يعود تاريخ طرح المشروع إلى عام 2007 في ظل الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة (أرشيف)لم يحسم مجلس الوزراء خياره في شأن مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن فريق رئيس الحكومة لا يزال مصرّاً على إمراره، مدعوماً من بعض فريق رئيس الجمهورية. وباستثناء موقف وزراء التيار الوطني الحر المعترض عليه، تبقى مواقف بقية الأطراف غير واضحة، أو أقلّه غير مدركة للمخاطر التي ستترتب على مناوراتها في شأنه يرى وزير المال الأسبق، إلياس سابا، أن مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو من أخطر المشاريع المطروحة حالياً، لأنه ينطوي على محاولات جديدة لتذليل العقبات، مرة واحدة، أمام كل ما يعترض «طريقهم» للاستيلاء على ما بقي من موارد عامّة... فيما يرى الخبير القانوني، وجيه زغيب، أن الهدف من هذا المشروع، كما هو مطروح على مجلس الوزراء، إطلاق يد المجلس الأعلى للخصخصة في عمليات الخصخصة ومنح الامتيازات والعقود والتلزيمات بلا أي ضوابط، وخلافاً لأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء. هذان الموقفان من خبيرين مشهود لهما بالمعرفة والخبرة والكفاءة، يختصران الكثير من تفاصيل السجال الخفي الحاصل في شأن مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي أُدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء السابقة، وأُجِّل بتّه بطلب من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي رأى أن مشروعاً بهذا الحجم والأهمية يستحق المزيد من الدرس والتمحيص. فالمشروع لا يسعى إلى تنظيم عمليات محددة لا تلحظها القوانين المرعية الإجراء، بل يسعى إلى تشريع الأبواب أمام مرحلة جديدة من الفساد السياسي، عبر نقل ما بقي من وظائف ومهمات للدولة إلى ما يسمّى «القطاع الخاص» وتعظيم المنافع الخاصة لبعض النافذين... وهو ما تكشف عنه «الأسباب الموجبة» المرفقة بمشروع القانون، إذ تتحدّث عن وجود استعدادات محلية وخارجية مسبقة للسيطرة على المشاريع التي يمكن تنفيذها من طريق الشراكة، والتي تتضمن: السجون، الثكنات، محطات الإطفاء، المحميات الطبيعية، معامل حرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية، معامل الطاقة المتجددة، سدود المياه، الطرق، الجسور، سكك الحديد، المرافئ، المطارات، مرائب السيارات، المدارس، المكتبات، المستشفيات، مآوي المسنين، الملاعب الرياضية، المجمعات السياحية، قصور المؤتمرات، معامل معالجة النفايات الصلبة، محطات تكرير الصرف الصحي... وغيرها من المنشآت الأساسية، أو بمعنى آخر كل شيء يعود إلى الدولة ويندرج ضمن مهماتها السيادية. في الواقع، يعود تاريخ طرح هذا المشروع إلى عام 2007، في ظل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، إذ عكف وزير المال حينها جهاد أزعور، بالتعاون مع الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك وعدد من المستشارين في فريق الرئيس السنيورة، على إعداد مشروع قانون يطلق يد الحكومة في عمليات الخصخصة الواسعة والشاملة من دون الاضطرار إلى احترام الدستور والقوانين التي ترعى عمليات بيع الأملاك العامة ونقل الاحتكارات إلى القطاع الخاص ومنح الامتيازات والعقود