في استطلاع رأي عشوائي بسيط قمنا به في أوساط بعض تلاميذة التعليم الثانوي التأهيلي من التعليم العمومي بإحدى المدن المتوسطة لبلدنا، والذي شمل عينة تتكون من أكثر من ثمانين تلميذا وتلميذة من السنة أولى باكالويا من مختلف المسالك.نسبة الذكور منهم تشكل 70٪، والباقي إناث. أغلبهم من الآدابيين بنسبة 60٪ من المحموع.إستطلاع رأي استهدف البحث عن جواب لسؤال:ما هو المشكل الذي يستأثر باهتماماتك وتعتقد أنه يستغرق معظم أوقاتك أكثر من الدراسة طوال السنة الدراسية؟، وكانت أهم الأجوبة التي حصلنا عليها وبدون ذكر النسب المائوية مايلي: – أغلب إجابات الذكور: الحاسوب والأنترنيت وما تبقى للمباريات الرياضية وفيما بعد الواجبات المدرسية.. -أما الإناث: مشاكل البيت ومتابعةالأفلام علىالتلفاز.. طبعا، هناك إجابات أخرى متفرقة، لكن أبرزها إستئثارا بإهتمام هؤلاء المتعلمين اليافعين والتي كشف عنها الإستطلاع هي تلك السالفة الذكر. ويبدولنا إذن مع هاته الأجوبة أن، هناك حلقة مفقود أو منطقة ظل مسحورة وخطيرة يتيه فيها التلميذ المغربي بعيدا عن المدرسة وواجباته الدراسية وأحياناحتى عن رقابة الأهل وإن لزم البيت إلى جانبهم.وهذه الحلقة المفقودة لاتزال تحتاج في نظرناإلى بحث معمق وشامل لفهم مدى تأثيرهاعلى ذهنية التلميذ وعلاقاتها بسلوكه في المدرسة وسيرورات إكتساب التعلمات ونتائج التحصيل الدراسي خاصة في عصر الصورة والأنترنيت وانتشار ظاهرة العنف والهدرالمدرسي.. كماأن الملاحظة الأخرى الأساسية الجديرة بالإهتمام هناوالتي كشف عنها الإستطلاع أيضا، تتمثل في الغياب التام في التفكير في الأفق المهني. وربما هذا راجع حسب إعتقادنا إلى طبيعة الفئة العمرية التي استجوبناها والتي تتمثل في فئة المراهقين الذين يعيشون تلك المرحلة الإنتقالية التي تتسم بالهشاشة..قلنا بالتفكير في الأفق المهني، لأنه في اعتقادنا ربماهو العامل الذي سيشكل الحافز السيكولوجي الأساسي لدى المتعلمين الذي سيشحذ همتهم من أجل البحث والإكتساب المعرفي والإهتمام بالدراسة، لكن الإستطلاع لم يسجل ولو حالة واحدة ثم الحضور لديها هذا الهم المهني في مسارها التعليمي والتربوي..أوربما، لأن ذلك راجع إلى تلك النظرة السوداوية حول الآفاق المهني بسبب سيادة البطالة وغموض الآفاق. فالبطالة هي مآل الأغلبية الساحقة من التلاميذ كما يعتقدالكثيرمن التلاميذ المستجوبين.. ومع نتائج هذا الإستطلاع البسيط نتساءل، هل لم تعد المدرسة تشكل فضاءا مغريايثير إعجاب التلميذ كما كان عليه الحال في الماضي مع مايقدم له خارج أسوارالمدرسة من وسائل تكنولوجية وترفيهية ومعلوماتية تحقق إشباعات لحاجات التلميذ النفسيةخارج أجواءالفصول الدراسية؟،طرحنا هذا السؤال، لأن المتأمل العادي للواقع المغربي في العقود الأخيرة، لايمكنه إلا أن يندهش أمام مجموعة من التغيرات التي يعيشها المجتمع في شتى المجالات، تغيرات يبدو معها أن اليومي في انطراحه وتسارعه يتجاوزنا ويتجاوز حتى المدرسة..هذا الواقع الذي ينفلت بسبب سرعته حتى من رقابة وملاحظة الباحثين المتخصصين، واقع يصعب إلتقاط تفاصيله اليومية المتسارعة..