عندما يغيب الحوار بين أحضان المؤسسات، و تصبح الديمقراطية مفبركة على المقاس، كما أشار إلى ذلك عالم الاجتماع حسن قرنفل في كتابه الأخير "ديمقراطية على المقاس"، سوف يتنفس الحوار عبر المنابر المتاحة من صحافة أو شوارع أو مواقع اجتماعية، بل قد يتحول إلى فوضى تصادم عنيف، وهكذا قد ينزلق بنا إلى المجهول، فهل لازال الأستاذ قرنفل، عميد كلية الآداب، يتهجى هذه المقاربة التشاركية، ويجهل أبعاد إهمالها والتهاون في تطبيقها، و هو الذي "ينظّر" للعمل السياسي بالمغرب. كيف يتملص عميد مسؤول من تقاليد الحوار ومبادئ الديمقراطية التشاركية؟ كيف لا يحترم العميد رئيس شعبة استقال من منصبه بعدما اشتغل معه جنبا إلى جنب لمدة أكثر من سنة أصلح فيها هذا الأخير العديد من الأعطاب ؟ قرر العميد التزام الصمت و التملص من إحالة الاستقالة المسبّبة على الشعبة المعنية بالأمر قصد تدارس ما جاء فيها، كما تنص على ذلك التقاليد والأعراف الجامعية بغض النظر عن المساطر التي يحتمي بها هذا العميد للهروب من المساءلة الرسمية؟ هل هو الخوف من طرح مشاكل الإدارة و ميزانية المؤسسة في اجتماعات رسمية للشعب؟ مهما تكن طبيعة الأسباب التي أدت بالعميد إلى عدم إيلاء الاستقالة أهمية النقاش، يبقى هذا السلوك دون مستوى ما تنص عليه الأعراف والتقاليد الجامعية، كما يبين أن العميد ليس حقيقة في مستوى النضج المطلوب في تدبير الاختلاف و احترام الشُّعب و من يرأسها. لماذا المراوغة و التكتم في تدبير مرحلة ما بعد الاستقالة؟ لماذا تملص العميد من المناقشة و التوافق بينه و بين الشعبة على تدبير حكيم لمرحلة ما بعد الاستقالة؟ ولماذا يُنتخب أستاذ بديل بطريقة علنية سرية لا تتعدى خمسة أصوات بما فيها صوته، حيث انتخب على نفسه، و انتهت مدة الانتخابات على الساعة 12 زوالا في خرق سافر للمسطرة المعتمدة في الانتخابات التي تنتهي عادة في المساء، و هكذا وضع الأستاذ البديل نفسه في مأزق "المتسلل" إلى المسؤولية، هذا بالرغم من أن الأستاذ المعني بالأمر يتوفر على فرصة عريضة بأن يدخل رئاسة الشعبة من بابها الواسع، و ما لا يعلمه هذا الصديق هو أن رئيس الشعبة المستقيل هو أول من اقترحه لهذه المسؤولية على مجموعة من الزملاء بعد استقالته، كما اقترح اسمه على نائب العميد الذي ينتمي لنفس الشعبة يوم هاتفه طالبا منه أن يخبر نائبه بالحضور إلى اجتماع مجلس التنسيق نيابة عنه، إذن، لماذا التواطؤ والتكتم والمراوغة و اعتماد الأساليب الملتوية و الحيل في تدبير مرحلة ما بعد الاستقالة؟ لو انعقد جمع عام للشعبة، و تدارست المشاكل التي تطرحها الاستقالة، كان جميع الأعضاء سيصبحون على بينة من أمرهم بأن الأستاذ البديل الذي انتخبه أربعة أساتذة الآن، وتسلل إلى منصب المسؤولية، هو الذي سيدير مرحلة ما بعد الاستقالة، كما أن الإجراء سيحافظ على تماسك الشعبة، و استمرارها على النهج التشاركي الذي سنّه الرئيس المستقيل، هذا الإجراء كان سيغني الأصوات المعارضة لهذه السياسة عن طرح المشاكل الداخلية للمؤسسة في منابر صحافية، مادامت الاجتماعات الرسمية ستوفر لها المنبر البديل لمناقشة المشاكل. لو تمت الأمور بعيدا عن الكولسة، كانت الإدارة ستدير المرحلة بطريقة ديمقراطية واضحة! ماذا حصل بعد الاستقالة؟ أولا، طالب رئيس الشعبة المستقيل بجمع عام لشرح موقفه، و هو لازال رسميا رئيس الشعبة مادام لا يتوفر على جواب رسمي من العميد، و مادام هذا الأخير لم يعلن عن انتخابات بعد، فعمدت الإدارة إلى الدفع بأستاذ إلى محاولة نسف الاجتماع بدعوى أنه غير قانوني، و هذا بالرغم من أن الرئيس المستقيل، ظل يمارس المهام بشكل عادي، و يوقع الوثائق الإدارية، حتى قدوم الرئيس الجديد، و لإنجاح خطة الإدارة، تغيّب عن الاجتماع بعض الأساتذة المحسوبين عليها، كما هاتف أحد نواب العميد الرئيس المستقيل ينذره بأن هذا الاجتماع غير قانوني، لماذا هذا اللغط في هذه المرحلة؟ هل هو الخوف من افتضاح الخروقات والمشاكل في محاضر رسمية؟ ثانيا، تم الاتفاق مع الأستاذ البديل في السر، إذ لم يخبر صديقه، و ليس فقط زميله المستقيل، بأنه سيترشح للانتخابات، ولم يخبر باقي أعضاء الشعبة إلا المقربين، فعمد إلى تكتيك وضع اسمه حتى اللحظات الأخيرة قبيل انتهاء مدة الترشح، و هو لا يعلم أن الإدارة المغربية لا ترى بعين واحدة، حيث تناهى إلى علم رئيس الشعبة المستقيل خبر الطبخة يوما قبل انتهاء المدة، لكنه فضل أن لا يهاتف صديقه حتى يتمم مهمته، و بعدها بيومين، قام رئيس الشعبة المستقيل بمهاتفة صديقه، وكأنه لا يعلم شيئا، فأجابه الصديق الوفي، بأنه تقدم للمسؤولية أمام إلحاح الزملاء، و السؤال منهم يا ترى هؤلاء الزملاء، و الأغلبية في الشعبة لا علم لها بنية الأخ في رئاسة الشعبة؟ كيف يحدث هذا والصديق الزميل كان حاضرا يوم الاجتماع المذكور أعلاه، و لم يكتمل النصاب القانوني، حيث حضر 12 عضو من الشعبة، و كان هو من ضمنهم، فشددوا على بقاء الرئيس المستقيل في المهمة، بالرغم من أي التزام من طرف هذا الأخير بسحب استقالته؟ هنّأ الرئيس المستقيل صديقه، لكن قبل أن يودّعه سمعه يقول "ايوا سي محمد ها حنا فكيناك!" و من هذا المنبر الصحافي نجيبه بأن هرولته لملء الفراغ قدّمته قربانا مجانيا حرّر العميد من ورطة مناقشة موضوع الاستقالة قبل الانتقال إلى موضوع تعيين بديل، و بهذا التصرف كذلك، صد عن الإدارة أوجاع الاجتماعات و محنة مناقشة موضوع الاستقالة بشكل رسمي، ثم انطلقت الآلة الإدارية في الترويج لأخبار مفادها أن الأمر يبدو عاديا، و بأن الرئيس المستقيل سئم المشاوير الإدارية، و لم يستطع أن يكمل المدة المتبقية، فاستقال. هكذا استطاع عالم الاجتماع أن يدير المرحلة بذكاء، و طوي ملف المشاكل و الخروقات التي تطرحها الاستقالة، وكأنها أضغاث أحلام لا أثر لها! إذا كان سلوك الأساتذة الجامعيين هو نسف العمل الديمقراطي و اللجوء إلى التحالفات الانتهازية، فرحمة الله على بناء الكتلة التاريخية و القيام بالهيمنة المضادة ضد نظام الريع و اقتصاد الريع وثقافة الريع؟ انتهى الكلام في هذا الموضوع يا معشر المثقفين!