الهوية المغربية ومسألة التعدد اللغوي : الجزء الرابع بعدما أن تناولنا في الأجزاء السابقة من هذه الدراسة مسألة ظهور ونشأة اللغة العربية، باعتبارها ظاهرة تاريخية اجتماعية بامتياز، وبالتالي فإنها سابقة عن ظاهرة الوحي، كما أكدنا ذلك في ثنايا الأجزاء السالفة الذكر، حيث حاولنا بكل موضوعية أبراز، ولو بإيجاز شديد، العوامل الموضوعية التي أدت إلى ظهور هذه اللغة بعد ما أن كانت مجرد لهجات متفرقة ومتعددة. وفي اتجاه واحد تطرقنا أيضا إلى مسار تحول اللغة العربية من واقع مجرد لغة بشرية مثلها مثل جميع اللغات إلى لغة " مقدسة" بعد مرحلة بزوغ الإسلام وتأسيس الدولة العربية الإسلامية بقيادة محمد بن عبد الله، وطرحنا في هذا المضمار العديد من الأسئلة الشائكة والمخيفة، أسئلة تنتظر إجابات حارقة ومنطقية من طرف القائلين ب " قدسية" اللغة العربية وليس إجابات أسطورية واللاتاريخية. علاوة على هذا تطرقنا كذلك إلى موقف الإسلام من إشكالية التعدد الثقافي بشكل عام، والتعدد اللغوي بشكل خاص جدا، حيث أوضحنا في هذا الصدد الموقف الايجابي للإسلام من هذه النازلة. هذا بالإضافة إلى موضوع ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المرتقب تعديله، ليس فقط لكون أن اللغة الأمازيغية هي لغة وطنية بامتياز، سواء بشهادة التاريخ والجغرافية أو بشهادة مختلف الدراسات العلمية الحديثة في هذا المجال، وهي الصفة التي لا تتوفر عليها حاليا اللغة العربية في بلادنا، وإنما لكونها تتوفر أيضا على الشرعية التاريخية والجغرافية كما يقول المفكر الأمازيغي احمد عصيد. هذا فيما سنخصص هذا الجزء لمناقشة موضوع العلاقة بين الأمازيغ واللغة العربية. بدون شك، يكتسي هذا الموضوع - نقصد هنا موضوع علاقة الأمازيغ باللغة العربية - أهمية بالغة في مسار إعادة كتابة وصياغة التاريخ السياسي والاجتماعي لتامازغا، وذلك باعتبارها الموطن التاريخي للأمة الأمازيغية. لهذا فإن موضوع البحث في حدود علاقة الأمازيغ باللغة العربية، يعتبر في تقديرنا الخاص، من أبرز المواضيع والإشكاليات التي واجهت الباحثين والمثقفين الأمازيغ الذين تناولوا تاريخ تامازغا(= شمال أفريقيا). وذلك نظرا لأهمية هذا الموضوع في معرفة التاريخ الحقيقي لهذه المنطقة، حيث يعتبر السؤالين التاليين: متى وكيف جاءت اللغة العربية إلى تامازغا من أهم الأسئلة المطروحة على الباحثين والمؤرخين الأمازيغ في هذا المجال. لهذا ارتأينا عزيزي القارئ في مستهل هذا الجزء الأخير من دراستنا هذه، التأكيد أولا على نقطة في غاية الأهمية فيما نحن بصدد مناقشاته وطرحه من الأفكار والآراء التي قد لا يوافقنا فيها العديد من القراء، وهي أن أهمية هذا الموضوع لا تكمن فقط في معرفة الوضع اللغوي السائد إبان ظهور اللغة العربية في شمال أفريقيا، هذا بصرف النظر عن كيفية ظهورها وانتشارها أيضا، أو كيف تم فرضها على أهل البلاد الأصليين، باعتبارها " لغة القران"، بقدر ما أن دراسة هذا الموضوع قد يؤدي بنا إلى معرفة واكتشاف العديد من