التلميذ يحتك بهذا العالم المتسارع ويغوص في بحره في إطار اليومي، بعيدا عن رقابة الأب الذي سرقه منه بدوره مشكل السعي والجري وراء اكتساب لقمة العيش.. وهكذا أضحى التلاميذ يرون أنه من السذاجة والجنون إعطاء الأهمية والخضوع لعالم لايقدم لهم أية نتيجة نفعية تساعدهم في فهم حياتهم اليومية والعملية.. وعليه، نرى من جهتنا، أن السوسيولوجيا والأبحاث التربوية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتقديم أكثر من حبة فهم لهذا اليومي الملتبس والمتسارع، ومع هذا الفهم نسعى إلى تقديم إجابات أساسية للمشاكل التي يطرحها هذا العالم المتسارع والمتجدد أمام التلميذ وأمام الآباء لفهم أبنائهم وحتى المؤطرين والمدرسة التي عليها أن تعمل على تحيين البرامج الدراسية لتساير كل المستجدات عوض أن تدرس برامج غير مكيفة مع العصر ولا التطور العلمي الحاصل في المجتمع وكافة المجالات..لكن، من سيقوم بإلتقاط تفاصيل هذا اليومي ومعالجتهافي ظل غياب البحث العلمي الرصين الذي يتتبع الظواهر؟، ومن سيقوم بهذا في بلد لايولي أية أهمية للبحث العلمي؟.. في موضوع آخرذي صلة، لا بأس هنا أن نستحضرماجاءفي إحدى اللقاءات التلفزيةعلى القناة الفضائية الألمانية DW :TV ذات مرةمع وزيرة التعليم الألمانية في برنامج لها مع القناة حول التعليم في المانيا وفي معرض حديثها عن التعليم في بلادها صرحت الوزيرةقائلة:التعليم في ألمانيايبدأمن الأسرة..فالأسرة هي المدرسة الأولى قبل أن يلتحق الطفل إلى المدرسة النظامية، وهذه الأخيرة ماهي إلا مراحل أخرى لتطوير المكتسبات المعرفيةالتي ستنمي شخصية هذا الطفل الذي سيصير مستقبلا عضوا مندمجا وفاعلا داخل المجتمع.والعلم والمدرسة يتطوران بتطور المجتمع، وكل ولاية في البلاد تشق الطريق الأجدر بها في التعليم..هذا فيما يتعلق بألمانيا،وإذا عدنا إلى بلدناالحبيب والذي هو المغرب وهذا هو الأهم، نجد أن الأسرة عندنا بالمقارنة مع ما قالته السيدة الوزيرة لازالت متخلفة والآباء أميون يتخلون عن أدوارهم في التربية، ويعتقدون أن المدرسة وحدها تستطيع تربية أبناءهم..كما أنهم لايبالون بما يفعله أبناؤهم وإن كانوا إلى جانبهم في البيت، ولايشاركون في تعليمهم بالصورة الكافية..وهناك أيضا انفصال بين عالم المدرسة وعالم البيت في بلادنامن نواحي شتى سأذكر منها على سبيل المثال لاالحصر، الإنفصال بين الدوارج المستعملة في البيت والشارع المغربي والمتمثلة في اللهجةالعربية أوالأمازيغية المثلتةولغات العلم في المدرسة التي هي الفصحى العربية والفرنسية والإنجليزية.. فإذا كان الآباء قد تخلوا عن مسؤوليتهم في تعليم وتربية أبنائهم للمدرسة، فإن المدرسة لوحدها-وهذا ما لايعرفة أغلب الآباء- غير قادرة على التعليم والتربية إذا لم يكن هنا تعاون بين المدرسة والبيت وكافة الشركاء الآخرين..وبدون هذا، سيظل التلميذ المغربي يتخبط في عالم أكثر إثارة له، عالم يثير دهشته واستغرابه ويلبي حاجات فضوله بعيدا عن رقابة الأهل والمدرسة والمجتمع..وهنا تكمن كل الخطورة التي يجهل الكثير عواقبهامستقبلا على حياة التلميذ/الفرد والمجتمع.. محمد حدوي