ذ. محمد المرواني أمين عام حزب الأمة المغربي بسم الله الرحمن الرحيم على هامش استئناف الإضراب المفتوح عن الطعام: رسالة بيضاء من أجل مغرب أفضل قال الله تعالى: “والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون” الشورى/39 لقد قادني التأمل العميق في المسار الذي اتخذته فضيحة ما يعرف إعلاميا ب”قضية بليرج” وغيرها من متابعات سواء منها تلك التي طالت الجسم الصحفي أو تلك التي مست بعض فعاليات الحركة الطلابية أو تلك الجارية اليوم ويتابع فيها أعضاء من جماعة العدل والإحسان، أو تلك التي جرت بالأمس، وطيلة سنوات متتالية منذ 2001، وتوبع من خلالها ما يطلق عليه إعلاميا “السلفية”، إلى خلاصة أساسية هي أنه لا يزال بيننا وبين دولة الحق والقانون مسافة إرادة صادقة، لا تكتفي بالقول أو الشعار بل تسندهما بالأفعال الملموسة. ولذلك، وإبراء للذمة وإعذارا إلى الله تعالى وقياما بتكليفي الشرعي والوطني، أعتبر أن بلادنا بحاجة إلى توقيع نقطة نظام سياسية تاريخية من أجل مغرب أفضل. وأقدر أن الأمر اليوم لم يعد، فقط، موضوع إطلاق سراحنا جميعا ومعنا كل المظلومين في السجون على ذمة فضيحة “قضية بليرج” أو غيرها من قضايا مماثلة من قضايا الرأي والسياسة. إن الأمر اليوم توسع ليشمل جذور هذا التدبير السيء للشأن العام بلوحته الثلاثية (الاستبداد الفساد التخلف) وسماته البئيسة والمتمثلة في العبثية وخرق القانون وفقر الحكمة ومصادرة العقل وتوسل القوة المادية والإكراهية واستبعاد الحوار. ولئن خضنا بالأمس إضرابا مفتوحا عن الطعام حول قضيتنا الخاصة من أجل تأمين محاكمة عادلة لا بحثا عن الإفلات من العقاب إذا ثبتت الإدانة قانونيا، فإننا اليوم نعلن استئنافنا للإضراب المفتوح عن الطعام الذي علقناه في 9 أبريل 2010. وذلك: أولا احتجاجا على تعثر الإصلاحات الأساسية ومنه إصلاح القضاء. فمنذ سنوات والحديث لا يتوقف عن المطالبة بإصلاح القضاء. لقد عقدت الندوات رسميا وشعبيا حول هذا الورش. كما أن هيئات المجتمع المدني والحقوقي ما فتئت تنبه إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها مطلب إصلاح القضاء. بل لقد صدرت توصيات لهيئة الإنصاف والمصالحة لتضع يدها على إصلاح القضاء والحكامة الأمنية ووضع حد للإفلات من العقاب. وقد مرت سنوات على هذه التوصيات، ولازالت الهيئات المدنية والحقوقية تواصل مطالبتها بتفعيل تلك التوصيات. ترتيبا على ما سبق، فإن استئنافنا للإضراب المفتوح عن الطعام هو أيضا احتجاج على عدم تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وهي التوصيات التي صدرت بخصوصها التزامات رسمية صريحة بتفعيلها ولكنها لا تزال حبرا على ورق للأسف الشديد. الاحتجاج هنا يأخذ معنى إعادة الاعتبار لتعاقداتنا المدنية المجتمعية ولو بنواقصها وعلاتها. فمادامت تلك التوصيات نجمت عن تفاعلية بين الشعبي والرسمي، فقد كان من المفترض أن تجد طريقها نحو التنفيذ بلا تردد. ثانيا احتجاجا على خرق القانون وانتهاك مقتضياته الذي بسببه لا يحظى المواطنون بمحاكمة عادلة وبخاصة في قضايا الرأي والسياسة. المحاكمة العادلة ليست كلاما بل هي التزامات ملموسة منصوص عليها في القانون. وفي الوقت الذي كان المغاربة وفي مقدمتهم ضحايا الانتهاكات الجسيمة القديمة لحقوق الإنسان يتطلعون إلى مزيد من توسيع ضانات ومقتضيات المحاكمة العادلة، لا تزال المكتسبات القانونية المنصوص عليها فعليا في القانون تتعرض للانتهاك وأحيانا للانتهاك الجسيم. فهل بهذه الطريقة يتم التعامل مع المواطنين المغاربة؟ متى سيحس المغاربة بالأمن القضائي فيأمنوا على حقوقهم وأرزاقهم وحريتهم.. وعلى كرامتهم.. بل وعلى وجودهم؟!.. متى يطل صباح الأمن القضائي؟ ومتى ينتهي ليل الانتهاكات الجسيمة لمقتضيات المحاكمة العادلة؟ ثمة مواطنون وراء القضبان لم يحظوا بمحاكمة عادلة، بل هناك إقرارات رسمية بوجود تجاوزات في المتابعات. ومع ذلك، هم يؤدون من حريتهم لأن هناك من لا يريدون إنهاء هذه القضايا بل إن هناك من يرى أنهم جعلوا من محاربة ما يسمى ب”الإرهاب” محلبة للمنح ومجلبة للعملة الصعبة. فواحزناه ياوطني.. هذا العار ليس عارك.. وهذا الثوب ليس ثوبك..(!).. ثالثا احتجاجا على استمرار الاختطاف والتعذيب. فتواتر الإخبار بتعرض مواطنين للاختطاف (والتعذيب بالنتيجة) مافتئت صفحات الإعلام الأولى تكشفه. كما ان العديد من الجمعيات الحقوقية قد توصل فعليا بشكايات حول اختفاءات، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان توصل هو الآخر بشكايات في الموضوع، وأسر الضحايا قاموا من جهتهم بالاتصال بجهات رسمية وبجهات مدنية وحقوقية.. وعلى الرغم من أن القانون المغربي يعاقب على جرائم الاختطاف والتعذيب، وعلى الرغم من التوقيع المغربي على اتفاقية مناهضة التعذيب.. لازالت الساحة المغربية تشهد انتهاكات متوالية بهذا الخصوص. وبرغم تنديد الهيئات الحقوقية والسياسية، لازالت دار لقمان على حالها. بل لقد حاولت هيئات حقوقية التظاهر أمام مقر تمارة السيء الصيت، ولكنهم منعوا من ذلك. وإن ما يزيد الطين بلة هو ما كشفت عنه بعض الصحف الدولية (اسوستدييس مثلا) من تعرض، بعض العناصر المنسوبة لتنظيم القاعدة، للتعذيب بهذا المعتقل السري !! هنا، أيضا لابد من التذكير بأن من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة نجد مطلب الحكامة الأمنية. وبرغم مرور سنوات إقرار تلك التوصيات، لازالت الهيئات المدنية والحقوقية تناضل من أجل تفعيلها على الأرض. وترتيبا عليه، فإن استئنافنا للإضراب المفتوح عن الطعام هو من أجل أن يتوقف الاختطاف والتعذيب وكل المعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والمتابعات خارج القانون، ومن أجل إغلاق معتقل تمارة السري وتحويله إلى متحف في خدمة حقوق الإنسان. إن استمرار الاختطاف والتعذيب، ووجود معتقل سري يتعرض فيه الناس للتعذيب، وبرغم وجود قرائن حوله وبرغم مطالبات الهيئات الحقوقية، لا يعد فقط مناقضا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بل إنه يطرح السؤال وبحدة حول جدوائية تلك التوصيات مادامت كلاما يستعمل للإشادة بما قطعه المغرب من أشواط في احترام حقوق الإنسان فقط في حين