العرب إبان ظهور الإسلام: فهكذا، ومن خلال استقراءنا للواقع التاريخي يتضح لنا بجلاء أن الغزاة العرب في غزواتهم الوحشية على شمال أفريقيا(21)، ألبسوا الرغبة في السبي والغنم وتكديس الثروة ثوب الإسلام، حتى كادت معدتها(الدولة العربية الإسلامية) أن تتفزر من كثرتها على حد تعبير السيد خليل عبد الكريم (22). وربما، ومن الجدير بالذكر هنا، وفي هذا السياق بالذات، أن كثرة الغنائم والأموال التي تدفقت على الدولة العربية الإسلامية نتيجة الغزو والسرقة (النهب/ الإغارة)، وليس نتيجة العمل والاجتهاد، ساهم بشكل كبير جدا في بروز خلل (انعدام التوازن) داخل المجتمع العربي الإسلامي آنذاك(23)، أو بصيغة أخرى، أدى إلى بروز الصراع الطبقي بالمفهوم السياسي الحديث، حيث برزت فئة غنية جدا، وهي الطبقة المعروفة في المراجع التاريخية” بطبقة الأشراف” وهم المقربين من الرسول وأصحابه (خاصة المهاجرين منهم)، وكذلك طبقة العبيد الذين انتفضوا ضد الدولة عدة مرات، كما برزت أيضا طبقة الموالي (العبيد الأحرار)(24). وهذا الكلام ليس افتراءا، أو تهجما، أو انتقاصا من العرب المسلمين الذين جاءوا إلى بلادنا مستعمرين وناهبين لخيراتنا وثرواتنا، تحت ذريعة نشر الدين الجديد (الإسلام)، حيث كان شعار نشر الإسلام مجرد شعار فقط لتبرير العنف السياسي للوصول إلى الحكم، بقدر ما أنها حقيقة تاريخية تؤكد بما لا يدعى مجالا للطعن فيها – أي الطعن في حقيقة الغزو العربي الإسلامي لشمال إفريقيا، حقيقة تؤكدها مختلف الدراسات والمصادر التاريخية التي تعالج هذا الموضوع، بما فيها الدراسات التاريخية التراثية. وفي سياق بحثنا عن الوضوح التاريخي، نرى انه من الضروري معرفة الواقع التاريخي للعرب إبان ظهور الإسلام الذي أخرجهم(العرب) من الجهل إلى المعرفة، ومن التخلف إلى التحضر، ومن الظلمات إلى النور حسب التعبير القرآني، حيث تقول الآية الكريمة { أخرجناكم من الظلمات إلى النور}. ومن المفيد الإشارة هنا، أن العرب؛ ونقصد هنا عرب الجزيرة، لم تكن لديهم أية حضارة تذكر قبل ظهور الإسلام، ولم سبق لهم أن أسسوا دولة ما في تاريخهم (تاريخ قبل ظهور الإسلام) ماعدا ” مملكة كنده” التي استمرت لفترة قصيرة ، وهي الفترة الممتدة ما بين 480- 525 ميلادية (25). هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن تطور أحداث الدعوة، المتمثلة أساسا في واقعتين مهمتين في تاريخ الإسلام مند ظهوره إلى اليوم، وخاصة في المرحلة الأولى لتشكل الأمة الإسلامية وهما: الحدث الأول هو هجرة الرسول(ص) وأصحابه من مكة إلى يثرب (المدينة) وتأسيسه بعد ذلك للدولة العربية الإسلامية. الحدث الثاني هو وفاة الرسول (ص) حيث سيبرز مباشرة بعد وفاته صراعات داخلية قوية وخطيرة، صراعات حول الخلافة، وهي صراعات سياسية وليست دينية (26)، وبرزت كذلك تيارات فكرية متعددة المذاهب الفقهية (27). طبعا، لقد أدت هذه الصراعات إلى تحولات عميقة وجوهرية في مسار تطور وبناء الدولة العربية الإسلامية آنذاك، حيث كادت هذه التطورات أن تقضي على المستقبل السياسي للدولة من جهة، وعلى مستقبل الدين نفسه من جهة ثانية. وكنتيجة حتمية للأوضاع والتطورات الجديدة؛ تطورات ما بعد وفاة الرسول (ص)، نشبت حروب أهلية داخلية عديدة بين المسلمين أنفسهم، ومنها الحروب التي خاضها الخلافة الأول أبو بكر الصديق ضد مجموعة من القبائل العربية التي رفضت دفع الجزية بعد وفاة الرسول (ص)، وهي الحروب المعروفة في التاريخ الإسلامي بحروب ” الردة “، ونشير هنا أن الجزية كانت تعتبر من بين أهم مصادر الدخل المالي