[email protected] تعتبر اللغة من أهم المعالم المحددة لهوية دولة ما، فهي رَمزٌ تُختزل فيه الخطوط التاريخية والجغرافية للثقافة القومية، ومنطلق مركزي لتحليل وفهم الصيرورة الحضارية للمجتمع في راهنيته وجذوره الأكثر عمقا. وإذا كان الدستور المغربي ينص على رسمية اللغة العربية، فإن ذلك لم يكن كافيا لتمتيعها بالوضع الاعتباري الذي يجعلها رمزا للمواطنة والانتماء الحضاري، بما يحقق الاستقلال اللغوي كأساس من أسس الاعتراف بالذات واحترامها. لقد شكل التعريب، إبان الاستعمار الفرنسي، أحد مطالب الاستقلال السياسي، بل دعامته الأساسية التي تجسدت في خطابات النخبة، مرتكزة على وعي يعكس رغبة القواعد الشعبية المقاوِمَة، فكان شعار الاستقلال اللغوي يمثل على الصعيد التعبوي طاقة محركة قوية، لكن السلطة التي باشرت الحكم فجر “الاستقلال” أخطأت الموعد، إذ اصطدم مطلب التعريب بمقاومة صماء خفية نافذة ومتمكنة صعبت التخلص من اللغة الفرنسية، مما أنتج وضعا يتسم بالازدواجية اللغوية في الإدارة والاقتصاد والشارع وحتى في النظام التعليمي. ومع مرور السنوات، بدأ الوضع يُبَرَّر بقصور اللغة العربية عن استيعاب تطورات العصر، وبأن التقدم الاقتصادي يتوقف على إدخال البلاد في مجال التبادلات الدولية التي لا تتحقق إلا بلغة موليير، ثم انتشرت عبارات الانفتاح والحوار والتواصل وغيرها من المبررات التي كان الأساس منها خلق تطبيع مع ازدواجية لغوية تلعب فيها اللغة الفرنسية دور القائد المتبوع. والحقيقة أن كل تلك الدفوعات تفقد قوتها وتتكسر على حائط تجارب دول لا تملك لغتها القومية ربع ما للعربية من مميزات وانتشار، ومع ذلك استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا هائلا، وتتحاور وتتواصل وتنفتح دون عوائق، ولنا في التركية والماليزية والإندونيسية المثال الكافي. وأمام هشاشة الأسس التي تبرر بها الازدواجية اللغوية، فمن الضروري التساؤل حول الدور الحقيقي الذي تلعبه اللغة الفرنسية في بلادنا. من الناحية الثقافية، كان يفترض في نشر اللغة العربية بدل الفرنسية أن يتم امتصاص آثار الاغتصاب الحضاري الذي قام به المستعمر، لكن عمليات التعريب الجزئية التي عرفها المغرب لم تكن سوى ترجمة لفظية للثقافة الفرنسية بذريعة عالمية الثقافة، ووحدة أنماط الإنتاج والاستهلاك، وأصبحت اللغة العربية تلعب وسيطا ثقافيا خاليا من أي حمولة حضارية أصيلة، ما جعلها مجرد وسيلة تؤدي مهمة الفرنسية ضمن مشروع تأطيري للمجتمع، قائم على تثبيت %D