المختلفة... فالتجربة التي خاضها هذا الفريق، حتى ذاك الوقت، لم تكن ناجحة، بحسب معاييره، ولم تتحقق كل الأهداف التي رسمها لتحقيق بعض المصالح الخاصة لمجموعة من الساعين إلى المزيد من الإثراء غير المشروع وجني الثروات على حساب المال العام وحقوق اللبنانيين. ولعل أبرز مثال على فشل هذه التجربة، هو عجز حكومة السنيورة عن بيع رخصتي الهاتف الخلوي وموجوداتهما وأصولهما، بسبب وجود نصوص دستورية وقانونية تُلزم الحكومة بإرسال مشروع قانون في هذا الشأن إلى المجلس النيابي، وهو كان مقفلاً أمامها في ذاك الوقت... بل إن الإعداد لإنجاز هذه الصفقة، خلافاً للدستور والقوانين، اصطدمت حينها بأحكام قانون التجارة التي تنص على جملة شروط تتّصل بملكيّة اللبنانيّين لحصص وازنة من الشركات التي ستستحوذ على القطاعات والمرافق. كذلك اصطدمت بقانون الاتصالات نفسه، نظراً إلى الغموض الذي يعتري بعض أحكامه في شأن آلية البيع ومضمونها... وهو ما أسهم في تعطيل العملية كلّها، خوفاً من الطعن فيها أمام القضاء المختص من جهة، ولعدم الرغبة في توزيع حصص من ملكية الشركات الساعية إلى الفوز بقالب الجبنة برمّته من جهة ثانية! في ظل هذه التجربة، تجنّدت العقول «المافيوية» لإيجاد سبيل يتيح لفريق «الخصخصة» فعل ما يحلو له، فاجتُرحت فكرة وضع قانون جديد تحت اسم حركيّ منمّق هو «الشراكة مع القطاع الخاص»، يسمح بإطلاق أوسع عملية نهب منظّم، ويقضي في الوقت نفسه بإجراء تعديل دستوري مبطّن من دون الاضطرار إلى الالتزام بالإجراءات النظامية المعقّدة لإجراء مثل هذا التعديل، فضلاً عن إلغاء أو تعديل عشرات القوانين المرعيّة الإجراء من دون الاضطرار إلى تحديدها وتوضيح آثارها ومفاعيلها عموماً. لم تمنع الأزمة السياسية إعداد مثل هذا المشروع، إلا أنها منعت طرحه على المجلس النيابي الذي رفض رئيسه تسجيل أي إحالة من الحكومة في ديوانه، فبقي المشروع نائماً حتى تألفت حكومة الرئيس سعد الحريري الحالية، وبدأت بإعداد مشروع موازنة عام 2010، فقام فريق الحريري السنيورة بمناورة، عبر وزيرة المال ريا الحسن، رمت إلى طرح زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 أو 12%، واشتُرط الحصول على توافق سياسي لإمرار مشروع «الخصخصة المقنّعة» بديلاً لهذه الزيادة. فأوعز الرئيس نبيه بري إلى معاونه السياسي النائب علي حسن خليل بنبش هذا المشروع وتقديمه بصيغة اقتراح قانون إلى المجلس النيابي، وذلك إفساحاً في المجال لتقديم مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء بعد تأخير غير مبرر عن الموعد الذي التزمت به هذه الحكومة في بيانها الوزاري. إلا أن العديد من الخبراء والمعنيين، نبّهوا الرئيس برّي إلى خطورة هذا المشروع بالصيغة التي قدّم بها، فهو يتناقض مع خطابه السابق بضرورة العودة إلى المجلس النيابي عند كل عملية خصخصة مهما كان نوعها أو شكلها. كذلك فإنه يصادر صلاحيات واسعة تعود إلى المجلس النيابي ويعطيها للحكومة، وينقل صلاحيات واسعة من الحكومة إلى المجلس الأعلى للخصخصة، الذي يعدّ بمثابة مجلس وزاري مصغّر برئاسة رئيس مجلس الوزراء نفسه... وقد فهم الرئيس بري أنه بسماحه بإمرار هذا المشروع يكون كمن أطلق النار على رأسه، إذ إنه يتخلى بذلك عن شراكته