الحقائق التي لا تقل أهمية على النتائج التي قد نتوصل إليها من خلال دراستنا لهذا الموضوع الشائك – نقصد هنا موضوع هذا الجزء – بشكل محدد وخاص، ومنها مثلا اكتشاف الأسباب الكامنة وراء تلك النظرة الإتنوغرافية التي أنتجها الكتاب والمثقفين المغاربة تجاه اللغة والهوية الأمازيغيتين، هذا بالرغم النتائج التي توصلت إليها العلوم والدراسات الإنسانية الحديثة في مجال اللغة والثقافة أولا، وفي مجال التاريخ والمجتمع الأمازيغيين ثانيا، حيث تؤكد معظم هذه الدراسات تواجد الأمازيغ في شمال أفريقيا قبل غيرهم من الأجناس، وخاصة قبل تواجد الجنس العربي في هذه المنطقة(37)، بل وأكثر من ذلك تؤكد لنا هذه الدراسات، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، دراسات حول الأركيولوجيا والأنتربولوجية واللسانيات، هذا بالإضافة إلى العديد من الدراسات العلمية في مجالات وميادين أخرى، منها مثلا الدراسات الإبستومولوجيا والميتودولوجبا التي لا تقل أهمية على الدراسات السابقة الذكر، قلنا، بأن هذه الدراسات تؤكد وتثبت لنا بالحجج المادية والمنطقية مجموعة الحقائق التاريخية الموضوعية، التي لا يمكن لنا التغاضي عنها عندما نتناول التاريخ السياسي والثقافي واللغوي والبشري والديني للمنطقة، وهي حقائق في غاية الأهمية، سواء في سعينا المشروع من أجل إعادة كتابة التاريخ الوطني الحقيقي لبلادنا لما قبل وبعد الإسلام أو حول حقيقية وجود اللغة الأمازيغية التي تعتبر من أبرز الخصائص التي يتميز بها الإنسان الأمازيغي. طبعا، هذا المعطى( المقصود هنا هو وجود دراسات علمية في شتى المجالات والميادين المعرفية) له دلالات عميقة ومصيرية في معرفة نوعية العلاقة القائمة بين الأمازيغ والعرب من جهة، وفي تحديد أصل الأمازيغ من جهة ثانية(38). ونظرا للدور التاريخي الذي لعبه الإسلام في عملية انتشار اللغة العربية خارج الجزيرة العربية أولا. وثانيا في بسط وهيمنة الاستعمار العربي على مناطق شاسعة من العالم تحت ذريعة نشر الدين الجديد ، ومن ضمنها تامازغا التي صمدت في وجه الغزو العربي الإسلامي لعقود طويلة جدا. قلنا، استنادا إلى هذه المعطيات نعتقد بأن مسألة الفصل بين الإسلام والعروبة هي مسألة أسياسية وحتمية في مسار مصالحتنا مع الماضي والحاضر والمستقبل، المصالحة التي تستوجب أولا الاعتراف الدستوري بالهوية الأمازيغية وبالانتماء الأمازيغي لبلادنا( =المغرب). كما وينبغي الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وثانيا إعادة كتابة التاريخ الوطني من جديد. ومن هذا المنطلق نرى أن مسألة الفصل بين الإسلام؛ باعتباره دين مقدس لمن يعتقد به من البشر، الذي شكل دون شك نقطة مفصلية في تاريخ وحياة العرب، حيث نقلهم من البداوة والتوحش إلى التمدن والحضارة يقول ابن خلدون، فالعرب لم تكن لديهم فلسفة ولا علم قبل ظهور الإسلام(39)، كما كان الأمر عند معظم الدول المجاورة لهم (الفرس مثلا) أو البلدان التي استولوا عليها فيما بعد (مصر وتامازغا مثلا) ؛ أي بعد