يبدو واضحًا أن دور مصر كقوة مؤثرة تراجع خلال العقود الأخيرة، مقارنة بتأثيرها الهائل على المنطقة بل على العالم قبل عهد مبارك، خاصة بعد حصار غزة نظرًا لمشاركة النظام المصري فيه، حيث يُغلق معبر رفح إلاّ لحاجات خاصة ويُقتل العاملون في الأنفاق - الذين يريدون الحصول على لقمة العيش لعائلاتهم وعلى حوائجهم اليومية - بالغازات السامة وضخ المياه عبر الأنفاق وبأساليب أخرى. لتدهور هذا الدور المصري أسباب عدّة، أبرزها الفساد المستشري برعاية الحزب الحاكم، فساد سياسي وإداري ومالي، والخدمات المجانية الذي يقدمها هذا النظام لإسرائيل من تصدير الغاز والنفط بأسعار مخفّضة، ومشاركته الفعلية بحصار غزة منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية بانتخابات اعتبرها كل المراقبين نزيهة حتى في ظروف الاحتلال، إضافة إلى مواقف النظام المصري المنسجمة تمامًا مع المصالح الأمريكية والصهيونية تجاه قضايا الأمة، ناهيك عن الجرائم التي تقترف بحق الشعب المصري، جرائم لا مجال لحصرها في مقال، وحالة يعبّر عنها جيدًا الصحفي والمعارض المصري عبد الحليم قنديل في مقاله "أشعر بالعار لأنك الرئيس". لم تقتصر الأزمة بين الشعب المصري ونظامه، بل أصبحت هناك اليوم أزمة حقيقية بين الشعوب العربية والنظام المصري، التي برزت بعد حرب تموز 2006، واتضحت جليًا بعد حرب غزة 2008-2009، حيث هددت تسيبي ليفني ب"سحق" غزة من قلب مصر العربية، بجانب أبو الغيط الذي ظل صامتًا ولم يحتج أو يدين تهديداتها. إضافة إلى بناء الجدار الفولاذي (السد الواطي) بتمويل أمريكي بحجة "الأمن القومي المصري"، مصطلح بات يُستخدم عند كل حماقة يقوم بها نظام مبارك. كما يمارس النظام المصري أسلوب التضليل الإعلامي والثقافي ويشغّل كثيرًا من الإعلاميين وظيفتهم الكذب والتلفيق، حتى أنه يتم استخدام بعض علماء السلاطين وتجّار الدين لإصدار فتاوى تحلّل ما حرّم الله، وتحتج ب"عدم تدخلها بالسياسة" و"طاعة ولي الأمر" (حتى وإن كان "ولي الأمر" فاسقًا ظلومًا جهولاً) لتلعب بذلك دور الداعم لسياسة الأمر الواقع بأسلوب النفاق. إنكشفت آخر فضيحة لنظام مبارك قبل عدّة أيام، حين قامت قوات الأمن المصرية باعتقال جرحى فلسطينيين عادوا من دول عربية لتلقي العلاج بعد حرب غزة، لتسجنهم مدة 51 يومًا سماها أحدهم ب"رحلة الموت"، حيث تم ربط العصب على أعينهم وتكبيلهم طوال فترة سجنهم وحتى أوقات طعامهم ونومهم وصلاتهم، وتم تعذيبهم بصعقات الكهرباء واللكم والضرب أثناء التحقيقات، ونومهم كان مع الحشرات على أفرشة نتنة، والويل لمن يجهر بصلاته.. هذا جزء يسير مما تعرّض له السجناء في "غوانتانامو العرب" على حد تعبير أحدهم، حيث تمّت مساءلتهم عن خلفية انتمائهم وعن تفاصيل تنظيماتهم وقادتهم، ويذكر أحدهم: "كانوا يطرحون من الأسئلة ما يشير بأنهم مرتبطون بالكامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية". وأخيرًا، يكفي إرسال رئيس دولة مصر حسني مبارك، رسالة يهنئ بها دولة إسرائيل بذكرى استقلالها، ولا يذكر نكبة الفلسطينيين ولو على استحياء، ويستقبل نتنياهو برفقة بن إليعزر (الحمائمي) الذي أعدم أسرى حرب مصريين، ولا يستقبل خالد مشعل على سبيل المثال، الذي لم يقتل أي مصري، بينما يجتمع الرئيس الروسي مدفيديف مع مشعل معتبرًا إياه "رئيس حركة تحرر وطني انتخبها الشعب الفلسطيني"، دليلاً على من يخدم سيادة الريّس، وفي أي صف يقف ومن يعادي ولمن ينبطح.