لعل من أبرز المواضيع التي يكثر الحديث عنها والتي فرضت نفسها بالحاح سواء على مستوى وسائل الاعلام المرئية أو المكتوبة, نجد ظاهرة الرشوة والمحسوبية والزبونية... هذه الظواهر وان اختلفت في التسمية فانها تصب في اتجاه ومصوبة نحو هدف واحد, ألا وهو تخريب المجتمع وتفريغه من قيمه ومبادئه الشئ الذي ينعكس سلبا على أخلاق أفراده ليحل محلها أنواع السلوكات المنحرفة والمشينة المبنية على الانتهازية وحب النفس .حتى أن الانسان أصبح لايخجل من طلب أو تقديم شيء في مقابل واجب عليه القيام به أو في مقابل حق من حقوقه, فأتيحت بذلك الفرصة لاستغلال علاقات الصداقة التي كانت تقوم على أساس المودة والنصيحة حيث أصبحت معها قائمة على المصالح المتبادلة.لقد عملت الرشوة وما عطف عليها كل ميادين الحياة وأصبحت مشهد مألوف لدى العام والخاص لكن ما يدعو الى الخوف والقلق عندما نجد هذه التصرفات الاأخلاقية تمس أو تتسرب الى بعض المجالات الحيوية كالقضاء مثلا فمؤسسة القضاء تعتبر القلب النابض للأمة فاذا فسدت ذهب الجسد كله حتى ان تلك الانتخابات التي تعتبر كوسيلة ديمقراطية يتوخى منها افرازنخب سياسية قادرة على مواجهة مستجدات العصر واخراج البلاد من المخاطر المحدقة تكون في أغلبها مبنية على المحسوبية والزبونية.فالشخص الذي يذهب الى صناديق الاقتراع غالبا مايطغى على اختياراته لاعتبارات شخصية وعاطفية الشيء الذي يفسر ضعف النضج السياسي بسبب الأمية والجهل من جهة والفقر المدقع وطغيان النزعة المادية من جهة ثانية وهذا ما يزيد من استفحال الأوضاع . ومايثيرالانتباه أنه غالبا مايتم تداولها بالاعتماد على أرقام تصدرها منظمات أجنبية الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن مدى مصداقية هذه الأرقام وعن المعايير المعتمدة للحصول عليها؟ اننا لسنا ضد لغة الأرقام ولكن ما نريد التلميح اليه هو أنه لا ينبغي الاعتماد عليها كمرجعية أساسية للخروج بحكم معين لاسيما ونحن نعرف جيدا مشكل الأمية وما يمثله من نسبة في المجتمع الشيء الذي يطرح اشكالية الاستيعاب والفهم السليم للمسألة وبالتالي التطبيق على أرض الواقع. وبالمقابل فاننا نلاحظ اهمالا وتقصيرا بل واهمالا للجانب الشرعي في المسألأة خصوصا وان هذه الظاهرة ليست من افرازات المجتمع الحالي بل لها جذور متأصلة في الماضي العريق ونلتمس هذا من خلال قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام' لعن الله الراشي والمرتشي والرائش” فهذا الحديث دليل واضح على تحريم الرشوة وأن اثمها يعم الراشي والمرتشي والرائش أي الواسطة بينهما. ولم يقف الاسلام عند هذا الحد بل وضع مجموعة من التدابير الكفيلة لمحاربة هذه الظاهرة فقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه يشاطر مال من يتهمه من عماله فيأخذ شطره ويضعه في بيت المال ليصرف في مصالح المسلمين فكيف بنا في وقتنا الحاضر ونحن نسمع بل نرى ذلك بأعيننا ولاتجد من يحرك ساكنا. وفي الأخير لايسعني الا أن أختم بحديث نبوي شريف ورد في صحيحين البخاري ومسلم وهو يحتوي على أبعاد ودلالات كثيرة عله يكون عبرة لمن يدعي قصور الاسلام وعدم مسايرته لتطورات العصر ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أحد من أصحابه على صدقات بني عليم فلما عاد قال هذا لكم وهذا أهدي الي فقام عليه السلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ” أما بعد فاني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله عز وجل فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي الي أفلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه حتى تأتي هديته ان كان صادقا...؟ فلنتحد جميعا ضد هذا الوباء الخطير كما اتحدنا في غير مامرة لمواجهة أزمات اجتماعية خانقة وليبدأ كل واحد منا بنفسه عوض الاكتفاء برفع الشعارات الرنانة التي لاتزيد الطين الابلة وفسادا واني أرى أن دعائنا الان أن اللهم احفظ عبادك البسطاء بهذا الوطن من دخول دهاليز المحاكم التي لاتنصف والمخافر التي لاتشفق والمستشفيات التي لاترحم واجعلهم اللهم في مناي عن أي مكروه ناتج عن الادارة الفاسدة التي تنخرها الرشوة والزبونية والمحسوبية والتسويف والمماطلة والشطط في استعمال السلطة ....امين يارب العالمين.