لا نجد لها على الأرض أي أثر ملموس وبخاصة فيما يتعلق بإصلاح القضاء وبالحكامة الأمنية وبعدم الإفلات من العقاب. مرة أخرى، الأمم التي لا تحترم تعاقداتها المدنية المجتمعية لا يمكن أن تكون جديرة بالاحترام. رابعا من أجل المطالبة بتصحيح المظالم القضائية الواسعة التي عرفتها متابعات الرأي والسياسة أو ما يسمى “الإرهاب” منذ 2001. وتصحيح المظالم القضائية يمر عبر إطلاق سراح كافة المعتقلين على ذمة قضايا الرأي والسياسة، وذلك لاعتبارات متعددة منها على وجه الخصوص: أ. أنهم لم يحظوا بمحاكمة عادلة، وهناك إقرارات رسمية بوجود تجاوزات حصلت في متابعاتهم. ب. أن غالبيتهم إما أن قضيتهم سياسية واضحة (قضية بليرج نموذجا) أو أنهم قاموا بمراجعات أعلنوا عنها (أصحاب رسالة أنصفونا نموذجا).. ج. أن المناخ الدولي الضاغط على المغرب فيما يتعلق بمحاربة ما يسمونه “الإرهاب” قد ولى مع سقوط إدارة بوش وهزيمة بلير وأثنار، وإن كان الأصل أن يحافظ المغرب على استقلالية قراره السياسي في كل الظروف، ولذلك، فإن أغلب الدول العربية والإسلامية قد دشنت فعليا مسلسل مصالحة انتهى بإطلاق سراح معتقليهم إما كليا (كما حصل في ليبيا مثلا) أو على طريق ذلك (كما يحصل حاليا بموريتانيا). ولابد من التنويه أن كل تلك الدول العربية والإسلامية خاضت فعليا حوارا جديا مع معتقليهم بحثا عن أفق يخدم المصلحة العليا لتلك البلدان. إلا أن الاستثناء المغربي ليس مفهوما. هناك من تكلم من المسؤولين (وزير الداخلية السابق في البرلمان، ووزير الأوقاف في برنامج حوار) عن خصوصية مغربية. لماذا ترفع الخصوصية في المغرب فقط كلما تعلق الأمر بشأن يخص المغاربة في حين لا نسمع خطاب الخصوصية في معاملاتنا الدولية؟.. ثم، نريد أيها السادة.. أن تفسروا لنا هذه الخصوصية وتفكوا لنا ألغازها حتى يتمكن الناس من معرفتها وترتيب ما يلزم على فهمها. ألا يدل ادعاء الخصوصية على أن تدبير الشأن العام لا تحكمه قواعد قانونية واضحة بل هو محض ورقة حمراء يتم إشهارها لإجهاض كل ما لا توافق عليه قوى إعاقة الديمقراطية. لقد أعلن الكثير من المنسوبين إلى تيار “السلفية” عن مواقفهم من العديد من القضايا: أعلنوا رفضهم للعنف ونبذهم له وأكدوا التزامهم بالمذهب المالكي إلى غير ذلك، ومع ذلك لا يزالون وراء القضبان، فما معنى هذا وما دلالاته؟ فهل العقاب مقصود لذاته أم لغيره؟ وهل إذا انتفى هذا الغير لا ينتفي العقاب؟.. فواحزناه على فقر الحكمة السياسية ببلادنا !.. ما كان اجتماع الأمم السياسي ينعقد على الإقصاء والتهميش. الإقصاء والتهميش والتعنيف ومصادرة الحريات والتضييق على الحقوق، كل ذلك مشاتل الغلو والتطرف والعنف. إنها تصنع بيئة الغلو والتطرف والعنف. الاجتماع السياسي ينعقد على الشراكة والتعاقد وعلى القانون لكي يكون اجتماعا سياسيا مدنيا راشدا يعطي معنى للمواطنة والانتماء إلى الوطن. أيها السادة.. لكم أن تبحثوا عن مؤشر المواطنة ببلادنا. ولماذا يهاجر المغاربة بحثا عن لقمة عيش أو يلجؤون إلى المخدرات هروبا من تحديات العيش أو يتحولون إلى شبكات الجريمة المنظمة (السرقة، الدعارة..) للحصول على مصدر عيش ولو غير كريم. لا يمكن أن نصنع حب الأوطان بسياسة ظالمة على الأرض: في اقتصادها وسياستها واجتماعها. وكما قال ابن خلدون في مقدمته القيمة: “إن الظلم مؤذن بخراب العمران”. السياسة، حين تستند إلى القوة الغاشمة وتبرر فعل كل شيء من أجل الهيمنة والسيطرة، تفقد مشروعيتها وشرعيتها. وحين نتأمل في جوهر نمط التدبير السياسي للشأن العام ببلادنا نجده ينتمي إلى مدرسة شرعية القوة، ووجود مظاهر “ديمقراطية” و”حقوقية” لا يغني من الأمر شيئا ولا يمنع من إصدار ذلك التوصيف. لماذا؟. لأن النظر، إلى أي نمط من التدبير السياسي وتقييمه، يتأسس على ملاحظة الطابع الأبرز لها، أما وجود استثناءات فهي عند التحقيق استثناءات تؤكد القاعدة ولا عبرة بها بالنتيجة. وأقولها بحزن وأسف، إن اللجوء إلى حجة القوة هو العنوان الأبرز للتدبير السياسي للشأن العام ببلادنا. والقوة هنا لا تعني القوة القمعية المباشرة فقط، ولكنها حاصل مجموع كل السياسات الإكراهية المتبعة والمتخذة على الأرض، من مثل: التفكيك القهري لحزب سياسي قائم أو تحجيم مشاركته الانتخابية أو حله أو منعه أصلا من حقه في الوجود أو التضييق الأنشطة السياسية والمدنية للرأي الآخر المخالف أو المعارض.. د. ومن جهة أخرى، وفي نفس الإطار، فإنه لا معنى لاستمرار اعتقال الطلبة، كما أنه لا نرى في متابعة أعضاء من جماعة العدل والإحسان إلا حلقة من حلقات التضييق عليها وهو أمر يلزم أن تتوقف. خامسا من أجل الحق في التعبير والتنظيم لنا ولغيرنا. وكمثال صارخ على ذلك، لقد أردنا أن نؤسس حزبا سياسيا صادقا في تعاطيه مع قضايا الشأن العام، فأحالونا على القضاء الإداري أولا.. ثم دبروا لنا هذه المكيدة الأمنية البئيسة ثانيا، وذلك كإجراء لاحق لتبرير منع حزب الأمة وإرسال رسائل مشفرة إلى جهات مختلفة. اليوم، تحكي قصة منع تأسيس حزب الأمة ضيق الجغرافيا السياسية عند معسكر إعاقة الديمقراطية: أردنا تأسيس حزب سياسي فدبجوا لنا تهم محاولة المس بسلامة أمن الدولة الداخلي وملحقاتها. هكذا، نعود من خلال هذه القصة لنتجرع محنة السياسة ببلادنا ولنقف على وهم إرادة “الانتقال إلى الديمقراطية”. لقد أبرزت هذه القصة ومثيلاتها (محنة الصحافة، محنة العمل النقابي، ما تعرضت وتتعرض له جماعة العدل والإحسان من تضييق..إلخ..) أن الدولة ضد المجتمع، لأن الدولة في الأصل ما هي إلا إطار لتنظيم الاجتماع السياسي للشعب والمجتمع وبالتالي يتمثل دورها الأساس في تجسيد الإرادة الشعبية وليس تغييبها أو انتهاكها أو الالتفاف عليها، واحترام الدولة لتلك الإرادة هو الذي ينشئ شرعيتها الحقيقية، وعدم احترامها لتلك الإرادة يفقدها الشرعية ويجعلها ضد المجتمع. لقد أبانت مجموع الانتهاكات السياسية والحقوقية التي عرفتها بلادنا في السنوات الأخيرة أننا بحاجة أولا إلى دخول زمن السياسة بما هو زمن التدبير السلمي للاختلاف والإعلاء من شأن الحوار وإعمال العقل في إدارة الشأن العام.. ودخول زمن السياسة هو مدخلنا الطبيعي نحو الزمن الديمقراطي. ولذلك نفهم لماذا لا يمكن أن نتحدث عن مكتسبات سياسية وحقوقية نهائية بل هي مكتسبات هشة وتتعرض للانتهاك والانتكاس باستمرار بل قد تصبح قابلة للزوال. وإن من أبرز ما يميز محنة السياسة ببلادنا هو أن الفاعل السياسي مدعو ومطالب، تارة باسم “اللباقة” وتارة باسم “المرونة”(!)