باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected] ما لهؤلاء يهددون بالانسحاب من الحكومة؟ وما لهؤلاء يسارعون بموافاة عاهل البلاد بمقترحاتهم الخاصة حول الدستور؟ وما لهؤلاء صامتون؟ وما لهؤلاء يتسابون؟ وما لهؤلاء يستبشرون بولوجهم لتدبير الشأن العام؟ وما لهؤلاء لا يصدقون؟ وما لهؤلاء ينتهزون...؟ وما القصد من الاستعجالية التي باتت عنوانا لكل برنامج أو تحرك؟ ولكن أي استعجالية؟ هل هي في التنفيذ أم في الخطابات أم في التحركات أم في الاجتماعات؟... ليبقى مصطلح الاستعجالية عنوان المرحلة. أليست هناك، قصد التنفيذ، سياسة اقتصادية واجتماعية بأبعادها: الحالي تم المتوسط والمستقبلي؟ أليست هناك سياسة اقتصادية واجتماعية متميزة بالمرونة وقابلة للتكيف مع أي طارئ؟ هل ما يجري في الدول العربية أكبر من الاكتفاء بتكييف هاته السياسة المعمول بها؟ وهل يمكن الجزم بأن أهداف هذه السياسة لم تصغ اصلا على اساس انتخابات تبرز النخب التي تريدها غالبية الشعب وبالتالي تكون نتائج سياستها المسنات لصالحه؟ نخب كانت بالأمس القريب مرتاحة، صامتة وراضية مرضية بما أوتيت من مناصب ومن مسؤوليات أظهر الواقع المعاش أنها لم تكن أهلا لها بل إرضاء لها وفيما بيها. واكتفت حينها بالقول بكون مناصبها تكليف وليس تشريف. أي تشريف؟ وهي خيبت آمال الشعب المغربي والثقة التي وضعها فيها عاهل البلاد. ما معنى التهديد بالانسحاب من الحكومة في هذه الآونة ؟ وإلى أين الرحيل؟ إلى المعارضة ؟ هل هو حنين إلى الماضي أم هو خطوة إلى الوراء للقفز خطوتين إلى الأمام؟ لم يعد هناك لا وراء ولا أمام كما قال فاتح الاندلس “الشباب أمامكم ومجلس الحسابات وراءكم” هذا هو المغرب الجديد الذي تزرع أسسه ثورة ملك وشباب. كما أن الهرولة الأحادية لتقديم مقترحات تراها بعض الأحزاب ضرورية، أي على مقاسها وحفاظا على نمط اشتغالها ومواقعها، أبرزت أنها، كما هو معلوم، في “غيبوبة” عن متطلبات شباب الألفية الثالثة. شباب أصبحت كل الأحزاب تطمع في ضمه والتلعثم بصيحاته، بعد أن تجاهلته وصدت أبوابها أمام قدراته، لعقود ماضية. لقد كانت عبقرية عاهل البلاد أكبر مما كانت تتصوره الفعاليات التقليدية للمشهد السياسي في المغرب وخصوصا في النقط التالية: - لا لحل الحكومة والبرلمان في الظروف الحالية لكونها خدعة سياسية بل يمكن اعتبارها آخر ورقة سياسية كانت الأحزاب ترغب في تفعيلها. لابد للحكومة وللبرلمان أن يضلا قائمين ليتحملا سلبيات افعالهم حتى الانتخابات القائمة ليقوم آنذاك الشباب بدوره في المحاسبة من خلال التصويت أو من خلال بروز أحزاب شبابية. فالاطاحة بالحكومة والبرلمان حاليا ليس من الصواب سياسيا بل هو إنقاذ لها. كما أنه لا يجب أن نتجاهل أن دور المجلس الأعلى للحسابات وما يبرزه من تجاوزات لا زال لم يكمل مهامه لكون النتائج التي تبرزها تقاريره ستكون توضيحا وتنويرا للرأي العام عن من يجب تقليده ثقة تدبير الشأن العام سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي عند الانتخابات المقبلة. - لا لملكية برلمانية ذلك أن الشباب كان واضحا في هذا الأمر: “نعم للملك، لا للأحزاب” لكون الشباب يعي كل الوعي بأن توسيع صلاحيات الوزير الأول والتقليص من صلاحيات الملك في الظروف الحالية أي مع تواجد هاته الأحزاب المشردمة فكريا وإيديولوجيا لن يخدم الشعب برمته بل سيخدم الفئة الموالية