الرؤيا الطبيعية للشعوب المقهورة والمحتلة أرضها هي مقاومة الاضطهاد والاحتلال، وهي رؤيا لكل الدول الأخرى والتي أحتل جزء من وطنها وكانت أيضا رؤية معظم الشعوب والدول القديمة الغابرة التي تعرضت بلادها للاعتداء والاحتلال فكانت الزنود والسيوف والبندقية والإرادة هي الوصفة المناسبة للخلاص من الاحتلال وتطهير العدوان في حالة غياب الحلول السلمية البديلة، وهذا أمر بالتأكيد يعرفه كل زعماء وحكماء إسرائيل وبالطبع تعرفه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ولكنهم يعلمون أيضا أن ميزان القوة يصب لمصلحتهم ولا مانع لديهم بالتلاعب بشعوب المنطقة العربية من خلال بعض ساستها ومن خلال المراوغة السياسية والدعم الأمريكي اللا محدود لهم وتعاطف القوى الغربية معها استنادا للقوة، وأيضا يعلمون أن هذا الوضع لا يمكن استمراره إلى ما لا نهاية، ولهذا يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يريد السلام ولا يريد الحرب وفي نفس الوقت لا يريد تجميد الاستيطان ويقول لا لتقسيم القدس مستقبلا ومع بقاء السيطرة الإسرائيلية على الأغوار والبحر الميت والحدود الشرقية لفلسطين, ويطرح حلا للخروج من المأزق دولة مؤقتة بغير حدود وبدء مفاوضات من غير شروط مسبقة ولا تواصل جغرافي بين أجزاء الوطن الفلسطيني وحتى هذا الطرح الإسرائيلي يبقى مجرد بالونات اختبار ولن يتحقق على أرض الواقع، لأن إستراتيجية حزب الليكود الذي يتزعمه نتن ياهو وتؤيده الأحزاب الدينية والأحزاب المتطرفة الأخرى تبنى على قاعدة أن أرض إسرائيل من النهر للبحر ويجب تطهيرها من غير اليهود وفقا لمعتقداتهم الأيديولوجية بغض النظر عن مصدرها سواء كانت توراتية أو تاريخية أو قناعة صدقوها مع مرور الزمن، ولا أحد يستطيع إقناع العرب والفلسطينيين بهذا السلام الوهمي وماهية هذا السلام الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة وحتى بعض حلفاء إسرائيل بأنفسهم غير مقتنعين به ولا يستسيغون هذا الطرح المراوغ والمخادع ويكشف النية السيئة للحكومة الإسرائيلية والحقيقية تجاه السلام فهم لا يريدون سلاما بل يريدون تكريسا للأمر الواقع بموافقة عربية وفلسطينية تعبر عن تسليمهم بالأمر الواقع والإسرائيليون يراهنون على قوتهم وكذبهم وخداعهم والمماطلة لضياع الوقت وهذا أمر لا يمكن التجاوب معه عربيا ولا توافق عليه الشعوب العربية، ورغم الحروب التي خاضها العرب والفلسطينيين ضد إسرائيل بسبب عدوانها واحتلالها الأراضي العربية ورغم جولات السلام المتعددة إلا أنها لم تسفر عن جلاء الاحتلال عن الأراضي العربية ولكن هناك جولات متتالية تتكفل بها الأجيال العربية الحالية واللاحقة حتى يعود المعتدي عن عدوانه ويعود الحق لأصحابه، والتصريحات الإسرائيلية والأمريكية حول إرسال الصواريخ السورية إلى حزب الله اللبناني والتهويل من أمرها لخلق مبرر أمام العالم لحرب دفاعية وفقا لرؤيتهم وما يرافقها أيضا من أفعال إسرائيلية على الأرض في الضفة الفلسطينية والحدود مع لبنان وسوريا وقطاع غزة توحي بأن إسرائيل تستعد للحرب رغم تباكيها على السلام لأن الحرب تعطيها مخرج من موقف التصلب السياسي أو المأزق الناجم لها ولحلفائها من تعاطيها السلبي مع شروط السلام الواجب توافرها بالمباحثات ، وتعطيها أيضا وقتا وفرصة لالتقاط أنفاسها وإكمال مخططاتها على الأرض الفلسطينية هذا في حال إذا خرجت من الحرب منتصرة أو لا غالب ولا مغلوب، وهذا الأمر يجب أن يدفع العرب للتفكير جيدا في السياسة الأمريكية المطبقة على المنطقة العربية والتي تصب في مجملها مع مصلحة إسرائيل والحرص على استمرار تفوقها على العالم