للدولة آنذاك. وهناك أيضا الحرب التي خاضها الخلافة الرابع علي ابن أبي طالب ضد عائشة والزبير وطلحة، وهي الحرب المعروفة في نصادر التاريخ الإسلامي بحرب الجمل التي كانت سنة 656 ميلادية . انطلاقا من هذه الحقائق التاريخية، نعتقد، أن معرفة الواقع التاريخي للعرب إبان ظهور الإسلام في تلك المرحلة الحاسمة والحرجة في تاريخهم( العرب) بشكل عام، وفي تاريخ جزيرة العرب بشكل خاص، تعتبر مسألة مهمة للغاية، بل وضرورية في تصورنا، وذلك من أجل معرفة الأوضاع الحضارية للعرب آنذاك من ناحية، ومن أجل كذلك فهم واستيعاب الأسباب الحقيقة التي أدت بالدولة العربية الإسلامية إلى انتهاج سياسة الغزو الخارجي لضمان الاستقرار الغذائي أولا. وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي ثانيا. بدل أسلوب الدعوة السلمية كما هي منصوص عليها في القرآن من ناحية أخرى. ونشير في هذا الصدد أن هذا النوع من السلوك(سلوك الغزو والنهب) يتعارض ويتنافى مع المبادئ الأساسية للإسلام، سواء في الأصل (القرآن) أو في المصدر (السنة..). القرآن يحث على الدعوة السلمية كما هو واضح من الآية التالية { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} سورة النحل. ومن أجل هذه الغاية؛ نقصد هنا معرفة الواقع التاريخي للعرب إبان ظهور الإسلام، سنحاول إلقاء نظرة إجمالية، خاطفة، عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعرب آنذاك، أي إبان بروز الإسلام، وهي الأوضاع التي ستؤثر بشكل قوى في نهج سياسة الغزو والإغارة على القوافل والبلدان المجاورة للعرب في المرحلة الأولى – أي في مرحلة عهد النبي محمد (ص)- حيث بدأت الدولة العربية الإسلامية مباشرة بعد فتحها لمكة ( بعد عام فقط) مسلسل الغزو والتوسع خارج مجالها الجغرافي(المجال الجغرافي للدولة العربية الإسلامية آنذاك هو جزيرة العرب). ولقد كانت منطقة تبوك هي أولى المناطق التي استهدفتها الجيوش العربية الإسلامية بعد فتح مكة، حيث كسب منها المسلمون أموالا طائلة جدا( انظر ابن هشام السيرة النبوية ص 916). لكن بعد انتقال الرسول(ص) إلى ربه، باشر الخلفاء الراشدين غزو البلدان البعيدة عن المجال الجغرافي للعرب، ومنها الشام والعراق ومصر في المرحلة الأولى، وشمال أفريقيا في المرحلة الثانية، وأوربا في المرحلة الثالثة. وأمام هذه الحقائق التاريخية نتساءل عن مشروعية ” الفتوحات الإسلامية” التي باشرها النبي مباشرة بعد فتح مكة، كما أشرنا سابقا، هل كانت هذه ” الفتوحات” من أجل نشر الإسلام فقط، وذلك انطلاقا من الآية الكريم { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا } ، أم إنها كانت من أجل التوسع والنفوذ؟. وبعبارة أدق ، هل كانت تلك ” الفتوحات” ضرورة دينية ( أي واجب ديني) أم إنها كانت ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية فرضها الواقع الجديد؟. وإذا كانت الغاية منها هي نشر الإسلام فلماذا تم استعمال السلاح؟. ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، فإننا ندرك جيدا مدى وحجم التناقض القائم بين النصوص القرآنية التي تناهض بشدة مسألة النهب والاعتداء والسرقة من جهة، وبين أقوال وأفعال زعماء الدولة العربية الإسلامية من جهة ثانية. وهناك رواية ذكرها كل من البخاري ومسلم تقول بأن الرسول (ص) قال ” أخرجوا المشركين من جزيرة العرب”. كما هناك حديث نبوي رواه احمد في المسند واستشهد به البخاري تقول أن الرسول (ص) قال ” جعل رزقي تحت ظل رمحي”(28). انطلاقا من هذا كله، ألا يحق لنا أن نتساءل عن مدى شرعية الحروب التي قام بها المسلمون خارج جزيرة العرب، وخاصة بعد فتح مكة؟ وبالتالي التساؤل كذلك عن الجرائم الحربية التي ارتكبها القادة السياسيون والعسكريون للدولة العربية الإسلامية آنذاك بذريعة نشر الإسلام، ومنها الجرائم التي ارتكبها الخلفاء الراشدين باسم الدفاع وحماية الإسلام، وخاصة أبو بكر الذي خاض حروب شرسة ضد بعض القبائل العربية التي رفضت دفع الجزية له بعد وفاة النبي (29)، ونفس الشيء مع الخليفة الثالث عثمان أبن عفان الذي وفر ومهد جميع الشروط الموضوعية الضرورية لمباشرة غزو أفريقيا، حيث قال مقولته المشهورة ” إن فتح الله عليك فلك من الفيء خمس الخمس” وهذا الكلام وجهه الخلفية لعبد الله بن سعد بن أبي سرح ( وهو أخ الخليفة بالرضاعة). وعلى أية حال، وقبل الاسترسال في الحديث، نشير هنا إلى نقطتين مهمتين للغاية فيما نحن بصدد الحديث عنه في هذا المحور ، أولها، وهي أن العرب قبل الإسلام لم تكن لديهم صناعة تذكر (ماعدا اليمن التي اشتهرت بصناعة النسيج والثياب والخمور وبعض الصناعات الغذائية..)، كما لم تكن لهم زراعة واسعة كما كان عليه الحال في مصر والعراق والشام. وهذه المناطق لم تكون آنذاك جزء من جزيرة العرب. وثانيها، هي أن أغلبية المسلمين؛ وخاصة المهاجرين من مكة إلى يثرب، كانوا يفتقرون إلى المال ومصادر العيش بعد الهجرة(30). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، تخبرنا المصادر التاريخية أن الظروف والأوضاع الجديدة التي عرفها المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام بشكل عام، وبعد تأسيس الدولة العربية الإسلامية بقيادة وزعامة النبي محمد (ص) بعد هجرته من مكة إلى يثرب/المدينة بشكل خاص جدا(31)، حيث أدى هذا الحدث التاريخي البارز في تاريخ وحياة العرب إلى تحول شبه جذري في نمط عيشهم ( العرب) من جهة، وحول نمط تفكيرهم من جهة ثانية، بحيث أحدث الإسلام تحولا عميقا وجذريا في البنية الفكرية للعرب آنذاك، وخاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية، التي كانت خاضعة لمنطق القبيلة والعائلة. ونتيجة هذا التحول انتقل العرب من وضع القبيلة إلى وضع الدولة، ومن وضع التخلف والتوحش حسب ابن خلدون(انظر كتابه المعروف بالمقدمة) إلى وضع التحضر والتمدن، وبعد هذا التحول والتطور الحاصل على مستوى البنية الفكرية والاجتماعية والقانونية للعرب في تلك المرحلة، الذي أدى في نهاية المطاف إلى تحقيق ثلاثة أهداف سياسية رئيسية وهي : أولا: تأسيس أول دولة عربية في جزيرة العرب، التي أصبحت تتحكم في مصير وحياة الناس. ثانيا: تأسيس الأمة الإسلامية القائمة على أساس الأخوة، وليس على أساسا القبيلة، كما ينص على ذلك القرآن { إنما المؤمنون إخوة}. ثالثا: دخول العرب حلبت الصراع المعرفي والحضاري، بعدما أن كانوا خارج الصراع، فالعرب قبل الإسلام لم تكن لهم حضارة ولا أية قيمة حضارية، بالرغم أن الحضارة الرمانية والبيزنطية والفارسة كانت قريبة جدا منهم. ثمة معطيات تاريخية كثيرة تؤكد أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية من جهة، واتساع كذلك رقعة الإسلام، سواء جغرافيا أو بشريا (تدفق القبائل العربية وانضمامها إلى الدولة الجديدة) من جهة ثانية، ساهم بشكل كبير جدا في انتهاج الدولة العربية الإسلامية لسياسة الغزو والنهب عوض أسلوب الدعوة السلمية كما ينص على ذلك القرآن. انطلاقا من هذه المعطيات التاريخية الثابتة في معظم المراجع التاريخية القديمة والحديثة معاً، يستطيع الباحث النزيه والموضوعي أن يستنتج بسهولة تامة أسباب ودواعي انتهاج سياسة