء وألا ينال العفو ولو نفرا قليلا من المتدينين، ولو من كبار السن وذوي الأمراض والعاهات، ولو من الذين لا يشك أحد في براءتهم، وفي أن الحملة الأمنية أخذتهم على حين غرة، ولو من الذين وإن وقعوا فيما وقعوا فيه، مما جرهم لكل هذه المتاعب، إلا أن السنوات الماضية التي قضوها خلف القضبان كانت كافية لمعرفة مدى استفادتهم مما جرى، لم أتصور أن يعانق كل هذا العدد الحرية دون أن يكون واحد منهم على ذمة هذا الملف، لم أكن أتخيل أن تكون القسوة إلى هذا الحد، وكأن هؤلاء ليسو من أبناء هذا الوطن، وكأنهم جميعا أجرموا جرما لا يستحقون بعده شفقة ولا رحمة.
وماذا بعد؟
وماذا بعد كل هذا المسار الطويل من خيبات الأمل؟، هل سنتوقف عن المحاولة، هل سنستسلم للأقدار ونلم ركبنا بأيدينا في زاوية من زوايا الزنزانة منتظرين نزول الفرج من السماء؟، هل ستدفعنا هذه الخيبات المتكررة لترك مسالك الاعتدال والوسطية، وطرق أبواب التطرف والغلو والانحراف؟، هل سيدفعنا هذا التجاهل لنكره هذا البلد وهذه الأرض الطيبة التي ولدنا ونشأنا وترعرعنا فيها؟، هل سنشغل أنفسنا بمعارك جانبية حول العدس والبصل والخلوة الشرعية، ونترك قضيتنا الكبرى والأساس؟، كلا ثم كلا، لن نستسلم ولن نرفع الراية ولن ننزل الأيدي، وسندفع قدر الله بقدر الله، وسنظل على منهج الاعتدال والوسطية، ولو قدر الله تعالى لنا البقاء خلف القضبان طول أعمارنا، وسنظل نحب هذا البلد وهذه الأرض التي نعتز بالانتماء إليها وإن جار علينا بعض أهلها، وسنظل ننادي بالحرية ولن تبح أصواتنا، ولن نرضى بما دون الحرية، وما هذه المبادرة التي نطرحها اليوم؛ إلا حلقة من هذه الحلقات، وإن كنا عند كل محطة نتمنى أن تكون آخر المحطات، نتقدم بهذه المبادرة لنبرئ الذمة، ونرفع الحجة، ولنؤكد مرة أخرى لكل الشرفاء والعقلاء والمنصفين مدى جديتنا، واستعدادنا لكل المخارج والتسويات المناسبة التي ترفع هذه المحنة، هذه المحنة التي تكاد تقفل سنتها السابعة، ولم يظهر إلى اليوم أي آفاق للخروج من هذا النفق المظلم، في الوقت الذي تتحرك فيه كل الملفات الشبيهة في دول وبلدان أخرى، من الجزائر إلى مصر إلى ليبيا إلى السعودية واليمن، بل حتى موريتانيا الحديثة العهد بهذه الملفات دشنت مسلسل التصالح والتسوية، إننا دائما نتساءل لماذا نحن الاستثناء؛ مع أن ملفاتنا أخف بكثير من كل ملفات الدول الأخرى، إننا لا نريد ولا نحب أن نشعر أننا قد هنا على أهلنا، وأن معاناتنا ومعاناة عوائلنا وأسرنا وأطفالنا لا تحرك ساكنا ولا تغير واقعا، ماذا بالله عليكم يستفيد هذا البلد من وضع مئات الشباب خلف القضبان، معطلة طاقاتهم، مهدرة إمكاناتهم، تهترئ أجسادهم، وتفنى أعمارهم؟، مع أنهم لا يدعون مناسبة إلا أعلنوا فيها براءتهم من التكفير والتفجير، وكل من غادر منهم السجون اندمج كليا مع محيطه ومجتمعه، اللهم إلا حالات شاذة نادرة لا يقاس عليها؟، فماذا يراد منهم أيضا ليثبتوا سلامة نيتهم وجديتهم؟
إننا ونحن نتقدم بهذه المبادرة، نضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية، المعتقلون مطالبون بالشجاعة في إبداء حسن نواياهم، والبرهنة على نضجهم وتعقلهم، الجهات المسؤولة مطالبة بالتفاعل بإيجابية، علماء الأمة مطالبون بأخذ المبادرة، واقتحام الباب بكل جرأة، ليؤدوا دورهم المنوط بهم في رعاية الشباب المتدين خارج السجون وداخلها، المفكرون والمثقفون مطالبون بالقيام بدور فعال في تحريك الرأي العام ليتجاوب مع المبادرة، الحقوقيون والجمعويون مطالبون بالمتابعة والرعاية والمراقبة، لا أحد يعفى من المسؤولية، نحن من جديد نمد أيدينا، فهل تكون الأخيرة؟
كتبه: أبو حفص محمد عبدالوهاب بن أحمد رفيقي
السجن المحلي بوركايز بفاس
في: 9 محرم 1431 ه 25 ديسمبر2009م
-العناوين من اعداد المحرر-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.