مايكروسوفت تفصل مهندسة مغربية بعد احتجاجها على دعم الشركة لإسرائيل    مصرع قاصر في حادث اصطدام بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    "المغرب في قلب التحديات: نحو مجتمع متماسك وآمن"    بين نور المعرفة وظلال الجهل    لا يوجد نظام في العالم يشبه النظام العسكري الجزائري.. شبح التدخلات وازدواجية المعايير    يهم مرضى السرطان بالريف.. وزارة الصحة تخفض أثمان عدد من الأدوية    الذئب الذهبي الإفريقي يعود إلى الواجهة في منتزه الحسيمة    ترامب يلوّح بفرض رسوم جمركية إضافية على الصين    مالي تكشف تورط الجزائر في تقويض أمن المنطقة    رسميا.. "الديربي" بين الوداد والرجاء السبت القادم انطلاقا من الساعة الثامنة مساء ب"دونور"    الاتحاد الاشتراكي يعلن الانخراط في مبادرة تشكيل لجنة تقصي دعم مستوردي المواشي    معرض الكتاب بالرباط يستقبل الشارقة كضيف شرف ويحتفي بمغاربة العالم        حزب "القوة الشعبية' البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة بشأن الصحراء المغربية    مندوبية السجون تقطع على أسر النزلاء فرصة تسريب الممنوعات        فضيحة لغوية في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: الوزير بنسعيد منشغل بهاتفه وشاشة العرض تنحر اللغة    تفاصيل مثيرة.. نفق تهريب الحشيش بين سبتة والفنيدق يورط عناصر أمنية    غزة.. قادة مصر والأردن وفرنسا يبحثون هاتفيا مع الرئيس الأمريكي سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 17 سنة.. المنتخبان الإيفواري والمالي يحجزان بطاقة العبور لربع النهائي    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء.. ارتفاع ملموس في درجة الحرارة    النفط عند أدنى مستوى في 4 سنوات بسبب الحرب التجارية    المغرب يتوج بجائزة سياحية مرموقة    تحطيم سيارات يستنفر شرطة إنزكان    بايتاس يؤطر مستشاري شؤون البرلمان    الأطر الصحية بوجدة تتضامن مع غزة    الضمان الاجتماعي يعلن عن مستجدات هامة تخص معاش التقاعد واسترجاع الاشتراكات للمستقلين    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    يحتضنه المغرب في سابقة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط .. ندوة تقديمية للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا اليوم بالرباط    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    وزارة الصحة المغربية تُخلّد اليوم العالمي للصحة وتطلق حملة للتحسيس بأهمية زيارات تتبع الحمل    "الإبادة في غزة" تطارد إسرائيل.. طرد سفيرها من مؤتمر إفريقي    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    علوم اجتماعية تحت الطلب    مبابي: "أفضل الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على أن الكرة الذهبية"    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفل والتلفاز ومنظومة القيم
نشر في دنيابريس يوم 24 - 12 - 2010

حكى لي أحد الأقرباء من أهل الثقة أن أستاذة للغة الفرنسية تعمل بإحدى مؤسسات التعليم الخاص بمدينة الدار البيضاء، عرضت على تلاميذها بأحد المستويات إتمام ما تبقى من جملة بالفرنسية تقول: ” حين يكون الأب في العمل تكون الأم في المطبخ..” باعتبار أن الأم تعمل في المطبخ جوابا بديهيا هو ما كانت تنتظره الأستاذة، إلا أنها فوجئت بإحدى التلميذات تتمم الجملة بقولها : ” حين يكون الأب في العمل الأم تخونه في المنزل ” وعند استفسار التلميذة من أين استوحت هذا الجواب الغريب أجابتها التلميذة بكل عفوية : ” شاهدت ذلك في فيلم تركي..” ولأن هذه الحكاية بالرغم من بساطتها، تطرح الجدل اللغوي الذي يضع الأستاذة في حيرة من أمرها، حول إمكانية قبول هذه الجملة من عدمه، pendant le père est au travail; la mère le trompe” إلا أن دلالتها خطيرة جدا، وهنا تصبح على المستوى التركيبي لا جدال في صحتها، أما على المستوى الدلالي فالباب يفتح مصراعيه لاستقراء ما طرحه علماء اللسانيات، حول العلاقة بين الدلالة والتركيب، وهنا يطول الحديث في دروب اللسانيات الحديثة سواء مع تشومسكي وتروبتسكوي وكريماس وغيرهم. و ما يمكن قوله هو أن الجملة صحيحة مائة بالمائة نحويا أما من حيث الجانب الدلالي، تدخل هنا مفاهيم أخرى تطرح نفسها بإلحاح كمفهوم القيم والأخلاق و ما إلى ذلك، باعتبار أن الطفلة حين أتمت الجملة كانت تستحضر تلك اللقطة التي بثها التلفاز في أحد المسلسلات التركية المدبلجة، حيث تقوم سيدة بتوديع زوجها وهو ذاهب إلى عمله، لتستغل فرصة غيابه وتستقبل عشيقها بالمنزل، من أجل الخيانة الزوجية وبالتالي تتكرس تلك الصورة المهدمة لمفاهيم قيمية في ذهن طفلة بريئة إلى الأبد.
