رحمة الله على فن "الحَلْقَة" في مدينة الجديدة، فلقد شيع أبناء "مازغان" من جيل الإستقلال و شباب المسيرة الخضراء، جثة "الحَلْقَة" بمقبرة كرمة بوشريط ابتداء من سنوات التسعينات، جنازة فيها اليوم من الأموات أكثر من الأحياء و من الغائبين أكثر من الحاضرين. نعش حُمّل على كتف أرواح أناس أبدعوا ليُضحكوا جيلا بكامله، كان منهم ملوكا و وزراء و دكاترة و أساتذة و منهم أيضا الفنانين. نعي يحضره في المقدمة شخصان كانا هما من يجمعان "الحَلْقَة" بالكرمة كبهلوانيان يُخرجان الكلمات من قبعة مشعود، الأول إسمه ' وَلْد قَرَّد ' سبق له أن أضحك محمد الخامس ولما أراد السلطان محمد الخامس أن يكافئه نقدا أعطاه ' وَلْد قَرَّد ' قُبَّ جلبابه و لم يمد له يده، و لما سأله محمد الخامس رحمة الله عليه مبتسما، عن لماذا لم يمد يده أجابه ' وَلْد قَرَّد ' بسخرية محترمة بأنه "لا يقبض الرشوة بيده". ومن الذين تتلمذوا على يد '' وَلْد قَرَّد ' الفنان الكوميدي الشهير أحمد السنوسي الملقب ب"بزيز"، و الثاني إسمه ' زعطوط ' و هو من بفن كلماته كان المتفرج يعطيه "فلوس اللبن" الذي كان سيتغدى بها عند ' ابَّا عبد الله الحلاب '. و في مؤخرة مرفع نعي "الحَلْقَة" بكرمة بوشريط، نجد كل من صاحب السواكن، الناياتي أو بلغة "الحَلْقَة" آنذاك ' القصاب ولد سلّام ' ادجيت روتور الدكالي' الذي كان على أنغام و سواكن نايه يسقط وسط "الحَلْقَة" كل من به مَسّ أو فيه "الحال"، ثم صاحب ' بيض كاكا ' الصحراوي العشاب الذي كان يقيم "الحَلْقَة" من حوله و هو يطرح أوراقه و جواز سفره و أعشابه و كل عشب بوصفته العلاجية مستعملا أسلوبه و حركاته البهلوانية لجمع الحلقة من حوله بقولته المشهورة "يضرك ظهرك من هنا يا بوي ... عليك ببيض كاكا ". ويأتي من وراء نعش هذه "الحَلْقَة" كرنفال نشّط جيلين، انطلق من أمام الملاح، مهد "الحَلْقَة" بمدينة "مازغان" إلى كرمة بوشريط، كان تتقدمهم مجموعة أولاد سيدي احماد أُموسى في ألاعيبهم الأكروباتية ثم فرقة احمادشة بطبولهم و مزاميرهم بأناشيدهم الدينية و يليهم جوق كان يأتي صيفا من مراكش يعزفون بآلات العود و السنتير و الدربوكة، الأغاني الوطنية و الدينية. و في آخر موكب كرنفال النعي، كان كمانجاتيان ' الموتشو و كيلّا ' الذين جاءا لدفن فن الحلقة بكرمة بوشريط. ولتذكير الجيل الجديد، فقديما كانت "الحَلْقَة" بكرمة بوشريط تجمع بين الحكي والسَّرد و الأغاني الدينية و الألعاب البهلوانية، و كان هناك كل يوم أحد، يأتي ' ابّا وعدود ' بطاولته السحرية ليجلب المارة للعبة القمار إما ' بالكارطة ' و إما ' بالضاضوس '. كل هذه الذكريات و هذا المروث الثقافي اللامادي الذي ورثناه من كرمة بوشريط اليوم انقرض و مات ممارسوه و اكتسح المكان ' لمواقفية ' نتيجة لعدم اهتمام الجهات المعنية بهذا التراث الفني العريق الذي يعتبر أحد أبرز الموروثات الفنية و الثقافية الشفهية بمدينة الجديدة وبالمغرب. لأن فن "الحَلْقَة" يعتبر، أحد أقدم الفنون بالمغرب، بمثابة فُرجة و شكل من أشكال المسرح الشعبي التلقائي الذي يختص مزاولوه بمهارات في الآداء والإلقاء بحضور جمهور يُكَوّن دائرة على شكل دائرة يقف في وسطها "الحلايْقي" السارد. و ها هذا الفن الشعبي القديم اندثر من مدينتنا، و على الجمعيات الثقافية و الفنية أن تحيي هذا الموروث الشعبي في ذاكرة مدينة الجديدة لتخلّفه الأجيال الحالية للمستقبلية، كي يبقى حيا ورق توت كرمة بوشريط.