لقد أثارات مدونة السير بالمغرب، نقاشا واسعا منذ تبنيها من طرف الحكومة، وطيلة مسطرة المصادقة عليها. ونظرا لأهمية الموضوع في الحياة اليومية للمواطن وللسائق المهني، فقد تم فتح نقاشات مواكبة طيلة عمل البرلمان، تم التركيز من خلالها على المطالب التي تعتبرها بعض النقابات تكتسي أهمية خاصة. إلا أن الملاحظ، هو أن هذه المطالب، عرفت بدورها تصاعدا خطيرا. لقد اعتبر المهنيون أن الفرصة مواتية للحصول على بعض المكتسبات، فاختلط العمل النقابي بالمزايدات السياسية وبالأوضاع الاجتماعية للمهنيين وحالة الطرق .... لدرجة أن ملف مدونة السير عرف تعقيدا قل نظيره عند مناقشة النصوص القانونية. وقد ازداد المشكل تعقيدا، بعد أن تمت المصادقة على المدونة. وللتذكير، فالنص القانوني يمر بمسالك متعددة: اللجان الوزارية، مجلس الحكومة الذي يرأسه الوزير الأول، مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك، وبعد ذلك يحال على البرلمان لمناقشته من خلال عمل اللجان والجلسات العامة في كلا المجلسين. وطيلة هذه المراحل، كان النقاش مستمرا على عدة أصعدة: لقاءات رسمية، لقاءات مع المهنيين من خلال نقاباتهم، كتابات صحفية... لقد وصلنا الآن إلى مرحلة خطيرة. فالمدونة تحولت إلى قانون صدر الأمر بتنفيذه، كما أنه منشور بالجريدة الرسمية، وبالتالي اقترب موعد تطبيقه؛ وفي مقابل ذلك تعالت بعض الأصوات لمناهضته، وهي فعلا سابقة خطيرة جدا لأنه ببساطة لا يُمكن التنصل من تطبيق القانون تحت ذريعة عدم الموافقة عليه!!!. إن النظام القائم على الحق والقانون لا يسمح لأي كان أن يتنصل من القانون تحت أية ذريعة كانت. ومما زاد في تعقيد المشكل، هو الأرقام المهولة لعدد ضحايا حوادث السير بالمغرب. إنها حرب حقيقية 10 موتى كل يوم. لا يقع هذا حتى في دول تعرف حربا حقيقية. فهل يُمكن لمجتمع أن يتسامح مع من يتسببون في هذه المآسي كل يوم؟ وهل يقبل السائقون في التسبب في هذه الفواجع؟ وهل يجب على الحكومة أن تبقى مكتوفة الأيدي بسبب نقص التجهيزات الطرقية؟ أسئلة كثيرة، لكن الجواب واحد: لن يرضى أي كان أن يتم حرمانه من عزيز لديه. وفي اتصال هاتفي لمرايا بريس مع الأستاذ بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري، لمعرفة وجهة نظره كمهتم بالشؤون القانونية، أكد لنا أن الوضعية التي تعيشها البلاد في موضوع مدونة السير، لا يُمكن أن تجد حلا لها إلا بالمساطر القانونية، من خلال إقناع الهيئات السياسية والفرق البرلمانية يتقديم مقترحات قوانين لتعديل المدونة، أو حتى إقناع الحكومة بتقديم مشروع قانون تعديلي. ويضيف الأستاذ أنه يجب ألا ننسى أن المصادقة على هذه المدونة في الحكومة وفي البرلمان دليل على أن العديد من الهيئات السياسية موافقة عليه، وبالتالي يجب التوجه إليها بمقترحات ملموسة، وإلا فإننا سنصل إلى وضعية يتحكم فيها المهنيون في السياسيين. فما العمل إذا تحرك الأطباء والموثوقون والمحامون والأساتذة والمهندسون... يطالبون كلهم بقانون على مقاسهم؟ إذن موضوع نقاشنا هذه المرة هو مدونة السير الجديدة وآفاق تطبيقها. نتساءل عن مدى إنصافها للمهنيين؟ عن واقعيتها كقانون متطور ضمن منظومة طرقية متآكلة واستفحال رهيب لظاهرة الرشوة في قطاع ينزف فسادا؟ ثم بالمقابل نستفسر عن جدوى الإضراب الذي المزمع شنه يوم 20 شتنبر الجاري ما دام القانون قد صودق عليه وسيدخل حيز التنفيذ؟ وفي ظل انقسام مهنيي القطاع بين رافض ومؤيد للإضراب؟ ثم أخير متى يكف نزيف الدماء على طرقات مغربنا؟ ويكف حصاد أرواح الأحباء والأصدقاء...؟؟؟