العربي في التكنولوجيا العسكرية وميزان القوة، وإسرائيل أيضا حريصة جدا لكي يبقى التفوق الإستراتيجي لها والمنبثق من عدم قدرة العرب لبلوغ التوازن الإستراتيجي في القوة معها لتبقى تملي على المنطقة العربية شروطها وأطماعها وغطرستها وتبقى تنظر بعين واحدة ومسلطة على مصلحتها فقط مع ضمان أمنها من أمريكا وفرنسا ودول غربية أخرى، ولقد آن الأوان لكي يعترض العرب على إسرائيل المدعومة بأمريكا والغرب لمنع شن حرب على سوريا أو على حزب الله اللبناني أو على قطاع غزة أو على أي هدف عربي آخر أو هدف إسلامي يعرض أمن المنطقة العربية لخطر محدق ، وما قالته مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون للعرب حول ضرورة التنبه والحذر لأن معطيات الاستخبارات الأمريكية ووفقا لاستعدادات إيران وإسرائيل للحرب تقول أن الحرب ستقع قريبا وعليكم التفكير بالوقوف بجانب أميركا, ولا نعرف حقيقة مغزى هذا الوقوف هل هو لمنع الحرب أم أنه دعم لأميركا لشل مسيرة التطور الصناعية العسكرية الإيرانية وتحييدها ومن ثم بقاء الهيمنة الأمريكية والتهديد الإسرائيلي على البلاد والعباد في الشرق الأوسط العربي، السيدة كلينتون تقمصت دور النعامة التي أخفضت رأسها ظنا منها أن الصياد لا يراها، فالعالم كله شاهد البوارج الأمريكية والسفن الحربية الإسرائيلية التي عبرت مياه الخليج العربي منذ فترة زمنية وأيضا المناورات العسكرية المتعددة التي أجرتها إسرائيل في مناطق مختلفة ومشتركة أحيانا مع قوى حليفة أخرى، ولذلك لا حاجة لمعطيات المخابرات الأمريكية أو تقارير الخبراء فالشواهد قائمة على الاستنفار الإسرائيلي المتزايد يوما بعد آخر وبدعم أمريكي للحرب، وما يعيق الهجوم الإسرائيلي الحرب النفسية التي تشنها إيران بين فترة وأخرى من خلال مناوراتها وإبراز قدراتها مما يدفع إسرائيل وحلفائها لإعادة التفكير والتكتيك وإعداد الخطط من جديد وأيضا لاستدراج إيران لإظهار ما لديها من تقنية ومعدات عسكرية وأيضا دراسة أي الأهداف أسهل إيران أم سوريا أو حزب الله أو قطاع غزة لتفرغ شحنة غضب الهوس وغطرسة القوة التي لديها، وهذه فرصة إستراتيجية للعرب لإعادة التفكير وتصويب مسار السياسة العربية لتصب في المصلحة العربية التامة من خلال عدم موافقة الأمريكان على ما يطرحونه فليكن لديهم فيتو ينطلق من المصلحة العربية فالعرب لديهم متسع وفرصة للمناورة من خلال التجاذب مع إيران والحوار مع أمريكا بلغة المصالح، والعرب يجب أن يطرحوا على مائدة الحوار خيار الحرب في حالة فشل السلام والمفروض هو وضع خيار الحرب مع المبادرة العربية للسلام فإذا فشل خيار المبادرة العربية للسلام في تحرير المغتصب من الأراضي العربية وهي فشلت، فخيار الحرب يجب أن يكون قائما مثلما هو قائم عند الإسرائيليين منذ حرب 1948 فأياديهم على الزناد باستمرار، والمقصود حاليا بالخيار العربي للحرب هو السعي للتكنولوجيا العسكرية وتقوية البنية الاقتصادية العربية والسعي بإصرار لتحقيق التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل فبلوغ هذا التوازن يغني العرب عن الحرب لأن الردع والتخويف يتحقق في هذه الحالة ويؤتي حوار السلام أكله، وخاصة في غياب وانعدام أمل تحقيق السلام العادل والانصياع للشرعية الدولية من خلال مباحثات سلام بين أطراف النزاع بسبب الخلل في ميزان القوة لصالح الطرف المعتدي إسرائيل المحتلة للأراضي العربية والممتنعة عن دفع استحقاقات السلام، ولذلك لا مفر أمام العرب من البدء بإعداد العدة من الآن ولتكن التجربة الإيرانية مثلا لأنه بالعمل الحقيقي والإرادة المخلصة والتصميم ترقى الشعوب. 24/4/2010