لحزب الوزير الأول. والتجربة واضحة إذ توالى على منصب الوزير الأول كل قادة الأحزاب الراهنة سواء من اليمين أو من اليسار أو من الوسط، وكانت النتيجة دائما الاحباط للشعب والانتهازية والزبونية للأقرباء وكان عاهل البلاد هو المنقذ في كل ظرفية حرجة. وتاريخ المملكة الشريفة شاهد على عدة مواقف تبين، من بعد حين، أن مواقف الملك كانت دوما أكثر حكمة ورزانة من مواقف الأحزاب سواء تعلق الأمر بشؤون داخلية أو تلك الخارجية. - التحدي أو المحك الحقيقي سيبرز عندما لن تتمكن الأحزاب الحالية من تموقعها ضمن خارطة الجهوية الموسعة الجديدة لكونها ستضطر لمغادرة المركز والتوجه إلى ساكنة الجهات، التي بالأمس القريب كانت تعتبرها “خزانا للأصوات” واليوم ستضطر، هذا إذا ما قبلت بها الساكنة، للعيش في وسطها. سيكون لقاء عسيرا لكون الشباب عبر عن رفضه للأحزاب القائمة وبالتالي من المنتظر ألا يقبل بإطلالتها عليه. منذ توليه عرش أسلافه المنعمين، ما من خطاب ملكي إلا ويلح فيه الملك على ضرورة إشراك الشباب والانتباه إلى متطلباتهم وإدماجهم ضمن أجهزتهم...، إلا أن الأحزاب كانت منهمكة في صراعات كانت نتيجتها “سفاهة” الخطاب السياسي في المغرب وانحطاطه إلى أدنى المستويات. المحك الثاني يكمن في مدى توفر الأحزاب على شعبية جهوية وأفراد ذووا مؤهلات لتدبير الشأن الجهوي. هل سيسمح الدستور الجديد بإمكانية بروز أحزاب جهوية شبابية جديدة؟ وهل سيكون لهذا الأمر وقع إيجابي أم العكس؟... من الأكيد أن الأحزاب المغربية التقليدية قد تفاجأت ومنها من صدمت بمضامين الخطاب الملكي لكونها لم تكن تتوقع أنه سيشكل ثورة حقيقية يخلخل كل تكهنات المشهد السياسي في المغرب ومنها من بات يدعي أنه كان هو السباق للمناداة بهذه التغييرات. التاريخ شاهد على الفرق بين ما كانت الأحزاب تنادي به وما يجري حاليا. بل هناك من لا يزال يهوى البلبلة ولم يجد شيئا يتفوه به سوى انتقاد مكونات اللجنة المكلفة بالتفكير في التعديلات الدستورية الملائمة لطموحات مغرب اليوم والمستقبل، متناسيا أنه كيف ما كانت نتائج عمل هذه اللجنة، فالحكم سيكون هو الشعب بالتصويت على تبني أو عدم تبني نتائج عمل هاته اللجنة. الأكيد كذلك أن مثل هذه الأحزاب قد استوعبت حقيقة موجعة تكمن في ضرورة انسحابها من المشهد السياسي لكونها فهمت أن طموحات ملك وشباب اليوم والمستقبل تتجاوزها جوهريا لكونها تستمد فلسفتها من الواقع الذي تعايشه، واقع تؤمن فيه بأن الضامن لوحدة البلاد هو الملك، واقع تتأكد فيه يوما بعد يوم أن الملك هو الساهر وهو الحاضر في كل مدشر وفي كل إقليم وفي كل جهة وليست الأحزاب القابعة في فيلات أحياء السويسي والصخيرات وبئر قاسم... واقع يريد ملك البلاد أن يتقلد شؤون تدبير الشأن العام للبلاد مؤهلات شابة غيورة على وطنهم، ملتفين حول ملكهم، مستمدين منهجية عملهم من التوجيهات الملكية مبتعدين كل البعد عن تلك الإيديولوجيات وما هي بإيديولوجيات بل ديماغوجيات أكل الدهر عنها وشرب لا هدف لها سوى زرع الفتن واليأس بين الشباب. وما عنوان هذا المقال إلا شهادة على جدلية قائمة بين شباب طموح ومؤهل لتحمل المسؤولية وأحزاب تصارع من أجل البقاء بالرغم من تآكل مرجعياتها وبرامجها وتجاربها، وبينهما ملك شاب يسعى لأن تمر هذه الجدلية وهذه الصراعات الخفية والمعلنة في ظروف لا تنجب لا غالب ولا مغلوب لكونه ملك المغاربة كلهم.