فجأة ونحن في عز تطبيق الإجراءات الوقائية لمقاومة وباء كورونا ، وبعد الأمر بإجبارية استعمال الكمامة بالنسبة للمرخص لهم استثناء بالخروج للضرورة أو العمل، أصبحت الكمامات تتصدر قائمة المشتريات الأساسية للناس ، بعد استنفاذهم في سابق الأيام لبداية تفشي الوباء، كل طاقاتهم في ملإ ثلاجاتهم وخزائنهم المطبخية، بكل أنواع المواد الغذائية، تحسبا لجوع مفترض قد يداهم بطونهم بغير رحمة، اذا ما استنفذت الأسواق والمتاجر كل سلعها من مواد غذائية، بفعل تدفق اقتنائها بوثيرة مرتفعة من طرف المستهلكين المرعوبين من غذ يتوهمونه مجهول المصير.. كان قبل انتشار هذا الوباء، لا أحد يتكلم أو يهتم اطلاقا باستعمال الكمامات: أنواعها، وجودتها، ومصادر تصنيعها، غير الأطقم الطبية، وأطر المختبرات، وكل من تدعوه الضرورة المهنية باستعمالها حفاظا على الصحة وبيئتها. اليوم تفتحت سريعا شهية أعين الجميع، وبمائة وثمانين درجة، على دور الكمامة في الوقاية من الفيروسات بشتى أنواعها. فيروسات فتاكة في حالة تجاهل واستصغار آذاها، مما يؤجج لهيب التسابق لدى الناس لاقتنائها بكميات كبيرة تكفي بضمان إحساسهم بأمان مُكمم بالكمامة. ومرد اثارة موضوع الكمامات في هذه السطور، يعود بالأساس الى ما تم تسجيله من مظاهر سلبية بعيدة عن روح التضامن والتآزر، متمثلة في نهم وأنانية البعض في اقتنائها بأعداد كبيرة دون الإحساس بخجل حرمان الآخرين من فرصة التوفر عليها لقضاء حاجياته الضرورية .. اذ عمد بعضهم الى الإستحواذ على كل الوحدات المتوفرة، وكأنها مواد غذائية صالحة للأكل، تاركين الآخرين في حيرة من أمرهم، ما بين سندان التعرض للمتابعة القانونية لعدم استعمالها، والحذر من التنقل بغيرها لعدم توفرها في السوق. من كان يعتقد سابقا قبل الحجر الصحي، بجدوى الاهتمام بموضوع الكمامة؟ اليوم نراها تحتل مساحة واسعة من اهتمام الناس المسموحين لهم استثناء بالتنقل، أو حتى أولئك الذين يغتنمون فرصة التسلل بها عنادا وجهلا للتسكع دون فائدة، معرضين أنفسهم وغيرهم، لفرصة أكبر، للإصابة بالعدوى. الكل وبدون استثناء، أصبح يدرك الدور الأساسي للكمامة، إلى جانب الإجراءات الوقائية المتخذة، في حمايته من تعريض صحته لمرض فيروس كورونا المستجد، والذي له قدرة خارقة للتسلل خفية، وفي أي لحظة استهتار أو غفلة أوعدم احتياط الى رئتيه، والتعجيل بوضع حدٍّ لما تبقى له من أيام عمره المحتملة في الحياة، وتوقيف بوصلة أحلامه فقط في الحصول على سرير إنعاش مُنعش جدا، قادر على تخليص الرئتين من زفير قاهر يقود الى أسوإ سيناريوهات الحياة. الكمامة اليوم، أصبحت العلامة الجد البارزة بشكل كبير على الوجوه. اختفت وجوهنا المألوفة والمعتادة وبأقنعتها المستوردة للبعض في استقبال الأيام. لم يعد بإمكانك الضجر ولا الخجل مما يغزو وجهك من شعر لحية أو شارب غير مشذبين بحرص شديد من طرف حلاق الحي الخفيف