باتخاذ القرارات في هذا الشأن... فبدأ «الفار يلعب بعبّ الرئيس بري»، وانتهى الأمر بأن أمر بتجاهل المشروع وعدم طرحه على أي لجنة نيابية حتى الآن! مشروع القانون ينطوي على مصادرة صلاحيات المجلس النيابي، ويطيح عشرات القوانين المرعية الإجراء هذا التجاهل دفع بالرئيس الحريري إلى الإيعاز لفريقه بإعداد مشروع قانون جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص باسم المجلس الأعلى للخصخصة وتقديمه إلى مجلس الوزراء مجدداً لإحراج الرئيس بري ودفع الرئيس ميشال سليمان إلى تأييده بتأثير من الوزير عدنان القصّار، المصرفي الذي عبّر عن دعمه المطلق لهذا المشروع، فضلاً عن وضع القوى الأخرى المشاركة في الحكومة أمام مقايضات ترغب فيها للحصول على بعض المكاسب... وقد استبقت الوزيرة الحسن كل ذلك بإدراج خيار الخصخصة، تحت عنوان الشراكة، في فذلكة مشروع موازنة عام 2010 التي أحالتها على المجلس النيابي أخيراً، وذلك بهدف إعطاء المزيد من الشرعية لهذا الطرح بعد مناقشته عرضياً من النواب، وذلك بذريعة أنه يجسد أحد الخيارات التمويلية في ظل العجز المالي وأزمة المديونية العامّة وتعاظم مشكلة فائض السيولة لدى القطاع المصرفي، وهو خيار بمواجهة خيارات أخرى «مكروهة» تتمثل بزيادة الضرائب أو زيادة المديونية العامّة، بحسب ما جاء في الفذلكة. يتألّف مشروع قانون الشراكة مع القطاع الخاص، كما هو مطروح على مجلس الوزراء، من 15 مادّة فقط. وقد اكتفى وزير العدل إبراهيم نجّار بإيداع الأمانة العامّة لمجلس الوزراء نصوص القانون الفرنسي المماثل للدلالة على تحفّظه على مشروع القانون المطروح، وعلّق في رسالته الرسمية بأنه «حبّذا لو صار الاطلاع على هذه النصوص قبل الصياغة النهائية للمشروع المعروض على مجلس الوزراء». طبعا لا يريد الوزير القانوني أن يقف في وجه مشروع قانون يريده الحريري بقوّة، لكنه لا يريد أن يفرّط بصفته أستاذاً في القانون، فقد وجد أمامه «هرطقة» حقيقية... إذ إن المشروع المطروح ينص في مادّته الأولى على أن «الشراكة تشمل كل أشكال التعاون بين جهات القطاعين العام والخاص»، وكذلك تعطي المواد 4 و5 و6 و9 و14 صلاحيات واسعة للمجلس الأعلى للخصخصة وتنقل صلاحيات من المجلس النيابي إلى مجلس الوزراء، ومنه إلى المجلس الأعلى للخصخصة... ولا يحدد مشروع القانون في أيٍّ من مواده مفاهيم أساسية، كالمنفعة العامّة وأملاك الدولة العامّة والخاصة والمشاعات والأملاك البلدية، لكنه يسمح بالخلط بينها ووضعها في تصرّف الشريك الخاص خلافاً لأيّ نصّ دستوري أو قانوني آخر، ومهما كانت الطبيعة القانونية لهذه الأملاك، بما في ذلك استملاك الأملاك الخاصة (المادة 10)، وتنسف المادة 8 أحكاماً أساسية من قانون التجارة، إذ تعفي «شركة المشروع»، المنصوص على تأسيسها في مشروع القانون، من تطبيق المواد 78 و144 و173 من قانون التجارة، وهي المواد التي تفرض أن يكون ثلث رأس مال الشركة لمساهمين لبنانيّين، وأن تكون أكثريّة أعضاء مجلس الإدارة من اللبنانيين، وتفرض وجود مفوّضي المحاسبة... كذلك تعفي المادة الثامنة من موجب حصول رئيس مجلس الإدارة، والمدير العام في «شركة المشروع» على إجازة عمل إن كانا من الأجانب! والأخطر أن مشروع القانون لا يُخضع «شركة المشروع» لأي رقابة مسبقة أو مؤخّرة، بما في ذلك رقابة ديوان المحاسبة، ولا يحدد أي شروط تتعلق بنسب مساهمة الدولة في «الشركة» أو بتمثيلها في مجلس الإدارة، ما عدا ما ذكر عن ضرورة أن يمثّل الشخص العام بعضو واحد على الأقل! ويطيح مشروع القانون النظام القضائي اللبناني عبر تسليمه بأشكال الوساطة والتحكيم في حلّ النزاعات التي قد تنشأ مع الشركة الخاصّة، كذلك يسمح بتلزيم جباية الضرائب والرسوم وغير ذلك من إيرادات المشروع «المخصص» إلى «شركة المشروع»، وذلك بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. يرى الخبير القانوني، وجيه زغيب، أن هذه المواد تعبّر عن خلط واسع بين الخصخصة والتلزيمات والامتيازات... وذلك بهدف إطلاق يد المجلس الأعلى للخصخصة في إجراء عمليات وعقود مع القطاع الخاص من دون أي ضوابط، ويطلق يد الحكومة في عملية الخصخصة والامتيازات حسب الحاجة. ويشير إلى أن النص المعتمد في المادة الأولى من المشروع مطّاط لدرجة كبيرة، إذ رأى أن كل شكل من أشكال التعاون بين القطاعين العام والخاص هو شراكة، وهذا يشمل التلزيمات والخصخصة والعقود... أي إنه يطلق يد الحكومة للتصرف في القطاعات الاقتصادية وعقد الاتفاقيات «على هواها»، فضلاً عن أنه لا يعتمد نموذجاً لعقود موحّدة، وترك الأمر يسير على مبدأ حرية التعاقد، وعلى أساس كل حالة على حدة! بل إنه يحاول أن يقوم ببعض الالتفافات على الدستور، ولا سيما على آلية منح الامتيازات، التي يجب أن تقرّ كل حالة بقانون في مجلس النواب. ويلفت زغيب إلى أن مشروع القانون يستعيض في بعض الجوانب عن العقود الإدارية بعقود الشراكة، علماً بأن الشراكة في المجالات التي ذكرها «غير قابلة لأن تكون موضع عقود، لأنها لا تتضمن أي خدمات عامة تقدّم للمستهلك، بل هي أمور محدّدة مثل إنشاء السجون، فأين دور القطاع الخاص فيها، وما الفائدة من مثل هذه الشراكة؟». لماذا هذا الإصرار على إمرار مشروع قانون بهذه المواصفات المفضوحة؟ يجيب وزير المال الأسبق إلياس سابا بأن الجهة التي تطرح «الشراكة» قد استنفدت كل الوسائل للاستيلاء على موارد الدولة، متسائلاً: «كيف يتشارك القطاعان العام والخاص؟ وما هي النتيجة المنتظرة عندما تكون الدولة ضعيفة مقابل قطاع خاص نهم وشره بلا حدود؟». ويشير إلى «أنهم آتون للاستيلاء على كل الموارد الباقية، فما الذي يميّز الخصخصة عن الشراكة؟ إذ إن الاثنين لا يمكنهما أن يحلا محل إصلاح نوعية الإدارة العامة، وهذه الأخيرة لا تُصلَح بلا إصلاح القيادة السياسية التي انحدرت وباتت بلا سقف، حتى أخلاقي». مصطلحات مشروع القانون الشخص العام: الدولة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات. الشريك الخاص: شركة أو تكتل شركات محلية أو أجنبية من القطاع الخاص فازت بالمشروع. شركة المشروع: الشركة المغفلة اللبنانية التي يؤسسها الشريك الخاص بغاية تنفيذ المشروع، والتي يمكن الشخص العام أن يمتلك أسهماً فيها. المشروع أو المشاريع: أي عملية تشتمل على العناصر الآتية: * أولاً: تمويل، * ثانياً: إنشاء و/أو تطوير و/أو ترميم و/أو تأهيل و/أو تجهيز و/أو صيانة. * ثالثاً: استثمار و/أو إدارة مشاريع لها طبيعة اقتصادية وذات منفعة عامة. يمكن أن تتضمن العملية أيضاً