علبة الوان رجا حميد أمه أن يجتازا معا سور المدينة القديمة . السور يفصل بين عالمين مختلفين كل الاختلاف :داخل السور أزقة ضيقة ومتسخة وبيوت متهرئة تفوح منها رائحة الأزبال والفضلات الصاعدة من المواسير المخنوقة , وأطفال متسخون , بعضهم حفاة يتصارعون قرب حنفية الماء الوحيدة في الدرب .
خارج السور , الشوارع طويلة وعريضة وتمتد على جوانبها شجيرات وأزهار كثيرة . الواجهات الزجاجية تسمح برؤية أشياء وأشياء جميلة معروضة .
من حين لحين ينفلت حميد من يد أمه ويلصق وجهه بزجاج أحد المحلات التي تعرض هذه الأشياء الجميلة ,خاطبته أمه قائلة :
_لن نقضي النهار هنا , أشغال كثيرة تنتظرني .
لم ينتبه الصغير لما تقوله أمه , إنه مستغرق في رؤية أشياء . اقتربت منه أمه لتمسك بيده , وقع نظرها على أشياء جميلة معروضة . فهمت سبب طول وقوف وحيدها أمام هذا المحل بالضبط : المحل متخصص في بيع لعب الأطفال .
تذكرت الأم ما سمعته من الراديو عن أهمية اللعب في إدخال السرور إلى قلوب الصغار وتوسيع عقولهم .التفت حميد إلى أمه , فهمت من نظرته رجاء طفوليا أن تشتري له لعبة واحدة من بين اللعب الكثيرة المعروضة .
ترددت الأم قبل أن تمد أول خطوة إلى داخل المحل . صاحب المحل منشغل بتلفيف مجموعة من اللعب اشترتها سيدة لولدها . لم يعبأ بها البائع , جلبابها الرديء جعله يظن أنها مجرد متسولة . تشجعت وقالت :
_أريد لعبة لطفلي ..
أحضر البائع مجموعة وأخذ يخرجها من علبها ويضعها بين يدي حميد .
حميد لايصدق عينيه , لاشك أنه حلم من أحلامه الكثيرة التي تنتهي دائما بالخيبة والحسرة .
أدرك البائع بخبرته أن هذه الأرقام لاتعني شيئا لهذه السيدة البسيطة , فبدأ عملية تحويل :
_ الفيل ثمنه 6000 ريال و..
امتقع وجه الأم عند سماعها الأثمان ,ارتبك البائع .
_سامحنا , سيدي , هذه الأشياء فوق طاقتنا . تحولت بشاشة التاجر غضبا واضحا , لكنه استعاد تماسكه :
_كم عندك ؟
_ليس معي سوى 300 ريال .
أ شار البائع باستخفاف إلى احد الأروقة :
__في ذالك الرواق يمكن أن تجدي أشياء ثمنها 300 ريالا .
لم تجد في الرواق سوى أشياء تافهة , لكن لابد من شراء شيء , أي شيء لصغيرها ,مسالة كرامة .
_هل أعجبك شيء من هذه الأشياء ,يا ولدي ؟
امتد أصبع حميد لعلبة ألوان .أفرغت الأم كل ما في حافظة نقودها .أمسك حميد علبة ألوان ملفوفة في ورق لامع .
حميد في البيت ,داخل السور , ذهنه لايزال مسكونا بعالم ما وراء السور : الأشجار , الأزهار , الواجهات الزجاجية , اللعب التي غمره بها البائع لحظة ثم أعادها إلى الرفوف وأشياء وأشياء لاتزال تفاصيلها الدقيقة منقوشة في ذهنه .
أخذ حميد ورقة بيضاء وأخرج علبة الألوان وبدأ يرسم .