، إلى قول لا يقلق ولا يستفز ولا يثير حفيظة أصحاب القرار السياسي. وهذا ما وسع من مساحة “الرقابة الذاتية” في العمل السياسي، ولذلك لا نشعر بأننا نراكم في الإنجازات والمكتسبات السياسية ببلادنا. وبناء عليه نحن بحاجة إلى مقاربة جديدة للسياسة تقوم على أساس الحقيقة ولو كانت مرة ومؤلمة وذلك على قاعدتي الصدق والمسؤولية. فمادامت هناك عربدة في تدبير الشأن العام في مقابل “مرونة” و”لباقة”(!) الفاعل السياسي والحزبي (أي بمعنى “رقابته الذاتية”(!) فلا أمل في بلوغ المرامي الديمقراطية والتنموية والنهضوية. الشعب المغربي يبحث عن الوضوح الصادق والمسؤول حتى يجد ما يغريه في العمل السياسي، ولذلك مطلوب منا كفاعلين سياسيين اليوم أن نطلق قولا سياسيا جديدا يقطع مع مسلكيات الماضي من أجل إعادة الاعتبار والمعنى والمعقولية للسياسة. صحيح إنه مطلوب منا أن نختار كلماتنا فلا تتحول إلى سب وشتم وتنابز بالألقاب، لأن هذا هو الوجه الآخر لمحنة القول السياسي ببلادنا، إلا أن اختيار كلماتنا وحسن التعبير لا ينبغي أن يقود إلى التعمية أو الغموض. أما بعد، عطفا على رسالتي “الأشجار تموت واقفة وهيهات منا الذلة”، ومن منطلق التزاماتي السياسية والأخلاقية تجاه بلدنا وشعبنا وأمتنا، وحيث إن القضية اليوم أضحت أعقد منها في السابق بحيث أصبحت تمثل قضية كفاح شعب وأمة من أجل الحرية والكرامة واحترام الحقوقية الأساسية ودفع مستحقات الإصلاحات الأساسية وفي مقدمتها الإصلاحات الدستورية والسياسية والمؤسساتية ومنها إصلاح القضاء وتوفير الأمن القضائي.. وتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وغيرها من التزامات سياسية وحقوقية.. وأمام الاستهتار بالقانون وإرادة تبييض الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (تجدد الاختطاف والتعذيب)، ومع سبق الإصرار، وأمام العجز الفاضح عن تأمين محاكمة عادلة في إطار الضمانات القانونية لنا ولغيرنا. وحيث إن الإصلاحات الأساسية بهذا البلد لن تتنزل علينا بالموجه عن بعد وحيث إنه لا يمكنني السكوت عن اعتقال مواطنين على ذمة ملفات سياسية فارغة خدمة لأجندة عبثية، ومنهم المعتقلون على ذمة ما أصبح يعرف إعلاميا ب”قضية بليرج”، الذين اعتقلوا كوقود لها لتصفية حساب بئيس مع حزب الأمة، ومنهم معتقلو العدل والإحسان، ومنهم معتقلو ما يطلق عليه بالسلفية، ومنهم معتقلو الطلبة اليساريون.. كما لا يمكنني السكوت عما تعرض ويتعرض له الجسم الصحفي ببلادنا من اعتداءات وتضييقات متكررة إما بالإكراه البدني أو التغريم والتهديد بالإفلاس أو المنع، وحيث إنه لا يمكنني السكوت عما يتعرض له المعطلون من تضييق وقمع وهم يتظاهرون سلميا للمطالبة بحقوقهم المشروعة في الشغل والعيش الآدمي الكريم.. نعم، أجدني معنيا بكل المظلومين في