إعداد الدراسات والتصاميم المتعلقة بتلك المشاريع. الشراكة: تشمل كل أشكال التعاون بين جهات من القطاعين العام والخاص لتنفيذ المشاريع المشمولة بأحكام هذا القانون. عقد الشراكة: الاتفاق الذي يربط الشخص العام وشركة المشروع، والذي يحدد شروط تنفيذ المشروع والنظام القانوني للشراكة وفقاً لأحكام هذا القانون. المجلس: المجلس الأعلى للخصخصة المُنشأ بموجب القانون الرقم 228 تاريخ 31 أيار 2000. إن هذه المصطلحات، التي تعرضها المادّة الأولى من مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كافية لرفض المشروع كلياً، لكونها تفضح الأهداف الحقيقية له، وهي منح رئيس مجلس الوزراء، بصفته رئيساً أيضاً للمجلس الأعلى للخصخصة، صلاحيات استثنائية في إجراء أي عملية تنطوي على تفريط بالحق العام، ملكاً كان أو مالاً أو منفعة، وتحويله إلى شخص خاص، خلافاً لأحكام الدستور وصلاحيات المؤسسات الدستورية. والمفارقة، أن الأسباب الموجبة لهذا المشروع تنطوي على تناقض مع كل الخطاب الذي شاع حتى الآن، الذي يرى أن لا علاقة بين عقود الإعمار وتنامي الدين العام، إذ يقول المشروع إن سبب الشراكة هو «عجز الدولة المزمن عن تحمّل أعباء الإنفاق الاستثماري اللازم من دون اللجوء إلى زيادة الدين العام أو زيادة الضرائب»... فالمعروف أن مجمل عقود الإعمار لم تتجاوز 8 مليارات دولار منذ عام 1992، فيما دين الدولة الفعلي زاد على 70 ملياراً في الفترة نفسها! ويزعم المشروع أن الشراكة على أساس عقود طويلة الأجل تهدف إلى تقديم خدمات عامة وإنشاء البنى التحتية من طريق الاستفادة من كفاءة القطاع الخاص وإمكانياته المالية وخبراته... إلا أن التجارب أثبتت في الواقع اللبناني أن القطاع الخاص أشدّ فساداً من القطاع العام وأقل كفاءة. نصيحة نجّار قضت نصيحة وزير العدل إبراهيم نجّار بقراءة نصوص القانون الفرنسي التي تنظّم عقود الشراكة مع القطاع الخاص، فتبيّن من المقارنة مع مشروع القانون المطروح حالياً، أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما تصفه هذه النصوص بعقود شراكة وما يحاول فريق الحريري السنيورة إمراره. فعقد الشراكة في القانون الفرنسي هو عقد إداري تكلّف بموجبه الدولة أو أي مؤسّسة عامّة تابعة لها طرفاً ثالثاً، ولمدّة معيّنة، بأداء مهمّة عامّة هدفها بناء، تحويل، صيانة، استثمار، إدارة منشآت أو معدّات أو أصول غير ماديّة ضروريّة لتوفير الخدمة العامّة، إضافة إلى (المشاركة في) التمويل الجزئي أو الكلّي، باستثناء المساهمة في رأس المال... وهذا يتناقض تماماً مع المطروح في لبنان. ولا يمكن، بموجب القانون الفرنسي، عقد اتفاقات الشراكة، إلّا إذا تبيّن من جرّاء التقويم، ما يأتي: 1 أنّه لا يمكن الشخص العام، موضوعياً، أن يقوم وحده بتأمين الوسائل التقنيّة التي تتواءم مع حاجاته. 2 أن يكون للمشروع طابع طارئ، أو لمواجهة وضع غير مرتقب، وبهدف تدارك أي تأخير يمسّ المصلحة العامّة. 3 أن يكون اللجوء إلى عقد كهذا أكثر ملاءمة من تلك التي تحققها عقود يديرها القطاع العام، مع الأخذ في الحسبان خواص المشروع أو مقتضيات الخدمة العامّة التي تقع على عاتق الشخص العام، وهنا لا يمثّل معيار التسديد المالي المعيار الوحيد الذي يحدّد الأفضليّة.