يعيش المغرب منذ سنوات على وقع تراجع كبير في القدرة الشرائية المواطنين المغاربة بالرغم من الاجراءات المتخذة للحفاظ على هذه القدرة الشرائية الا أن واقع الحال و منحنى التراجع يسير بشكل تصاعدي خصوصا في ظل الأرقام المقلقة التي تطرحها بعض هيئات الرصد الوطنية و التي اعتبرت قدرة المغاربة على التكيف و الوقوف في وجه التقلبات المتسارعة الأسعار ضعيفة جدا ۔ الحقيقة أن المشكلة الحقيقية التي تصادف الدراسين خلال التنقيب حول هذا الموضوع الشائك لا تتمثل في التساؤل حول أسباب الغلاء و ارتفاع الأسعار بقدر ما تتمثل في التساؤل حزل السبب الحقيقي الذي أدى الى عدم تحسن القدرة الشرائية للمغاربة بالرغم من البرامج و المخططات المفعلة منذ عقود طويلة۔ان تسقيف السلع في مجتمع يعتمد اقتصاد السوق و الحرية في تحركات البضائع يعتبر خروجا عن الفلسفة الكلية المؤطرة للحركية الاقتصادية برمتها و يحيلنا على التخبط في تصور هذه الشبكة الواسعة المعتمدة على الحركة الحرة المنضبطة اليا بالعرض و الطلب ۔طبعا لا يمكن اغفال الجوانب العديدة المتحكمة في السوق و التي تشكل اكراها للحكومات مثل الكوارث و المناخ و الاحتكار واليات التلاعب الا ان هذه العوامل لا يجب ان تؤثر على المبدأ الثابت للحكومات في رفع القدرة الشرائية للمواطنين و تطعيمها المستمر كي تواجه اي اكراهات او تقلبات مستمرة و لكن السؤال يظل مفتوحا حول الأسباب التي أسقطت المجتمع المغربي في التضخم و أصبح رهينة لتقلبات السوق ؟ اولا لابد لنا هنا من التذكير ان المغرب يصنف لدى الهيئات المالية الدولية عاى انه بلد ذو دخل ضعيف او محدود الجزء الأكبر من ميزانيته يعتمد على الضرائب و الاقتراض و لم تنجح الحكومات المتعاقبة من ىفع هامش تنويع مداخيلها لمواجهة التقلبات ما جعلها رهينة وضعيتها المالية ما ادى الى تضخم دينها العمومي حيث اصبح يلتهم بمفرده ضعفي ميزانية التعليم و الصحة مجتمعتين كما ان هذا الدين اصبح يعيش منذ سنوات طويلة عطبا هيكليا أثر على قدرة الدولة في الاقتراض في ظل غياب نسب نمو ترفع شيئا ما كن هذا العجز المزمن ۔ايضا فان الضرائب المغربية تعتمد بالاساس على موارد العمال و الموظفين و تنصل الاثرياء من اداءها مما قتل القدرة الشرائية للطبقة الوسطى و اعادت انتاج خطوط الفقر الدنيا ۔كما ان انخفاض النمو المستمر ادى الى تجميد مصادر خلق الثرورة خصوصا في ظل انحسار مؤشرات النمو في حدودها الدنيا لسنوات عديدة ناهيكم عن اختلال تحصيل الضرائب و التساهل في تحصيلها من كبار الموردين و المنتجين و فرضها على ذوي الدخل البسيط و المحدود ۔ ان الاكراهات الكثيرة التي يتخبط فيها الاقتصادي ببلدنا يستلزم محاربة تعارض التمثيليات فكيف يمكن تشريع المنافسة و تنظيم المبادرة الاقتصادية في ظل تحكم اصحاب المال في التشريع و احتكارهم سلطة التنظيم عبر تنوع الادوار التي يمثلونها و هذا ما يقتل المنافسة و المبادرة داخل النسيج الاقتصادي و يؤسس للوهن و الاحباط في ظل الاحساس بعدم تكافؤ الفرص بين الفاعلين داخل السوق الوطني و هذا ما اشار اليه صراحة تقرير مجلس المنافسة لسنة 2023. ان النقاش العمومي حول التضخم لم يجد بعد طريقه ليكون حوارا مجتمعيا حقيقيا يروم التشخيص الدقيق لواقع المجتمع عبر القنوات الرسمية و الهيئات المعتبرة و هذا ما يجعل الاحتقان سيد الموقف خصوصا و ان التقييم الذي قام به مجلس النواب بعنوان " القيم و تفعيلها المؤسسي " اعتبر ان المجتمع في حالة من القابلية الشديدة للاحتجاج بسبب التراجع المستمر في القدرة الشرائية للمغاربة و هو ما ينذر بأزمة مجتمعية قريبة ان لم تبادر الحكومة الى سن اجراءات اجتماعية تعيد الاطمئنان للشارع و تطفئ لهيب الغضب الذي يتعاظم يوما بعد يوم في نفوس المغاربة ۔ جمال الدين اجليان