وهبي يرفض صياغة القوانين على مقاس الفئات المهنية ردا على الاحتجاجات        الوكالة الوطنية للمياه والغابات تعلن عن الانطلاق الرسمي لموسم القنص 2024-2025    انتخاب المغرب على رأس الأمانة العامة للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية ذات الاختصاصات القضائية    بوريطة: موقف المغرب واضح فيما يتعلق بالشرق الأوسط    بعد انسحابه بسبب قميص نهضة بركان.. لجنة الإنضباط للكاف تعاقب اتحاد العاصمة الجزائري بغرامة ثقيلة    بعد غارة هي الأعنف من نوعها على لبنان.. نتنياهو يعلن مقتل هاشم صفي الدين خليفة حسن نصر الله    وزارة الثقافة: اختيار اليونسكو للرباط كعاصمة عالمية للكتاب لسنة 2026 ثمرة لالتزام بلادنا بالنهوض بالثقافة وبدمقرطة المعرفة    المغرب أول دولة إفريقية تحصل على علاج "Tpoxx" لمواجهة مرض جدري القردة    تضمنت اتفاقيات شراكة تهم الناظور والدريوش.. مجلس جهة الشرق يصادق على 46 نقطة خلال دورة أكتوبر    البرلمان الأوروبي يرفض إدراج قرار المحكمة الأوروبية في جدول أعماله    المغرب يواجه شبح ارتفاع أسعار المحروقات مع تصاعد توتر الشرق الأوسط        25 قتيلا و2967 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    تصفيات كأس أمم إفريقيا المغرب 2025 توتال إنيرجيز: مواعيد مباريات الجولة الثالثة    طنجة تحتضن فعاليات النسخة الثانية من "ملتقى ومعرض الأعمال المغربي-الليبي"    السكوري: قطاع الهيدروجين الأخضر من المتوقع أن يوفر حوالي 300 ألف فرصة عمل مباشرة بحلول عام 2030    المغرب يؤكد استعداده لاستعادة المهاجرين السريين والقاصرين    المغرب يبدي استعداده لاستقبال المهاجرين القاصرين محذرا من "الفراغات القانونية" في الدول الأوربية    تطوان.. الملتقى الجهوي يوصي بتعزيز التحول الرقمي للتعاونيات الفلاحية النسائية    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    "هِمم" تعبر عن قلقها بخصوص الوضع الصحي للنقيب زيان وتجدد المطالبة بالإفراج عنه    عالم بلا بوصلة    هيئة النزاهة تنتقد تأخر إحداث الوكالة الوطنية الخاصة بتدبير الأموال المحجوزة المتأتية من الفساد    المركز السينمائي المغربي يكشف عن قائمة مشاريع الأفلام الطويلة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    "الابتكار الثقافي بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية" شعار مهرجان أجذير إيزوران بخنيفرة    دليلة بلكاس تكشف عن إصدار فيديو كليب جديد وتنتظر دعم جمهورها    توقيف 4 أشخاص بالبيضاء يشتبه ارتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في سرقة السيارات    اغتصاب قاصر يورط عشرينيا في تزنيت    مجموعة بريد المغرب والبريد البرتغالي « CTT كوريوس» يطلقان إصداراً مشتركاً لطابعين بريديين    فينتربيرغ يرأس حكام مهرجان مراكش    "التعلم الآلي" ينال جائزة نوبل للفيزياء    الفنان هشام شبري يطلق أغنيته الجديدة «يازين السمية»    نسبة التضخم ترفع الأسعار في المغرب    الإفراط في القهوة والمشروبات المكربنة يجلب السكتة الدماغية    دياز يعود للتدريبات الفردية ويستعد للعودة إلى التشكيلة    ذكرى 7 أكتوبر… مسيرات ووقفات بعدة مدن مغربية للمطالبة بوقف العدوان وإسقاط التطبيع (صور)    دراسة: الرصاص في المنتجات الاستهلاكية يتربص بالأطفال    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة المغربية والتزييف المستمر: الجزء الثاني

أهمية البحث العلمي لمعرفة حقيقية الغزو العربي لشمال إفريقيا:
إن إخضاع موضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا، للمنهج العلمي التاريخي وللمناهج العلمية الأخرى من اجل الدراسة والبحث العلمي، الذي يقتضى الموضوعية والحياد في تناوله للأحداث والقضايا المطروحة عليه قصد البحث والمعالجة العقلانية. وبالتالي بعيدا عن التناول الأيديولوجي، السائد مع الأسف، في معظم الكتابات العربية التي تعالج هذا الموضوع، سواء القديمة منها أو الحديثة، حيث أن الإكثار من استثمار الخرافات والأساطير هي السمات البارزة في هذه الكتابات، وهي كتابات تعتمد في مجملها على أسلوب الرواية والاسناد.
