يعتبر إقليم دكالة من ضمن الاقاليم المغربية الاكثر عطاء وغنى وتميزا، ليس بأراضيه الفلاحية ومعامله الصناعية ومرافقه السياحية وسواحله البحرية فحسب، بل كذلك برجاله وأبناء تربته الذين أعطوا الكثير لهذا الوطن، وبصموا تاريخه في كثير من الميادين والمجالات، نذكر من بينهم الشيخ العلامة أبا شعيب الدكالي، والمفكّر والمؤرخ عبدالله العروي، والكاتب وعالم الاجتماع عبد الكبير الخطيبي، والرّوائيّ الكبير إدريس الشرايبي، والفنان المسرحي محمد عفيفي وآخرين... وإذا كانت مدينة الجديدة عاصمة دكالة، تتميز بكون شوارعها ومؤسساتها التعليمية، وملاعبها الرياضية ومسرحها ومسابقاتها الرياضية والعلمية، تحمل إسما من أسماء هؤلاء الرموز، فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اعتزاز وافتخار أهل دكالة بمنطقتهم وبأبنائها.
في نفس السياق، تم اطلاق اسم جامعة شعيب الدكالي على مؤسسات التعليم العالي، التي فتحت أبوابها في مدينة الجديدة سنة 1985. ومما لاشك فيه أن هذه الجامعة استطاعت في وقت وجيز، أن تحقق ما لم تحققه جامعات أخرى أنشئت في نفس المرحلة، وأن تتبوأ المراتب الأولى في ميدان البحث العلمي، وأصبحت تعتبر من بين الجامعات المغربية الأكثر عطاء وتميزا وتنافسا وطنيا ودوليا، رغم حداثة نشأتها وإمكانياتها الضعيفة، وسوء حظها في حكامة جيدة.
الأمثلة متعددة ومتنوعة، ولا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها. يكفي أن أشير هنا إلى أن جامعة شعيب الدكالي، التي احتلت المرتبة الأولى في البحث العلمي على الصعيد الوطني (الأيام الوطنية لتقييم البحث العلمي والتقني، 26 و27 مايو 2003، الرباط)،كان لها شرف السبق في احتضان العديد من الملتقيات العلميّة الرفيعة المستوى على الصعيد الوطني، والمغاربي، والعربي، والإفريقي والدّوليّ بشكل عامّ. أما الاتفاقيات الدولية في ميدان البحث العلمي مع مختلف الجامعات في العالم، ومشاريع البحث العلمي، فحدث ولا حرج، دون أن ننسى الحضور المشرف والمتميز للطلبة الباحثين في مختلف الملتقيات والمؤتمرات والمسابقات العلمية الدولية، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، احراز طالب باحث بكلية العلوم على الجائزة الأولى في مسابقة Speed-Thèse ، من ضمن 44 متبار، ينتمون إلى 19 جنسية (يونيو 2009، فرنسا)
يمكنني أن أقول وبكل افتخار، بصفتي أنتمي إلى جامعة شعيب الدكالي، أن هذه الأخيرة استطاعت أن تشرف أهل دكالة، وأن ترفع رأسهم عاليا وطنيا وقاريا، وأن تكون في مستوى وحجم الرسالة المنوطة بها في ميدان البحث العلمي.
ويمكنني كذلك أن أقول إن جامعة شعيب الدكالي، التي فتحت أبوابها بمؤسستين جامعيتين فقط (كلية العلوم وكلية الآداب سنة 1985)، أبت إلا أن تلبي احتياجات ومتطلبات ساكنة الإقليم، وذلك بخلق أربع مؤسسات جامعية جديدة في وقت قياسي وفي ظروف جد صعبة : الكلية متعددة التخصصات سنة 2004، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير سنة 2006، والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية سنة 2008، والمدرسة العليا للتكنولوجيا سنة 2009.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن خلق هذه المؤسسات الجامعية الجديدة جاء لأسباب واعتبارات متعددة، من بينها حق تلاميذ وتلميذات دكالة في أن يتابعوا دراستهم العليا في إقليمهم، قريبا من بيوتهم وأسرهم وأهلهم لأسباب مادية وثقافية واجتماعية.
