راجعوا معي الأسباب التي دفعت الشهداء للتضحية بأرواحهم، وهاتوا لي شهيداً فلسطينياً واحد قدم روحه من أجل سلطة فلسطينية على بعض تراب فلسطين، هاتوا لي اسم شهيد واحد قدم حياته ليعطي بعض الشخصيات النفوذ، والسؤدد، والتفرد بالقرار الفلسطيني، هاتوا اسم شهيد ضحى بعمره ليصب أيامه في كأس فلان، أو تسليماً بقانونية بطاقته التي يجتاز فيها الحواجز الإسرائيلية، ومكتوب عليها: شخص هام جداً. إن جميع الشهداء ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن فلسطين، ولو سألت روح أي شهيد: عن أي فلسطين دافعت، ولأجل أي تراب أعطيت؟ لجاء الجواب واضحاً: لا قسمة لأرض فلسطين، ولا دمع ذرفته عيون أمهات الشهداء لغير فلسطين التي اغتصبها اليهود سنة 48، ولو سألت الشهيد أبو جهاد، وصلاح خلف، ولو سألت: أبا عمار، وأحمد ياسين، والشقاقي: ما رأيك بالسلام مع قاتلك؟ ومن هو ولي دمك؟ وما وصيتك لمن يأتي بعدك؟ الجواب مكتوب على قبة الصخرة، ويقول: لا يحق لمن تخلي عن المقاومة الإدعاء بالولاية على دم أي شهيد، ومن اتبع طريق المفاوضات سبيلاً وحيداً يكون قد اغتصب عذاب الجرحى، ورش عمر ألاف الأسرى عطراً على نجمة داوود، وزينها بالاطمئنان، الذي تخلى عن المقاومة بإمكانه صرف رواتب لذوي الشهداء، والأسرى، ولكنه ليس ولي دمهم. لا ولاية لأشخاص على دم الشهداء، وإنما الولاية للمواقف، فكل فلسطيني بغض النظر عن تنظيمه لا يعترف بدولة إسرائيل، ويتمسك بتحرير كل الأرض الفلسطينية التي قضى من أجلها الشهداء، هو ولي دم الشهداء جميعهم، وصاحب الحق في النطق بعذاب الجرحى، وأنات الأسرى. أما الفلسطيني الذي ارتضى الحلول المؤقتة الجزئية، ويرتضي تقاسم الأرض مع اليهود، فلا ولاية له على دم الشهداء، وكل منظمة أو شخصية صاغت التخلي عن تراب الوطن، هي التي دقت في قلوب الناس أوتاد الفتن. وانتبهوا إلى ما يردده بعض الفلسطينيين بوعي كامل، حتى صار غاية المنى السياسي هو: "الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة" وفي هذا الشعار اعتراف فلسطيني علني: بأن لا علاقة بين الشعب الفلسطيني وبين أرضه التي اغتصبها اليهود أمام عينيه سنة 1948. وفيه اعتذار عن تشويش حياة اليهود في فلسطين كل السنوات الماضية، وفيه اعتذار عن كل قطرة دم يهودية تسبب في نزفها الشهداء. لم يذهب الشهداء إلى قبورهم من أجل استرداد بعض أراضي الضفة الغربية، ولم يدفن الأسرى عذابهم في القصيد من أجل بقاء سلطة تتغذى سم اليهود عن طريق الوريد.