يرى الباحث والمفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة في مقدمة كتابه ” قيمة القيم ” ، .. أن الثقافة لا يمكن نقلها بشكل أعمى إلى مناطق أخرى من العالم، دون اعتبار واحترام لقيم هذه المناطق. إن الثقافات لا تستنسخ، ولا يمكنها أن تتواصل فيما بينها، ولا أن تغني بعضها البعض، إلا إذا اعتبرنا هذه القاعدة. وفي السياق ذاته يقول المنجرة :” فوراء هاته الحرب المفتوحة ضد الإرهاب، تظهر حرب أخرى ضد منظومة القيم. إن احترام قيم الآخرين شرط أساسي من أجل الوصول إلى فهم نسبية مفهوم ((القيم الكونية )) التي تمكن من تسهيل عملية التواصل الثقافي بين الشعوب، بدل الإلحاح على (( التكييف )) بتقاليد (( كونية )) مفبركة ومختزلة على مستوى الزمان والمكان في التاريخ البشري. ويقول أيضا في المقدمة ذاتها “.. إنه من الواجب إعطاء الأهمية للقيم، لأن هذه القيم ستكون أحد الأسباب الرئيسية للحروب القادمة للنزاعات والصراعات، وأن الحل الوحيد لضمان السلام، هو تحسين التواصل الثقافي بين الشعوب والحضارات .. وفي رأيي يضيف المنجرة فإن (( حرب القيم )) لا تعني بالضرورة (( حربا بين الديانات )).. أن يكون الإنسان واعيا بقيمة القيم، فإن ذلك قيمة في حد ذاتها.. أعتقد ليس من المبالغة أن نقول، بأن مستقبل الإنسانية اليوم، رهين بدرجة الاعتبار الذي نعطيه للروح الإنسانية، وبالاحترام المتبادل للقيم، تلك القيم التي تشكل أساس استمرار الحياة في ظل الكرامة. ومن تم القيمة المتصاعدة للقيم في أيامنا العصيبة هذه حيث أصبحت اللامبالاة بمعاناة الآخرين أمرا مقبولا.. ودون شك، فإن مستقبل الإنسانية سيكون رهينا بالثمن المخصص لحياة البشرية بدون تميز؛ والاحترام المتبادل للقيم..”
نستخلص من خلال ما سبق أهمية القيم في حديث الأستاذ المنجرة ودورها في مستقبل الإنسانية بل إن الصراع القادم كما يقول سيكون صراعا للقيم، ليثار السؤال ما مدى احترام قيمنا العربية في السياق التهافت الذي تعيش على إيقاعه العديد من القنوات العربية؛ أكيد أن العملية تدخل في إطار الماركوتينغ و الاستشهار وجلب أكبر عدد من المشاهدين، إلا أن ما تقدمه هذه المسلسلات يجعل الحديث يعرج بالقوة على عوالم التلفاز، و دوره داخل المجتمع الذي يدخل في مكوناته الطفل.
وأكيد أن لجهاز التلفاز موقع هام داخل المنظومة الأسرية، فمن خلال إطلالة بسيطة على أسطح معظم المنازل أو الكل، يظهر جليا أنها لا تخلو من صحن مقعر أو جهاز لاقط، وعلى هذا الأساس فالتلفاز أصبح يشكل لحظة ذات أهمية قصوى لدى الأسر الممتدة منها أو النووية، فعلى مدار الساعة وأفراد الأسرة يحملقون في شاشة التلفاز وهم يتناولون الفطور أو وجبة الغداء والعشاء، بل أكد أحد العارفين بأن جهاز التلفاز أفقد عنصر الحوار داخل الأسر فالكل منتبه إلى ما يدور داخل الزجاجية الضوئية، حتى ينتهي الجميع مما كانوا فيه ليتفرقوا نحو انشغالاتهم، بل أصبح الأب والابن لا يتجاذبان أطراف الحديث بينهما إلا لماما، وكذلك الأمر بالنسبة للأم، وأصبح الحوار المتداول داخل الأسرة يأخذ شكلا ميكانيكيا وخدماتيا ليس إلا، من قبيل هل قمت بكذا، وأنهيت ما طلبته منك، لتكون الإجابة بالنفي أو بالإثبات ( نعم / لا).