وفي الواقع الأمر، هذا الأسلوب لا يؤدى بنا إلى مراكمة معرفة علمية وعقلانية حول الموضوع؛ أي موضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا، لهذا فانه من الصعب علينا في الوقت الراهن، إجراء حوار وجدل علمي ومعرفي حول هذا الموضوع الشائك جدا، نتيجة اعتبارات عديدة سنأتي على ذكرها فيما بعد، وإنما يؤدى بنا إلى إعاقة الإنتاج الفكري الديمقراطي الحداثي المطلوب لمعالجة قضايا الاختلاف من جهة، ومسايرة التطور الفكري والحضاري للعصر الذي نعيش فيه من جهة أخرى.
وبكل صراحة كذلك، يقع أغلبية الكتاب والباحثين المغاربة، وخاصة الذين لهم توجهات قومية إسلامية، في خطأ فادح عند تناولهم لموضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا، أو عند تطرقهم للمواضيع ذات صلة وثيقة بهذه الواقعة التاريخية، وهو خطأ الانتقاء. الانتقاء الذي يوافق وجهة نظرهم وقناعاتهم الفكرية والسياسية، التي يقدمونها كحقائق لا تقبل النقض، هذا بغض النظر عن مدى صحتها، و عن مدى تطور نتائج البحث العلمي في مجالات مختلفة وقضايا متعددة. وفي هذا الصدد يقول مالك بن نبي" أن كل من يدخل العصر ولا يدرك إضافات المعرفة الإنسانية لن ينجو من سخرية التاريخ..".
وهناك أيضا مسالة غياب الحجج العلمية والمنطقية التي تؤيد وجهة نظرهم ومواقفهم، التي هي مواقف ذاتية وسياسية بامتياز ( في أغلبيتها المطلقة) ، وليست مواقف علمية وموضوعية. وهي في غالب الأحيان كتابات تتميز بالمدح والتعظيم المفرط لكل ما هو عربي مشرقي، وفي الجانب الآخر، يستهزئون ويرفضون كل ما هو وطني/ محلي أمازيغي، وخاصة إذا كان خارج السياق العربي الإسلامي. فهكذا نجدهم يرفضون على سبيل المثال: كسيلة، وماسينيسا، ويوغرطة وغيرهم من القادة وملوك الأمازيغ(12)، بينما يعتزون بشخصيات أمازيغية إسلامية مثل طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وعبد الكريم الخطابي وغيرهم من الشخصيات الأمازيغية الإسلامية، وكتابات كل من عبد الكريم السكاكي، التجاني بولعوالي، مصطفى الخلفي، سعد الدين العثماني،عمر أمكاسو وعبد السلام ياسين نموذج، وهناك طبعا كتابات أخرى كثيرة لا يتسع لنا المجال لذكرها جميعا.
لهذا فان مسالة إخضاع موضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا عموما، وللمغرب خصوصا، للفحص والبحث العلمي التاريخي، وكذلك القضايا والإشكالات الأخرى المرطبة بالموضوع ومنها: علاقة الأمازيغ بالعرب، وكيفية انتشار الإسلام بين الأمازيغ، وأصل الأمازيغ..، وغيرها من المواضيع التي تسترعى انتباه الباحثين والدارسين لهذه الواقعة التاريخية، من شانه؛ أي البحث العلمي، أن ينفض الغبار عن الكثير من الحقائق التي يحجبها الفكر القومي العربي، وكذلك التأويلات السياسية الممكنة لهذه الواقعة التاريخية.