النهضة الدينية والسياسية والعسكرية والفكرية التي عرفها العرب بقيادة محمد. ولكون أن الاحتلال العربي الإسلامي لتامازغا، الذي ساهم بشكل كبير جدا في تغيير حياة ونمط العيش لدى إمازيغن من جهة، وساهم بقسط كبير في تغيير سلوكهم من جهة ثانية، ليس من الناحية الدينية فقط، حيث اعتنق معظم الأمازيغ الديانة الإسلامية، بل حتى من الناحية الفكرية والنفسية واللغوية إلى حد ما. وهذا التغيير يتجلى أساسا في العديد من السلوك والممارسات التي لم تكون من ثقافة وقيم الأمازيغ قبل دخلوهم في الديانة الإسلامية، نذكر منها باختصار شديد، ظاهرة تعدد الزواجات والإرث( المجتمع الأمازيغي القديم لا يعرف تمايزا في الإرث بين الرجل والمرأة) وظاهرة الإعدام. لهذا فإن الدين عموما، والإسلام خصوصا، ظل يشكل أحد أبرز المحطات التاريخية في تاريخ الأمازيغ، وذلك لما ترتب عن الاحتلال العربي الإسلامي الغاشم لتامازغا من تحولات شبه جذرية في مخيلة وذهنية الإنسان الأمازيغي بشكل عام، وفي نمط تفكيرهم تجاه أنفسهم أولا، وتجاه الآخر ثانيا، حيث يشير الدكتور الحسين الإدريسي في هذا الباب بأن عنصر الدين كان دائما عنصرا جوهريا في حياة الأمازيغ القدماء، حيث اعتنق الأمازيغ مختلف الديانات السماوية ( وكذلك الديانات الوضعية)، دون أن يشكل ذلك خطرا ما على الهوية الأمازيغية، لكن مع توافد الإسلام على تامازغا عن طريق الاستعمار العربي (40)، شكل الإسلام تحولا جذريا في عقلية الأمازيغ، فالأمازيغ كانوا قبل الإسلام يعتقدون باليهودية والمسيحية ولكنهم كانوا متشبثين بهويتهم الأمازيغية، بينما بعد اعتناقهم للإسلام تخلوا عن هويتهم الأمازيغية لصالح الهوية العربية/ العروبة (41). على أساس هذه الخلفية نرى أن مسألة الفصل والتمييز بين الإسلام كدين مقدس والعروبة كفكر وإيديولوجية ابتكرها الإنسان العربي في مرحلة معينة من تاريخه، وبالتالي فهي خاصة بالإنسان العربي ومجتمعه، ولا تعتبر من الإلزام الديني/ القرآني، هي مسألة ضرورية وحتمية لتحقيق ما اشرنا إليه سابقا. انطلاقا من هذا التصور نرى بأن انضمام المغرب إلى المنظمة الإسلامية، واعتباره جزء من العالم الإسلامي هو شيء منطقي ومقبول لدى كافة الأمازيغ( ليس هناك اعتراض ما حول هذه النقطة بالذات)، لكن أن يتم انضمام المغرب إلى الجامعة العربية على أساس أنه بلد عربي، وشعبه جزء من الأمة العربية( وربما انضمامه مستقبلا إلى مجلس التعاون الخليجي)، فهذا الأمر لنا فيه كلام طويل، وطويل جدا. ومنبع كلامنا هذا هو اعتبارنا بأن القضية الأمازيغية لم تعد محصورة في الجانب اللغوي فقط، تماما كما يريد لها الخصوم، بل أنها أصبحت مسألة تهم هوية البلد وانتماءه، وبالتالي فالمطلوب ليس دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور المرتقب فقط، وإنما يجب أيضا التنصيص على أمازيغية المغرب في الدستور المنتظر، بل، ويجب الاشتراط والتنصيص مستقبلا على ثلاثة أمور أساسية في تقديرنا، إذا ما كنا بالفعل نريد المصالحة مع التاريخ والواقع، ومنها: الأمر الأول: يجب التنصيص على ضرورة إتقان الحكام وكبار المسؤولين في الدولة للغتين العربية والأمازيغية لتسند إليهم المسؤوليات العمومية. الأمر الثاني: يجب تغيير النشيد الوطني، فلا يعقل أن ينص الدستور المقبل على التعدد اللغوي والثقافي للبلاد ويتم أداء النشيد الوطني باللغة العربية. الأمر الثاني: إعادة كتابة التاريخ الوطني الحقيقي للمغرب. إن أهمية الفصل بين الدين والعروبة لتحقيق نوع من التوازن المعنوي في الشخصية المغربية الأمازيغية، أن جاز التعبير، نابع من الدمج والخلط الإيديولوجي الذي أقامه المفكرون بوجه عام، والإسلاميون بوجه خاص، بين المفهومين، فالدين أولا وأخيرا هو مجموعة من الطقوس والشعائر التعبدية (العبادات)، وهو أيضا مجموعة من القيم والمبادئ والثوابت والقوانين والأخلاق والإرشادات (المعاملات) التي تنظم علاقة الإنسان بربه. وهذه العبادات والمعاملات هي مسائل ثابتة ومقدسة لدى الإنسان المسلم، وهي أمور لا نعترض عليها مبدئيا، خاصة إذا كانت نابعة من القرآن الكريم ولا تتجاوز حدود الفرد والاختيار الشخصي للإنسان، على اعتبار أن الإسلام دين وليس دين ودولة من جهة، وعلى اعتبار الغموض والالتباس الناتج عن مكانة السنة داخل مخيلة الإنسان المسلم وفي الفقه الإسلامي من جهة ثانية(42). بينما تعتبر العروبة مجرد فكر وإيديولوجية ابتكرها الإنسان العربي في ظل سياق مجموعة من الظروف والتطورات التي كان يعيشها في فترة معينة من تاريخه. على أية حال سوف لا نقوم هنا بإعادة سرد تاريخ ظهور العروبة ومدى تأثيرها على الدين أولا، وعلى عقلية الأمازيغ ثانيا، كما سوف لا نقوم هنا بسرد تاريخ ظهور وتطور اللغة الأمازيغية، فهذه الأمور معروفة ومتداولة بشكل واسع جدا في أدبيات الحركة الأمازيغية(هناك العديد من الكتب والدراسات التي تتناول موضوع اللغة الأمازيغية والعروبة)، هذا مع الإقرار مسبق بأن اللغة الأمازيغية هي اسبق تاريخيا للوجود في تامازغا حسب الباحث الأمازيغي مصطفي أعشي(43). ومن خلال هذا الرأي نستنتج – نقصد هنا الرأي القائل بأن اللغة الأمازيغية هي اسبق تاريخيا من حيث الوجود بشمال أفريقيا مقارنة مع حضور العربية في نفس المجال الجغرافي– بأن اللغة العربية هي لغة وافدة على المنطقة وليست لغة وطنية أصلية في المنطقة. ومن الناحية المنطقية أيضا لا يمكن للإنسان العاقل أن يتصور عدم حدوث أي اتصال لغوي بين سكان شمال أفريقيا قبل مجيء العرب الغزاة إلى منطقة تامازغا، خاصة أن الدراسات التاريخية الحديثة تؤكد أن شمال أفريقيا هي مهد الإنسانية، فحكاية ظهور ادم في شبه الجزيرة العربية (جبل عرفات) أو في الهند كما تقول بعض الآراء فيها كلام ونقاش طويل ، فعلى ضوء المستجدات التي عرفها البحث العلمي التاريخي حول مكان وزمن ظهور الإنسان للوهلة الأولى في الكون، يجب علينا إعادة النظر في الحكاية التي بأن ادم "نزل" في شبه الجزيرة العربية أو الهند (44). لقد حددنا في الأجزاء السابقة أن ظهور وانتشار( بالمعنى النسبي