لقد استطاع التلفاز بفعل سحره، أن يخنق تلك العلاقات الاجتماعية، التي كانت بالأمس تكون تلك اللحمة، التي من شأنها بناء جسم علائقي متماسك للأسرة الواحدة، ومن تم إلى المجتمع برمته.
وهنا نجد سؤالا يطرح نفسه بإلحاح، هل جهاز التلفاز شر كله؟
يجيبنا المتخصصون الغربيون بأن للتلفزيون وظائف متعددة، منها ما هو إخباري وما هو تثقيفي و تكويني، بالإضافة إلى الوظيفة الترفيهية؛ حيث يصفها هؤلاء بالوظائف الأساسية، فيما وصفوا أخرى بالتكميلية كوظيفة التنشئة الاجتماعية وخلق الدوافع والحوار والنقاش، والتربية والنهوض الثقافي والتكافل.
إن النظر بتمعن لهذه الوظائف كلها تجعل المرء يدرك أن التلفزيون أصبح يفعل فعله في المجتمع برمته، ذلك أن تحليلا بسيطا لهذه الوظائف يجعلها تصنف في خانة الحساسية والخطورة في الوقت ذاته.
فالوظيفة التثقيفية والتكوينية تضع التلفزيون في مرتبة المدرسة الموازية لما يتلقاه التلميذ في المؤسسة التعليمية، من حيث التكوين وتنمية بعض القدرات، إذ أفرزت التجربة أن الطفل يستوعب عددا هائلا من المفردات خلال مشاهدته للرسوم المتحركة أو برامج الطفولة، بشكل سلس لما توفره الصورة من انتقال لما هو مجرد إلى ما هو ملموس، دون إغفال كذلك أن هذه العملية تقدم للطفل في غلاف ترفيهي مما يجعله يستوعب أكثر فأكثر، و من تم تبرز خطورة التلفزيون كأداة تلقينية ليس غير بل ينتقل إلى فضاء أرحب، مما يجعله ليس مجرد وسيلة تسلية أو التخلص من التوتر، إنه أيضا وسيلة كي نصبح اجتماعيين ونتعلم الأدوار والقيم، على حد قول الدكتور خضور أديب في مقال حول سوسيولوجيا الترفيه في التلفزيون.
والخلاصة التي نخرج بها مما قاله الدكتور أديب، “التلفزيون.. نتعلم به الأدوار والقيم”، وهنا يستدعينا الحديث مرة أخرى للحديث عن علاقة هذا الجهاز بمنظومة القيم بوصف لا يخلو من الدقة حين وصفه أحد الدارسين بقوله “..وأصبح التلفزيون ثالث الأبوين” نعم الأب الثالث في ظل السرعة التي أصبح عليها العالم الحديث، وكثرة المشاغل التي نعيشها في ظل عالم معولم متوحش، تضاءل فيه الزمان الأبوي مقابل ساعات البث الطويلة وتوفر مئات من القنوات على اختلاف الأنواع و التخصصات، وبنقرة خفيفة على “الرموت كنترول” تجعل الانتقال من قناة إلى أخرى يمر في ثانية واحدة أو أقل.
ويؤكد الدكتور عبد اللطيف كدائي في كتابه “الطفل والإعلام” على أن الإعلام والتلفزيون على وجه الخصوص قد أسهم في خلق عدد كبير من الظواهر الاجتماعية، من خلال التغير القيمي الذي يحدثه تدريجيا في المجتمعات التي لا تتبنى نفس النسق أو المنظومة، فهو يمثل مرآة القيم الاجتماعية السائدة وموزع أساسي لقيم جديدة قد تكون في غالب الأحيان دخيلة، فهو المربي الأول الذي يجده الطفل أمامه طوال الوقت.
ويضيف الدكتور أن القصص المصورة والمشاهد المتنوعة، زيادة على طاقم المنشطين والمنشطات، يعملون بلا شك على غرس قيم جديدة بعضها يهاجم بشدة الممنوعات والطابوهات الاجتماعية. ليبقى السؤال مفتوحا على مصراعيه قابلا لنقاش واسع حول جدوى بث الأفلام التركية والمكسيكية والبرازيلية المدبلجة إلى اللغة العربية الفصيحة، وإلى لغات محلية أخرى من سورية ومصرية وحتى الدارجة المغربية، بشكل واسع حتى أصبحت كالوباء مثل الجدري والكوليرا؟.. تقوم على تمرير مجموعة من الخطابات يستشف منها أنها تضرب مستقبل الناشئة نحو التفسخ والانحلال، والإيمان بأن منطق المال يعلو ولا يعلى عليه في سباق البهرجة والانسلاخ عن الهوية والذات، التي تشكل عصب بناء أية أمة مازالت تنشد الطريق نحو التقدم والرقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.