ومن هذا المنطلق، فان مسالة الاعتماد على البحث العلمي الحديث لمعالجة القضايا العويصة والشائكة جدا داخل المشهد الفكري والسياسي في بلادنا، نتيجة تداخل عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، منها ماهو: ديني، وأنساني، وتاريخي، وفكري، وسياسي، واجتماعي، واقتصادي..، تعتبر في نظرنا المتواضع، مسالة في غاية الأهمية للكشف عن كثير من جوانب تاريخنا وماضينا، ومن ثم تصحيح العديد من الافتراءات والأساطير التي شوهت تاريخنا وحضارتنا. وذلك في أفق تحقيق المصالحة الحقيقة مع الماضي، وولوج بعد ذلك عصر الديمقراطية والحداثة بشكل سليم وطبيعي.
علاوة على ذلك، فان إخضاع هذا الموضوع للبحث العلمي العقلاني سيتيح لنا إمكانية فهم واستيعاب أفضل لوقائع وأحداث تلك الواقعة التاريخية الفاصلة في تاريخ الأمازيغ. وتأكيدنا على ضرورة إخضاع موضوع الغزو العربي للبحث العلمي التاريخي، وكذلك للمناهج العلمية الأخرى، ومنها: الإبيستمولوجيا، والأركيولوجيا، والأنتربولوجيا، والفيلولوجية وغيرها من العلوم الحديثة الأخرى، نابعا من قناعتنا الراسخة بأهمية هذه العلوم في معالجة مواضيع شائكة من قبيل هذه المواضيع، التي امتزجت فيها الحقيقة بالأسطورة والعلم بالأيديولوجية.
نضيف إلى هذا أن المناهج العلمية الحديثة توفر لنا إمكانيات هائلة لمعرفة الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية واللغوية لبلادنا، سواء القديمة منها أو الحديثة، ولو بالمعنى النسبي لكلمة الحقيقية. هذا زيادة على أهمية تصحيح المعطيات الخاطئة والتمييزية حول تاريخ وحضارة شمال افريقيا / المعرب. حقائق قائمة على أسس علمية وموضوعية، وليست حقائق وهمية وخرافية كما هو الأمر الآن ، حيث أن أغلبية " الحقائق " التي تقدمها الكتابات العربية حول الموضوع، وخاصة كتابات الإسلاميين، هي "حقائق" مبنية على الميثولوجيا والهرطقة، التي تتحكم فيها نظرتين متناقضتين، أولها نظرة التعظيم والتقدير للوافدين الجدد على بلادنا، وثانيها هي نظرة التحقير للمواطنين المحلين والأصلين.
حقائق قد لا يقبلها بعضنا نتيجة انعراس قناعات في وجداننا يصعب انمحاؤها، ونحن لسنا هنا للانتقاص من عظمة الإسلام، وإنما هدفنا هو تبيان الآراء والمغالطات الخاطئة التي تصاغ حول الغزو العربي لبلادنا، وحول علاقة الأمازيغ بالعرب أيضا، وهي أراء بشرية ليست بالضرورة مقدسة.