للكلمة) اللغة العربية في شمال أفريقيا كان نتيجة عنصرين جوهرين، وهما الإسلام والاستعمار العربي(45)، لكن هناك من له رأي آخر في الموضوع. وهذا الرأي يعتبر بأن وجود اللغة العربية في شمال أفريقيا كان قبل الغزو العربي الإسلامي للمنطقة، نتيجة عاملين أساسيين الأول نتيجة الهجرة، والثاني نتيجة التجارة(46). طبعا، نحن لا ننفي هنا وجود مثل هذه العلاقة بين العرب والأمازيغ خلال مرحلة ما قبل الاحتلال العربي لتامازغا، سواء كانت هذه العلاقة ذات طابع إنساني محض( هجرة/ زواج..) أو ذات طابع تجاري واقتصادي، خاصة إذا ما عرفنا الموقع الجغرافي لمنطقة شمال أفريقيا، وهي منطقة إستراتيجية بكل المقاييس، وإذا ما عرفنا أيضا طبيعة الإنسان العربي قديما حيث كان يتميز بالتنقل والترحال الدائم من جهة، وممارسته للتجارة من جهة ثانية. ويجدر الذكر هنا بأن مكة كانت حينذاك تعتبر من أبرز مراكز التجارة في الشرق الأوسط. لكن السؤال المطروح هنا هو: ما هو حجم هذه العلاقة وما مدى تأثيرها ومساهمتها في ظهور وانتشار اللغة العربية في منطقة شمال أفريقيا؟. محمود بلحاج/ هولندا للتواصل: [email protected] بعض الهوامش: 37: هناك من العرب من يعتقد بأن أصل البشر جميعا مهم العرب مثل ما يقول صاحب ، كتاب " حضارة العرب" السيد مصطفى الرافعي – منشورات دار العالمية للكتاب –بيروت /لبنان ، الطبعة الرابعة،( ص 23). 38: راجع في هذا الصدد دراستنا حول الحضارة الأمازيغية والتزييف المستمر المنشورة في العديد من المواقع المغربية الأمازيغية ومنها موقع دليل الريف وأريفينو وغيره من المواقع. 39: انظر في هذا الصدد كتاب " فجر الإسلام " تأليف أحمد أمين ، منشورات النهضة المصرية ، الطبعة 21 . 40: من الأمور المعروفة في الدراسات الإسلامية هو استغلال القادة السياسيون والعسكريون في الدولة العربية الإسلامية للدين الإسلامي في عملية عزوهم واستعمارهم للشعوب والمناطق الأخرى: انظر في هذا الصدد الأعمال الكاملة لهادي العلوي " خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الإسلام " منشورات دار المدى – الطبعة الثالثة . 41: الحسين الإدريسي " الأمازيغية :الدين والحداثة بحث في حدود العلاقة " منشورات الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة – الطبعة الأولى. 42: هناك خلط كبير جدا بين الدين والسياسة من جهة وبين القرآن والحديث/السنة من جهة ثانية، فإذا كنا لا نعترض على الأحكام القرآنية فإن وضع واعتبار السنة/ الحديث المصدر الثاني للتشريع ، بل وفي بعض الأحيان في مرتبة أعلى من القرآن نفسه فهذا الأمر غير مقبول في عصرنا الحديث لعدة اعتبارات. كما أن الموضوع يطرح علامات استفهام كثيرة، حيث نلاحظ في بعض الأحيان تجاوز السنة دور القرآن نفسه، بمعنى آخر أن السنة تلغي القرآن في حالات عديدة، كما هو حاصل مثلا في مسألة الردة، فبينما نعلم جيدا بأن حكم الردة غير وارد نهائيا في القرآن نجد بأن السنة / الأحاديث تقرر وتوصي بقتل الإنسان الذي يتخلى عن الإسلام