الظل، أو غياب لمسات مواد الزينة والتجميل والتي كانت بالأمس القريب، تأشيرة ضرورية لا ستعراض الوجوه عند الخروج بثقة زائدة عن اللزوم. لم يعد أيضا يُجدي تشكيل وجوهنا ببصمة ألوان بسمات عابرة لأسناننا الحقيقية أو الاصطناعية، والتي ربما علاها الصدأ مؤقتا بسبب شراهة التدخين، أو الانشغال بطحن ما تم اقتناؤه من مواد غذائية مصنعة، أدركت أجل انتهاء صلاحيتها. الكمامة؛ وبعيدا عن البحث في تعاريفها واصطلاحاتها في معاجم اللغة، في وقتنا الراهن، تشكل لوحدها، قاموسا متفردا في تفريخ دلالات راكدة وكامنة لجس طبيعة بعض الناس الغريبة. فبرغم قساوة انتشار فيروس خطير، استنهض جهود جميع دول العالم لمحاربته بكل الوسائل الوقائية المتاحة للحد من انتشاره والقضاء عليه، انقادا للبشرية التي أصبحت تواجه مخاطر ابادتها؛ نجد اليوم، وفي إطار تتبع مسار ظاهرة فيروسية مبتدعة، أن فعل استعمال الكمامة لدى بعض الناس، لم يُجدِ اطلاقا من وقاية المجتمع من أذى عدواهم المرضي المُستشري، بفعل غياب وعي وحس وطني لديهم، للمساهمة بِجد في تحصينه من وباء آخر مصطنع بالجهل، وعدم الإحساس بثقل المسؤولية الملقاة على كل فرد. ففي مشهد يومي متزايد، وفي خضم الحجر الصحي، تناسل كالفطر، وبغير شواهد علمية، وتجارب ميدانية في المختبرات، العديد من أشباه المختصين والأطباء والصيادلة، الى جانب تسابق وتهافت المعالجين بالبركة والأعشاب الى عرض وصفات ومحاليل مبتكرة، يعتقدون بوهم أنها قادرة على تحقيق الشفاء التام للمرضى، وكذا ظهور جوقة من المحللين، ومجموعة من عديمي المسؤولية في ترويج ادعاءات وأخبار مزيفة، ونشر الهلع بين الناس مستغلين وسائط التواصل الاجتماعي. والكمامة بقدر ما تساهم حاليا في منع تنقل الفيروس بين الناس وانتشاره، بقدر ما فضحت من تكممت ألسنتهم وأياديهم وجيوبهم طواعية، وانكمشت في رمل التلاشي والانزواء والتخفي، بعدما ملأوا الدنيا سابقا زعيقا، وضجيجا بحضورهم الفارغ من كل معنى يُفيد المجتمع اليوم. فمن يمسك في هذه الأوقات الصعبة، جمرة مواجهة ومقاومة فيروس كورونا، سوى جنود خفاء لقطاعات معينة تتقدم واجهة التحدي للإنتصارعليه. ومن حسنات ما نعيشه اليوم، من حجر صحي، بسبب انتشار الفيروس عالميا، أننا أدركنا وبوعي عميق، أنه لا مفر من تغيير نظرتنا الى إعادة بناء هياكل المجتمع، وفق أسس متينة تنبني على تقييم الموارد والطاقات المحلية وإعادة النظر في ترتيب، وبكثير من رد الاعتبار، لمجموعة من القطاعات التي برهنت اليوم وبجدارة، قدرتها على ضمان السلامة الصحية والأمنية والتعليمية للبلاد، بالإضافة الى قطاعات تساهم في صمت على دعم مسار التحدي من أجل الحفاظ على صحة وسلامة الوطن. فالإجراءات الوقائية المتخذة على أعلى مستوى، والتفاف الجميع على انجاحها بكل الوسائل، أثبتت قوة وصلابة معدن المغاربة في مواجهة كل التحديات التي تتهددهم. حسن حصاري