ومن المرتكزات " الفكرية" التي تستند إليها كتابات القوميين المغاربة بوجه عام، والإسلاميين بوجه خاص، في مناقشتهم لخطاب الحركة الأمازيغية، وفي مسالة إعادة كتابة تاريخ المغرب تحديدا، هو إقحامهم الفظيع والرهيب للإسلام في صراعهم السياسي والفكري مع الحركة الأمازيغية بالمغرب، وهم لا يتوارون في الكذب على الجمهور (القراء) من اجل تشويه وتقويض خطاب الحركة الأمازيغية ، من قبيل القول " أن المناضلين الأمازيغ يعادون اللغة العربية والإسلام " أو عبر الترويج المفتعل " لصراع اثني" بين العرب والأمازيغ وغيرها من التهم المجانية والأقوال الفارغة، التي لا أساس لها من الصحة، وهم بذلك يتعاملون مع خطاب الحركة الأمازيغية كمجموعة من المواقف والمفاهيم الجامدة، ولا يقرؤون خطاب الحركة الأمازيغية ( المواقف والمفاهيم) في سياق تطور العمل الأمازيغي.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، لا يقرؤون خطاب الحركة الأمازيغية في سياق التحولات العارمة التي يعيشها المجتمع المغربي، وكذلك المجتمع الدولي خلال العقدين الآخرين، خصوصا على المستوى السياسي والثقافي والإعلامي والحقوقي. فعل سبيل المثال نجد في كتابات القومين والإسلاميين المغاربة تنديد ورفض عارم لفكرة العمل السياسي الأمازيغي، التي تنادى به مجموعة من الفاعلين والمناضلين الأمازيغيين، ويمكن الإشارة هنا إلى موقف عبد السلام ياسين، سعد الدين العثماني، عبد القدر الشاوي، محمد ظريف، عبد الحميد العوني وغيرهم من المثقفين المغاربة، دون أن يفكر هؤلاء المثقفين في الأسباب التي أدت بالأمازيغ إلى التفكير في ممارسة العمل السياسي الحزبي الأمازيغي. وهم بذلك يمارسون دون شك نوع من الإرهاب الفكري والنفسي على المناضلين الأمازيغيين.
طبعا، لا يعبر انتهاج هؤلاء الكتاب والباحثين لهذا الأسلوب الرديء والحقير في تعاملهم مع خطاب الحركة الأمازيغية، وفي معالجتهم لقضايا الاختلاف داخل المجتمع المغربي الأمازيغي، عن أزمة التواصل مع خطاب الحركة الأمازيغية فقط، وإنما يعبر أيضا عن أزمة المعرفة لدى هؤلاء المثقفين. وهنا بالذات نطرح السؤالين التالين:
كيف يمكن القول أن الحركة الأمازيغية بالمغرب تناهض (أي ضد) الإسلام واللغة العربية، أو انها تخوض صراعا عرقيا/ اثنيا، وهي؛ أي الحركة الأمازيغية، تعتمد الحداثة والعلمانية في نضالها الديمقراطي المشروع باعتبارها قيم ومبادئ فكرية وحضارية ؟.
كيف يمكن أن يكون المرء حداثيا وعلمانيا وفي نفس الوقت يعادي الآخر على أساس اللغة والدين واللون والعرق؟
فالحداثة تتجاوز المحلي والذاتي، كما قال الكاتب والشاعر الأمازيغي محمد أسويق( انظر مقاله تحت عنوان: القيم الأمازيغية وسؤال الحداثة) وهي بذلك لا يمكن لها أن تكون ضد الآخر (العرب في حالة المغرب) انطلاقا من اللغة والعرق والدين واللون.
ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، فإننا لا نطرحها من اجل الاستفزاز أو التهكم على احد ما، ولا نطرحها من اجل الاستهزاء والتنقيص من القيمة المعرفية للآخر، هذه ليست غايتنا ولا من سلوكنا، وإنما نصوغها انطلاقا من قناعتنا الراسخة بان الحداثة تتجاوز الفكر الشوفيني العنصري الضيق، القائم على أساس العرق واللغة والدين واللون. هذا من جهة ومن جهة أخرى، نصوغها أيضا انطلاقا من قناعتنا بان النظام العلماني ( العلمانية هي فكر وفلسفة، والمقصد بها هو فصل الدين عن الدولة) هو نظام قائم أساسا على مبدأ المواطنة للجميع والوطن المشترك للجميع، وليس على أساس اللغة المشتركة، أو الدين المشترك أو العرق المشترك، والعلمانية هي منهج(طريقة) لتنظيم المجتمع والدولة، وهذا لا يتعارض بالضرورة مع الدين.
وبناء على مسبق، نقول أن خطاب الحركة الأمازيغية ومطالبها المشروعة، ليست مبنية على أساس العرق الصافي أو معادة الإسلام أو اللغة العربية إطلاقا، وإنما على أساس ثقافي وأنساني، بمعنى أخرى انطلاقا من وجود مجموعة من بشرية واسعة (في حالة المغرب تشكل أغلبية) لها ثقافة مشتركة، وتاريخ مشترك، ولغة مشتركة، ومصير مشترك، وتراث مشترك، ووطن مشترك، ومصالح سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة، وهذا ليس بالضرورة ضد حق الآخر (العرب) في الوجود باعتباره جزء من المجتمع المغربي الأمازيغي، وبالتالي فهو مواطن كامل الحقوق والواجبات، وله الحق في الوجود بذاته كما يريد.
