لو نظرنا إلى الواقع الحالي الذي يعيشه التلاميذ بالمغرب، من انحطاط فعلي في المستوى الدراسي، بدءاً من التلميذ الذي يتابع دراسته بالتعليم الإبتدائي وصولاً إلى تلميذ الباكالوريا، لوجدنا اختلافا ملحوظاً مقارنة مع تلاميذ مغرب العهد القديم. ولعل هذه الملاحظة كفيلة بجعلنا نتساءل عن وسائل أخرى لاسترجاع بعض مما ضاع من مستوى التعليم ببلادنا وشفافيته. فما نحن بصدد الحديث عنه ليست مشكلة يمكن اعتبارها مجرد سحابة صيف عابرة في تاريخ التعليم ببلادنا، بل هي البداية لمشاكل أخرى قد لا تحمد عقباها مستقبلاً. ففي حين أصبحت الدول الغربية تفتح آفاقاً واسعة وتعطي فرصاً متكافئة للتلاميذ قصد ترسيخ روح الإبداع والتميز والمنافسة لديهم، لازلنا نحن نتحدث عن تلميذ في المستوى وآخر دون المستوى. الأمر يتعلق أساساً بغياب عين ناقدة وذات وزن معتبر، حيث يمكنها التمييز بين الصالح والطالح في معايير تقييم التلاميذ وتحديد مستواهم المعرفي والعقلي. فمن وجهة نظري، أرى أن المشكل لا يمس التعليم وحده، بل يتعداه لمجالات التنمية البشرية الأخرى ، و العقل البشري كموضوع لا يمكن الإستهانة به. فهل العقل البشري مما يمكن تقييمه ؟ لست أدري فعلاُ، فأمام الأوضاع الحالية، علينا اللجوء إلى حلول اضطرارية لتغيير مفهوم العقل البشري في أذهاننا، فهو ليس مما يمكن تقييمه، لأن عطاءاته ليس لها حدود، حتى ولو عرف فشلا في مرحلة معينة، إلا أن أسلوب التعامل معه يبقى المحدد الأساسي لربحنا أو خسارتنا. فإذا ما سمحنا لأنفسنا بتقييم عل بشري قادر على العطاء في كل حين، وخلق أفكار جديدة، فهل يحق لنا بعد كل ذلك أن نطمح في اللحاق بركب الدول المتقدمة ؟ ففي معظم دول الغرب، نجد الطلبة يحظون بتعليم راقٍ في مرحلة ما بعد البكالوريا مثلاً، بحيث تفتح أمام كل راغب في متبعة دراسته في مجال معين جميع الأبواب، دون أية محاولة قد لا تكون عادلة دوماً، لوضع مقاييس للتمييز بين هذا وذاك، لذلك أقول إنه يجب وضع حد لمهزلة التعليم بالمغرب، واتخاذ قرارات حاسمة، كتلك التي كانت سارية المفعول في العهد الذي كان فيه التعليم بالمغرب مزدهراً. لقد بات الأمر واضحاً بالنسبة لكل من يحمل في قلبه مثقال ذرة واحدة من الغيرة على هذا الوطن، والإهتمام لمصيره المستقبلي، لأن عقولاً لا تقدر بثمن لازالت ضحايا لهذا التقييم التعسفي والفاشل للعقول والمستويات المعرفية، وبالإمكان وضع لائحة طويلة بأسماء هؤلاء، والمراهنة على أنه لو تم عرضهم للإختبار بمقاييس دولية ومعايير صارمة للتحقق من مدى ذكائهم، لتم التأكد من أن المعايير الوطنية في التقييم هي الفاشلة وليس التلاميذ. لأن نظاماًُ تعليمياً لا يجيد التعامل مع الموهوبين، بل ويملك هذا المفهوم على الورق فقط، لا يمكن أن يكون نظاماً تعليمياً ناجحاً. فلماذا لا نرتقي بتعليمنا ونستغل جميع الأفراد فيما يخدم مصلحة الوطن؟ أم أننا لا زلنا نحلم بمعجزة سماوية لتنقلنا على بساط الريح نحو أعلى مستويات التقدم ؟ ولعل أغرب مشهد يمكن تناوله أخيراً هو أن المغربي هذه الأيام، إذا رغب في المشاركة في برنامج أو مسابقة فنية، فإن الباب يفتح أمامه على مصراعيه، حتى دون أن يطرقه، ودون أية شروط مسبقة، لكي يصبح فناناً- على الطريقة المغربية المعاصرة - في حين إذا رغب في ولوج مجال تعليمي معين، بدأت الشروط والتعقيدات في الظهور أمامه، وهذا المشهد يجعلك تفكر في أن من يضع هذه الشروط و يفتح المجال للفن يريد أن يقول للعالم إن بلادنا تملك من الفنانين ما لا تستطيع دولة أخرى امتلاكه، وكأن الفخر هو في التكوين السلبي لفيروسات تنشر العتمة والجهل في المجتمع، وكأنا الفن هو بعض الترهات التي لا جدوى منها، وبعض المهرجانات التي لا صلة لها بثقافتنا المغربية الأًصيلة، بل هي فيروسات تم استيرادها من الغرب، في الوقت التي يستورد فيه الغرب عقولا ونوابغ وأطفال موهوبين نحن في غنى عنهم بالطبع، ليكونوا في المستقبل رواد فضاء وعلماء فلك، وفيزيائيين ورياضيين يحملون جنسيات غربية. فهنيئاً لنا بفنانين يستنزفون أموالنا التي بالإمكان تكريسها في خدمة أبناء الوطن الحقيقيين، والذين ينشدون الخير والصلاح للأمة، ولنقل وداعاً لكل محاولة للإبداع والتميز الفكري والعلمي، فلا حاجة لنا بمفكرين ولا علماء، كل ما يلزمنا للتطور السريع هو وصفة غبية يقدمها مهرج على الهواء لنقل المغاربة إلى عالم ساحر لا يحلم به أي إنسان غربي.