إلا أن ما يجب الانتباه إليه، هو أن هذه المؤسسات الجامعية الجديدة، لازالت بدون مقرات وبإمكانيات مادية وبشرية جد ضعيفة، منها من لم تفتح أبوابها بعد، كالمدرسة العليا للتكنولوجيا، رغم مرور قرابة أربع سنوات على مصادقة مجلس الجامعة على خلقها في مدينة سيدي بنور.
والواقع، أن هذا الوضع غير السليم، والذي لا يشرف البتة إقليم وأهل دكالة، ينعكس سلبا على ظروف العمل وجودة التعليم والتحصيل والبحث العلمي، وقد أصبح يشكّل عائقا معنويا وأخلاقيا أمام مشروع خلق كلية الطب في مدينة الجديدة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموسم الجامعي 2012-2013، الذي انطلق في ظروف جد صعبة، بسبب العدد الهائل للطلبة الجدد وضعف الطاقة الاستيعابية لكليتي العلوم وكلية الآداب، وغياب بنايات ومقرات المؤسسات الجامعية الجديدة، الشيئ الذي يؤشّر بوضوح على أنّ الدخول الجامعي المقبل، والذي تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد الطلبة سيرتفع خلاله بنسبة 20% ، سيكون كارثيا بكل المقاييس، مع العلم أنّ المكوّن الطّلابي سيكون الضحية الأولى لهذه الأوضاع السيّئة.
يمكن القول بصراحة كاملة أنّ الكرة توجد الآن في ملعب الدكاليين، من مسؤولين مركزيين – وما أكثرهم – وممثلي الأمة في البرلمان بغرفتيه، ومنتخبين محليين وجهويين، وأعيان وذوي الجاه والمال، ليعبروا، أولا عن مدى حبهم وغيرتهم على منطقتهم ومستقبل أبنائهم، وثانيا على مدى احترامهم وتقديرهم واعترافهم بكل المجهودات والخدمات المقدّمة من طرف الأستاذات والأساتذة الباحثين بجامعة شعيب الدكالي، ولكي يبرهنوا ثالثا على أنهم ليسوا أقل شأنا وغيرة من أهل فاس أو أهل سوس أو أهل مناطق أخرى، من الذين ساهموا في دعم وتوسيع جامعاتهم، ببناء مقرات مؤسسات جامعية جديدة، منها ما يمكن اعتباره معلمة في المعمار والتصميم، ومفخرة لهم ولمنطقتهم، كالكلية متعددة التخصصات في تارودانت، والكلية متعددة التخصصات في خريبكة على سبيل المثال لا الحصر.
من أجل كلّ ذلك، ومن أجل رفع التحديات المستقبلية التي تفرضها الجهوية المتقدمة، لابد من التأكيد على أن كل الفاعلين السياسيين و المدنيين الدكاليين، مطالبون اليوم قبل الغد بتظافر الجهود، من أجل بلورة الإختيار الجهوي ومواكبة التحولات التي يعرفها العالم، و ذلك بإعادة النظر في دور ومكانة جامعة شعيب الدكالي، باعتبارها قاطرة أساسيّة للتنمية في الجهة ، وذلك من خلال بعض المقترحات:
1- تخصيص دعم مالي سنوي لا يقل عن مائة مليون درهم من أجل دعم البحث العلمي، 2- المساهمة في اتمام بناء وتجهيز مقر الكلية متعددة التخصصات، ومقر المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، 3- بناء مقر للمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، لكي تتمكّن مدينة الجديدة من استعادة مركّبها الثقافي كمجال لا غنى عنه لحياتها الثقافيّة وإشعاعها، 4- توفير كل المساعدات والإمكانيات المادية والمعنوية من أجل بناء كلية الطب، في أفق خلق مستشفى جامعي يليق بمكانة وتاريخ إقليم دكالة وأبنائها.