ولكي أعود إلى موضوعنا نشير هنا إلى ان الخطير في الأمر هو أن التهم والإشاعات التي ينتجها ويروجها هؤلاء المثقفين ضد الحركة الأمازيغية ومناضليها لابسوها لبوسا إسلاميا، حسب تعبير الدكتور الحسين الإدريسي. وهي كتابات تقدم للقراء على أساس أنها " حقائق " مطلقة لا يعتريها الشك. مما يصعب على الباحثين والمفكرين العقلانيين والحداثيين تناولها؛ أي " الحقائق" ، بشكل ديمقراطي وعقلاني، نتيجة خوفهم من ردة فعل قوى الاستبداد والظلام في بلادنا، حيث كثيرا ما تستغل هذه القوى مسالة الإسلام لتصفية حساباتها السياسية مع القوى الديمقراطية، ومنها الحركة الأمازيغية التي تطالب بإعادة كتابة التاريخ الوطني بشكل علمي وموضوعي.
وعندما تشن حملة الإشاعات ضد الأمازيغ فإنها لا تهدف إلى تخويف الشخص نفسه، مع انها تتناوله شخصيا، وإنما تهدف إلى وضع حاجز نفسي ومعرفي وأخلاقي بينه وبين المجتمع. ولهذا يتم منع الكلام العلمي والمنطقي من الوصول إلى العقول، وبهذا يتم كم الأفواه. ونحن عندما نقول هذا الكلام فإننا ندرك جيدا أن الإشاعة في المجتمعات التقليدية والمتخلفة، كالمجتمع المغربي أقوى من وسائل الاتصال والإعلام.
لهذا نقول، ونشدد على ذلك، أن مسالة إخضاع هذه الواقعة المهمة في تاريخنا، وفي تاريخ العرب والمسلمين أيضا، للمناهج العلمية هي مسالة ضرورية في السياق العام للصراع الفكري والسياسي الجاري داخل المجتمع المغربي، بين قوى الاستبداد والتخلف والانغلاق من جهة، وبين قوى الحداثة والديمقراطية والانفتاح من جهة ثانية. ومهمة أيضا في سياق بحثنا الديمقراطي لمعرفة أطوار تلك الواقعة المهمة في تاريخنا، كما اشرنا إلى ذلك سابقا، وذلك في أفق إعادة كتابة التاريخ الوطني لبلادنا، الذي (= التاريخ) مازال يشوبه الكثير من الغموض والالتباس الناتج عن القراءات والتأويلات الأيديولوجية للموضوع.
ومن هنا فان امتلاك إمازيغن عموما، والمناضلين الأمازيغيين خصوصا، للوعي التاريخي النقدي ضروري في صراعنا الديمقراطي المشروع من اجل إعادة كتابة تاريخ المغرب.
وعندما نؤكد على أهمية هذه المسالة، فإننا ندرك جيدا أن أغلبية الدارسين والباحثين المغاربة والعرب، الذين يتناولون موضوع الغزو العربي لشمال أفريقيا يأخذون أقوال السلف "حقيقة مسلمة " لا يأتيها الباطل أو الشك، وهذا معناه التسليم بالقديم والوهم بعصمته من الخطأ. وهذا النوع من التفكير التقليدي يؤدي بنا إلى " انسدال الحجب الكثيفة بين الإنسان وبين ما قد جاءت به الأيام من تطورات في العلم والمعرفة"، على حد تعبير الدكتور زكى نجيب محمود.