وطني، ومنهم وفي مقدمتهم أولئك القابعين وراء القضبان.. - وحيث إنه لا يجوز السكوت على ما يتعرض له المشهد السياسي المغربي من عملية قهر وإخضاع وإكراه تحت ذريعة ترشيد العمل السياسي. وحيث إن الساكت عن العبثية إن لم يكن مشاركا فاعلا فيها فهو قابل بها، والقبول بالعبثية كما المشاركة فيها منكر، والأصل مناهضة المنكر ومقاومته. وحيث إن بلادنا وشعبنا وأمتنا تدعونا اليوم لأن نجود بما نملك درءا لمخاطر التأخر والتردد في دفع مستحقات الإصلاحات الأساسية، ومن أجل مغرب قوي أمين فإننا نعلن اليوم استئنافنا للإضراب المفتوح عن الطعام الذي تم تعليقه في 09 أبريل 2010.. وذلك دفاعا عن المغرب والمغاربة الذين يستحقون الأفضل والأحسن. نريد أن نجعل من هذه القضية الظالمة أو تلك الجارية أيضا (متابعة أعضاء من جماعة العدل والإحسان) أو تلك التي جرت بالأمس (للجسم الصحفي أو للتيار السلفي) لحظة مفصلية تاريخية لمحاكمة السياسات الظالمة المتبعة، وللاحتجاج على عدم دفع مستحقات الإصلاحات الأساسية وعدم احترام التعاقدات المدنية المجتمعية ولو بعلاتها (توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة مثلا)، وللمطالبة بتصحيح كل المظالم القضائية التي تأسست على خلفيات سياسية-أمنية في قضايا الرأي والسياسة وغيرها وذلك بإطلاق المعتقلين ورد الاعتبار لهم، وبتمكين المغاربة من الحق في التعبير والتنظيم بلا إكراهات أو قيود سياسية-أمنية خارج منطق القانون. وإنني لأعتبر أن كل مظلوم بهذا البلد معني بهذه الحركة الاحتجاجية السلمية والمدنية. كما أن الهيئات السياسية والحقوقية معنية بهذه المعركة.. وكذا كل هيئات المجتمع المدني وأهل الصحافة والفاعلون من أهل الفكر والثقافة هم معنيون بها أيضا. وقبل ذلك وبعده، ضحايا الانتهاكات الجسيمة الماضية والجديدة لحقوق الإنسان.. اليوم نطلق حركة احتجاجية سلمية ومدنية بيضاء نحمل فيها أكفاننا على أكتافنا ليسمع العالم صوتنا وليتحرك كل شرفائه محليا ودوليا لوقف العبثية السياسية بهذا البلد. لسنا مستعدين لمسايرة هذه العبثية.. ونحن نخوض هذه المعركة لنوقع نقطة نظام سياسية تاريخية لفائدة بلدنا وشعبنا وأمتنا. فلماذا الأكفان؟ لأنها هي ما تبقى لنا بعد الله سبحانه وتعالى لندافع عن حقنا كمغاربة جميعا في وجود حر، كريم ولائق. إنها رسالة بيضاء لنقول لكم اليوم: استمرار الفساد.. لا،.. استمرار الاستبداد.. لا، انتهاك الحقوق والحريات.. لا، التردد في دفع مستحقات الإصلاحات الأساسية والتعاقدات المدنية المجتمعية..لا، المتابعات السياسية الظالمة.. لا، الاعتقال السياسي أو بسبب الرأي..لا. (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) الأعراف 196-197. (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مومنين) آل عمران 139. (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) آل عمران 150. صدق الله العظيم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. محمد المرواني وتم بحمده وتوفيقه بالسجن المحلي بسلا في 16 ذو القعدة 1431 الموافق 25 أكتوبر 2010