بعد اعتناقه. كما نجد أيضا العديد من الأحاديث التي تناقض مع مبدأ التسامح والتعايش الذي ينص عليه القرآن الكريم، وهذا الأمر يخلق صراع وتناقض بين القرآن والسنة. هذا علاوة على وجود إشكالات أخرى مرتبطة بهذا الموضوع، أولها هي مسألة تدوين السنة / الحديث، حيث تخبرنا المصادر التاريخية بأن هذه المسألة قد تمت بعد أزيد من 240 سنة من وفاة الرسول، وثانيها هي ظروف وسياقات ظهور عملية تدوين الحديث، وثالثها وهي أن اعتبار السنة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي يتناقض ضمنيا مع الفكرة الشائعة حول أمية الرسول. فإذا كان مثلا الرسول (ص) إنسان أمي لا يعرف القراءة والكتابة فمن أين جاء بهذه السنة التي هي عبارة عن الأفعال والأقوال والأحكام التي طبقها الرسول أو فعلها، فإذا كان الجواب بأن ذلك جاءه من الله باعتباره نبي فهذا يعني بأن هناك كتاب آخر( وحي آخر) نزل على النبي غير القرآن ؟. نضيف إلى هذه الأمور مسألة عدد الأحاديث والأشخاص الذين قالوا هذه الأحاديث، فأبي هريرة وحده له 5247 حديث، وعائشة 2210 ، ولكل من جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس أزيد من 1500 حديث بينما نجد عند عمر بن الخطاب 528 ومنها 50 صحيح فقط. فإذا أخدنا هذه الأرقام وتعاملنا معها بالعقل والمنطق سنلاحظ بسهولة تامة العديد من الإشكاليات والتناقضات ومنها مثلا كيف يعقل أن تكن ل عمر الخطاب 528 حديث فقط، بينما لدى أبي هريرة 5274 ولعائشة 2210 ونحن نعلم أن عمر اسلم بعد خمسة سنوات تقريبا من بدا الدعوة بينما أبو هريرة اسلم بعد العام الرابع للهجرة ولم يعيش مع الرسول سوى 3 سنوات فقط، فمن أين جاء أبو هريرة بهذا الكم الهائل من الأحاديث؟. وهل يعقل كذلك أن يتفوق أبو هريرة في عدد الأحاديث عن عائشة وهي زوجة الرسول التي عاشت أطول فترة مع الرسول مقارنة مع أبو هريرة؟ وإذا كان عدد الأحاديث الصحيحة عند عمر هي 50 حديث فقط من أصل 528 كما أورد احمد أمين في كتابه المذكور أعلاه، فلماذا قال عمر كل هذه الأحاديث وهو الذي كان يرافق الرسول في كل شيء تقريبا؟ وكيف عرف الذين كتبوا السنة بعد 240 سنة من وفاة الرسول بأن ما مجموعه 487 حديث قالها عمر غير صحيحة وهم لم يعيشوا في زمن الرسول (ص)؟. نضيف إلى هذا بأن أبو هريرة لا يعرف القرآن والكتابة عكس عمر وعائشة. 43: انظر كتاب " جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ما قبل التاريخ " تأليف الدكتور مصطفى أعشي، منشورات طارق بن زياد – الطبعة الأولى 2002 44: تؤكد الدراسات العلمية الحديث بأن ظهور الإنسان الأول كان في صحراء التشاد ، انظر المرجع السابق مصطفي أعشي 45: بدون شك هناك عناصر وعوامل أخرى ساهمة بشكل كبير وحاسم في انتشار اللغة العربية في تامازغا ومنهم دور الأمازيغ أنفسهم في عملية انتشار وسيادة اللغة العربية في بلادهم. 46 " انظر في هذا الصدد كتاب " الأمازيغية في ميثاق التربية والتكوين أو سياسة الميز اللغوي " منشورات جمعية البحث والتبدل الثقافي.