وخلاصة القول، هي اننا إذا ما أخضعنا مسالة الغزو العربي لبلادنا (تامازغا)، الذي شكل منعطفا حاسما في مسار التطور التاريخي للشعب الأمازيغي، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، للمناهج العلمية الحديثة فانه بدون شك، سيثبت انتماءنا الحضاري التاريخي لشمال أفريقيا/ المغرب، وفي نفس الوقت سيعزز ثقتنا في الحاضر والمستقبل، خاصة أن فئة عريضة من أبناء الشعب المغربي الأمازيغي، وخاصة الشباب ، يعيشون ما يعرف " بأزمة الثقة". ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن معرفة الماضي مسالة مهمة لمواكبة العصر ومواجهة تحدياته ، حيث تقول احد المقولات " من ملك الماضي ملك المستقبل" .
لقد شكل انضمام شمال افريقيا إلى ما يسمى تعسفا " بالحضارة العربية الإسلامية " (13)، تحولا كبيرا في مسار تقدم وازدهار هذه الحضارة، سواء على المستوى السياسي والحربي ( غزو أندلس وجنوب الصحراء) أو على المستوى الفكري والعلمي، حيث سيبرز عدد كبير من العلماء والمفكرين المنحدرين أساسا من شمال افريقيا، الذين مازالت إسهاماتهم حاضرة إلى يومنا هذا في الفكر الإنساني. ونذكر بالخصوص: ابن خلدون، ابن رشد، ابن بطوطة وغيرهم من المفكرين والعلماء المنحدرين من هذه البقعة الجميلة (تامازغا) من العالم الإسلامي.
لقد مهدت بلادنا بانضمامها إلى حاضرة الدولة العربية الإسلامية الاستبدادية، خاصة في عهد الأمويين، الطريق أمام هذه الأخيرة للتوسع والانتشار في مناطق أخرى من العالم، وخاصة نحو أوربا (الأندلس) وجنوب الصحراء (14).
ومن المؤكد عزيزي القارئ، أن تطبيق هذه المناهج ستؤدي بنا إلى نتائج مذهلة ومغايرة لما هو سائد حاليا من " الحقائق " الوهمية حول الغزو العربي لبلادنا. نتائج قد تصدم العديد من المهتمين والباحثين قبل عموم الناس، مما سيجعلنا نكتشف حقيقة هذا الغزو المدمر بكل المقاييس، والمنافي لمبادئ الإسلام الأساسية.
وعلاوة على ذلك، نستطيع من خلالها؛ أي من خلال المناهج العلمية الحديثة، معرفة طبيعة وحجم الجرائم التي ارتكبتها الدولة العربية الإسلامية في حق الأمازيغ بذريعة نشر الإسلام، معرفة علمية ودقيقة. وهي الجرائم التي كانت في نظر المفكر المغربي القومي الدكتور عبد الله العروي ضرورية وحتمية في سياق ترسيخ أركان الدولة الحديثة الناشئة(15). وهذا الموقف قد نستطيع فهمه من الناحية السياسية والحربية، وهو موقف يحاول تحليل مسالة الجرائم التي ارتكبها الأمويين في افريقية، انطلاقا من القاعدة التي تقول " الغاية تبرر الوسيلة " وليس من قاعدة أن الأمراء في الشرق لم يكونوا يعرفون بتلك الجرائم المنافية للشرع الإسلامي. تماما، كما يقول الأستاذ عبد الكريم السكاكي في مقال له تحت عنوان " بدايات المغرب الإسلامي" حيث حاول تبرئة الغزاة العرب من تهم ارتكابهم للجرائم في حق الأمازيغ، وخاصة تبرئته للأمراء في المشرق، حيث كانت تلك الجرائم في نظره (أي السكاكي) تتم خارج توجهات الأمراء في المشرق (16)، لكن ما تغاضى عنه صاحب المقال في هذه النقطة بالذات هو أمرين مهمين للغاية، وهما:
الأمر الأول: وهو أن " الفتوحات" حسب تعبيره (=السكاكي) تمت بموافقة ودعم أمراء الدولة العربية الإسلامية في المشرق (17).
الأمر الثاني: وهو أن الغنائم والسبايا كانت ترسل إلى الشرق من اجل إرضاء لولاة الأمر في العاصمة (18).
