كلنا نعرف المسحراتي.. ونحبه.. حتى الأطفال كانوا يحبون شهر رمضان، وينتظرونه بفارغ الصبر من أجل المسحراتي وصوته الموقظ للنيام.. وطبله البسيط جميل الإيقاعات الرتيبة المصاحبة لذلك الصوت المألوف كل عام، وفي كل ليلة من ليالي رمضان الكريم.. وكلنا يسمع تلك الدعوات الحسنة المحبوبة وننصت إلى مفرداتها الطيبة.. ويرددها الأطفال مدة طويلة.. ونستخدمها في المناسبات التي تنطبق عليها فنقول(اصحي يا نايم) كلما أردنا حث أحد على النهوض واليقظة. كافأ الله المسحراتي خيرا وجزاه أجرا لجهده المتواضع ونداء اته المتكررة في آخر الليالي المظلمة لإيقاظنا كي نتناول سحورنا، ونستعد لصيام يوم قد يكون طويلا. إن المسحراتي شخصية فريدة نادرة ليس مثله كثيرا، بل إن المسحراتي إنسان منقطع النظير إلى أبعد حد، وله قدرات لا تتوفر في غالبية الناس.. ومسؤولية المسحراتي مسؤولية أدبية تتعلق بالضمير والسريرة والإلزام الذاتي.. وهو حريص على إيقاظ كل نائم، ويتجشم المتاعب ويقطع المسافات مشيا على قدميه، ويتخلل كل الأزقة والخلوات ليوقظ أصحابها.. وكم من عثرة تصادفه.. وكم من كبوة كباها نتيجة ذلك.. ولم ينقلب على عقبيه.. ولم يتعكر مزاجه.. بل يمشى في سبيله مسبحا باسمه تعالى مواصلا مسيره حتى يسمع صوته الجميع .العظيم أن المسحراتي لا يوقظه أحد.. فهو الذي يوقظ النيام، فهو ليس مثل عامة الناس الذين يحتاجون إلى طبل ودعاء ودعوات وتكرار حتى يصحوا.. نحن كلنا نستغرب في شخص المسحراتي.. حقا من أيقظه حتى يوقظنا.. ألا ينام المسحراتي..؟ طبعا ينام..! المسحراتي بشر مثلنا يتعب، وينام، ويمرض أيضا، أو على الأقل يحتاج إلى النوم والراحة.. والعجيب أن يقظة المسحراتي تكون في وقت النوم، ويقوم بمهمته المقدسة تلك في أوقات الاستغراق في النوم.. وفي وقت الارتخاء والركون للراحة، ويمشى في الظلام أى في السحر في ذيول الليل البهيم يتعثر ويستمر.. ويكبو وينهض. وربما لهذا السبب يكره بعضنا المسحراتي كما يكره مؤذن الفجر.. إلا أن الأذان يتكرر عدة مرات في اليوم فتعودنا عليه.. وليس بنادر فهو يؤذن طيلة اليوم من الصبح إلى العشاء.. المؤذن أصبح يعلن الأذان من مكانه.. بل أصبح المؤذن يؤذن وهو متمدد على الفراش بواسطة مكبر صوت، فهو لا يزعج الذين يكرهونه لأنه لا يتحرك ولا يمر أمام أبوابهم، ولا يتوقف أمامها منبها كما يفعل المسحراتي.. ثم إن الأذان يتكون من عبارات محفوظة ومحددة لا إبداع ولا جديد فيها. بينما المسحراتي يتحرك ويبدع.. يدق الطبل ويدعو.. ويسبح ويسبح.. له أن يقول كل ما من شأنه إيقاظ النيام.. وله أن يكرر النداء والدعاء، ولكن باسلوب طيب يحبه حتى الأطفال، ويحاولون حفظ تلك الدعوات لحلاوتها.. ويرددونها حتى ولو لم يفهموا معناها بعد. صوت المسحراتي ساحر كالسحر وكالسحر فهو لا يستعين بمكبرات الصوت المزعجة المنفرة الصاخبة الصامة كتلك التى يستخدمها المؤذنون في مالطا.على أي حال فالمسحراتي نحبه أو نكرهه.. وحتى الذين يكرهونه لأنه يحرمهم من نوم الهزيع الأخير من الليل.. ويحثهم على الاستعداد ليوم الغد.. يوم الصوم يذكرونه بالخير بعد فوات الأوان. هذا عن المسحراتي في السحر.. ولكن ماذا عن المسحراتي ظهرا!!؟.