وأمام هذه الحقائق التاريخية المعروفة والمتداولة لدى العموم، لا ندري كيف يقال لنا الآن، أن تلك الجرائم كانت تتم دون معرفة وتوجهات الأمراء في المشرق؟. وفي نفس الوقت لا ندري هل هي نتيجة عدم معرفة الأخ السكاكي لهذه الحقائق (وهذا آمر مستبعد) أم أن الأيديولوجية القومية الإسلامية فعلت فعلها وأعمت بصيرته، وأفقدته بالتالي الصواب الموضوعي والتحليل المنطقي المطلوب في مثل هذه المواضيع؟.
زيادة على ذلك كله، فان سياسة الغزو ونهب الغنائم والسبايا هي سياسة متجدرة في سياسية الدولة العربية الإسلامية مند نشأتها حتى نهاية الأمويين، فيكفى على سبيل المثال وليس الحصر، معرفة أسباب ودوافع اندلاع معركة احد في عهد الرسول (ص) من جهة، ومعرفة أسباب انهزام المسلمين في تلك المعركة من جهة ثانية. وهي المعركة التي تؤكد أغلبية المصادر الإسلامية انها كادت أن تقضي على الرسول (ص) بسبب الخيانة ولهث المسلمين وراء الغنائم بعد أن اعتقدوا إنهم كسبوا الحرب نهائيا(19). وهذه الحادثة الخطيرة جدا تطرح إشكالا آخر، وهو مسالة تقسيم الغنائم بين المسلمين، وخاصة بين المهاجرين والأنصار. ونشير في هذا الصدد أن العديد من الكتب التاريخية أثارت احتجاجات الأنصار لدى الرسول (ص) ضد مسالة توزيع الغنائم بعد انتهاء الغزوات.
تلك، باختصار عزيزي القارئ بعض الأسباب والغايات التي جعلتنا نخوض في هذا الموضوع، لهذه الأسباب كلها والغايات التي ذكرناها بإيجاز، نرى أن مسالة الاعتماد على المناهج العلمية الحديثة مسالة ضرورية ومهمة للغاية، كما اشرنا إلى ذلك أكثر من مرة، وربما، من خلالها وحدها، نستطيع معرفة حقيقة الغزو العربي لبلادنا، الذي استمر لسنوات طويلة جدا، خلافا لما حدث في مصر والشام(20).
وحتى لا نطيل عليك أكثر، سنكتفي عزيزي القارئ بهذا القدر من الحديث في هذا المحور(الموضوع)، لكن على أمل أن نلتقي معك في الجزء القادم (الجزء الثالث) من هذه الدراسة المتواضعة، والي ذلك الحين لك منا التقدير والاحترام على قرأتك لهذا العمل المتواضع.
لتواصل: [email protected]
بعض الهوامش المعتمدة في انجاز هذا الجزء:
12: للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر كناب الدكتور احمد سليماني " ماسينيسا وبوغرطة " ديوان المطبوعات الجامعية- الساحة المركزية- بن عكنون – الجزائر . انظر كذلك كتاب الدكتور محمد بوكبوط " الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات: صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم" إصدارات طارق بن زياد – 2005
13: من الأمور التي يجب أن يتم فيها إعادة النظر في تقديرنا هو مفهوم/ مصطلح الحضارة " العربية الإسلامية" حيث إذا ما نظرنا إلى إسهامات ودور العرب في انجاز هذه الحضارة نجدها إسهامات ضئيلة جدا مقارنة مع إسهامات المسلمين الآخرين.
14: محمود شاكر " التاريخ الإسلامي – الخلفاء الراشدين " الجزء الثالث، الطبعة الثالثة – المكتب الإسلامي
15: يمكن مراجعة الكتب التالية للدكتور عبد الله العروي " العرب والفكر التاريخي" و" مجمل تاريخ المغرب".
16: عبد الكريم السكاكي على الرابط التالي www.rifnow.com
17: المرجع السابق محمود شاكر
18: صدقي على أزيكو " تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة" إصدارات مركز طارق بن زياد- 2002
19: محمود سيد القمني " حروب دولة الرسول" منشورات المدبولى الصغير
20: أزيكو المرجع السابق انظر كذلك مجلة الهوية العدد 15 الإسلام والأمازيغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.