الغزو والنهب من طرف دولة النبي محمد (ص) مند بداية تأسيسها، واستمرار ذلك في زمن الخلفاء فيما بعد. بحيث كانت هذه السياسة( سياسة الغزو) أو هذا الأسلوب المرفوض إسلاميا وأخلاقيا ناتج عن حاجة ملحة تمليها الحياة الجديدة للعرب، أو بمعنى آخر تمليها تطورات الواقع الموضوعي القائم آنذاك، وليس واجب دينيا، وغايته الأساسية والمركزية هي توفير مستلزمات العيش، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأمني للدولة الجديدة والفتية. ومن هذا المنطلق فإننا لا نستطيع فهم واقع المجتمع العربي الجديد – واقع ما بعد تأسيس الدولة العربية الإسلامية- فهما موضوعيا وعلميا إلا في سياق تطور وسائل الإنتاج تطورا ديالكتيكيا. ومن خلال هذه المعطيات التاريخية نستنتج أن ثقافة الغزو والنهب كانت قائمة وسائدة داخل المجتمع العربي قبل بزوغ الإسلام. وبالتالي فإنها – أي ثقافة الغزو هذا- كانت تعتبر مصدر من مصادر العيش بالنسبة للإنسان العربي آنذاك. وانطلاقا من هذه الخلفية يمكن لنا القول بأن انتهاج الدولة العربية الإسلامية لسياسة الغزو والتوسع إبان تأسيسها من طرف النبي محمد(ص) بعد الهجرة كانت تشكل في العمق نوع من الاستمرارية لهذا النمط في العيش (الغزو).هذا بالرغم من التناقض الشديد بين الخطاب القرآني الذي جاء به النبي محمد (ص) من جهة، وبين أفعال قادة وزعماء الدولة العربية الإسلامية آنذاك من جهة ثانية. ومن ناحية أخرى، تؤكد لنا الدراسات التاريخية، ومنها الدراسات الإسلامية التراثية، نذكر هنا على سبيل المثال فقط دراسات الطبري، وابن الأثير، وابن الكثير، وسيرة ابن هشام.. وغيرها من الدراسات التاريخية الإسلامية، التي تؤكدا أن الرسول (ص) كان ينظم بنفسه الغزوات على القوافل والبلدان المجاورة للعرب، وحتى نوضح الأمر أكثر نذكر هنا بواقعتين تاريخيتين تؤكدين ما نقوله هنا. أولها، وهي حملة المسلمين على الشام قبل فتح مكة سنة 625م بقيادة ابن الرسول (ص) بالتبني زيد بن حارثة، حيث قاد ثلاثة الألف مقاتل في اتجاه الشام، وهي الحملة التي انتهت بانهزام المسلمين كما هو معروف، وثانيها هي غزوة تبوك التي قادها الرسول (ص) بنفسه سنة 650م بعد فتح مكة. وأمام هذه الحقائق التاريخية التي تؤكدها مختلف المصادر والمراجع التاريخية، كما ذكرنا أعلاه، فان التحليل المنطقي العقلاني يدعونا هنا إلى وقفة التأني حول أسباب انتهاج النبي (ص) لسياسة الغزو والإغارة على أرزاق الآخرين وهو الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، حيث قال (ص) ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، أو بصيغة أخرى ما هي الأسباب الحقيقة التي أدت بالرسول( ومن بعده الخلفاء) إلى انتهاج سياسة الغزو؟. وهل ينسجم هذا السلوك (الغزو) مع المبادئ الأساسية للإسلام من قبيل العدل، الرحمة، المساواة، التسامح، الأمانة وغيرها من المبادئ والقيم الحضارية للإسلام ؟. إذا افترضنا جدلا أن الأسباب التي أدت بالرسول (ومن بعده الخلفاء) إلى انتهاج سياسة الغزو، هي أسباب دينية محضة كما يقول البعض – وبالتالي فإن الهدف الأساسي من ورائه(الغزو) هو نشر الإسلام، على اعتبار أن الإسلام هو دين موجه لكافة البشرية، فما هو حكم الشرع في استعمال العنف وفرض الإسلام بالقوة، خاصة بعد فتح مكة والقضاء النهائي على حركة قريش (المشركين) المناهضة للإسلام؟. ونحن، عندما نطرح هذه الأسئلة المحرجة، فإننا نعرف جيدا مدى مخالفة الدولة العربية الإسلامية التي تأسست مباشرة بعد اتفاقية الصحيفة بين النبي (ص) والأنصار من جهة، وبين النبي (ص) واليهود من جهة ثانية. وهي المعاهدة التي تم بموجبها تأسيس الأمة الإسلامية والدولة العربية الإسلامية. وفي هذا الصدد يقول صاحب كتاب ” الدولة العربية الإسلامية: الدولة والدين ” السيد محمد سعيد طالب ” فهذا عهد ( يقصد هنا اتفاقية الصحيفة) لإقامة دولة جديدة في يثرب، انه تحالف من نوع جديد( شارك في هذا التحالف كل من المسلمون المهاجرين وأوس وخزرج واليهود) ولمفردات جديدة، وان كان بشكل قديما ” (ص142). ومن أجل توضيح هذه الفكرة أكثر، نشير هنا إلى بعض الآيات القرآنية التي تؤكد رفض الإسلام استعمال العنف في عملية الدعوة إليه ، ففي سورة البقرة نقرأ ما يلي { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } ونقرأ في سورة أخرى ما يلي { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، ونقرأ أيضا في سورة الكهف/ الآية 29 ما يلي { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} انطلاقا من هذا التصور فإن مسألة إعادة النظر في الحروب التي باشرها العرب المسلمين بعد فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة( الهجرة من مكة إلى ثيرب) تبدو لنا مسألة ضرورية وحتمية لفهم دواعي تلك الحروب المدمرة والمتناقضة مع القيم والمبادئ التي ينادي بها الإسلام. وفي انتظار ذلك، نشير إلى وجود مجموعة واسعة من المثقفين العرب الذين ينفون بشكل قاطع حدوث الغزو العربي لشمال إفريقيا كما هو الحال مع السيد شوقي أبو خليل، ومحمد بوالروايح، ومصطفى الشكعة وغيرهم من الكتاب والمؤرخين الذين ينفون استخدام العنف في عملية ” فتح” شمال إفريقيا من طرف العرب المسلمين. وهذا الرأي، هو رأي مخالف للواقع التاريخي لأن جميع الدلائل التاريخية تشير إلى وقوع مجازر وإعمال العنف ضد السكان المحليين عند الاجتياح العربي لشمال إفريقيا، وفي هذا السياق نطرح على هؤلاء المثقفين الرافضين لهذه الحقيقية التاريخية السؤال التالي: إذا كان هدف العرب من الغزو(أو الفتح حسب التعبير الإسلامي) هو نشر الإسلام، فلماذا تم إرسال عشرات الألف من الجيوش العربية الإسلامية بدل إرسال الدعاة والمبشرين بالدين الجديد؟ . في انتظار الإجابة من أهل الاختصاص سنمضى نحن في مناقشة موضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا. يتبع….. محمود بلحاج فاعل أمازيغي للتواصل: [email protected] بعض الهوامش المعتمدة في انجاز هذا الجزء: * ملحوظة نشر الجزء الأولى والثاني من هذه الدراسة في وقت سابق تحت عنوان” الحضارة المغربية والتزييف المستمر” 21: عبد الرحمان ابن خلدون “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر” المشهور باسم مقدمة ابن خلدون. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – لبنان 22: خليل عبد الكريم” النص المؤسس ومجتمعه: الطبعة الثانية 2002 ، دار مصر المحروسة- القاهرة الجزء الأول. 23: حسين مروة ” النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية الجاهلية- نشأة وصدر الإسلام” المجلد الأول ، دار الفارابي –بيروت – لبنان 24: المرجع السابق حسين مروة 25: المرجع السابق 26:المستشار محمد سعيد العشماوي ” الخلافة الإسلامية” الطبعة الخامسة 2004 ، مؤسسة الانتشار العربي –بيروت -لبنان 27: محمود إسماعيل ” الحركات الإسلامية في الإسلام ” الطبعة الخامسة، عن منشورات سينا للنشر 28 : شاكر النابلسي ” الموانع والدوافع الاقتصادية لظهور الإسلام” دار الساقي – بناية ثابت – بيروت –لبنان ، الطبعة الأولى 2002 29: المرجع السابق 30:هادي العلوي ” في السياسة الإسلامية” الطبعة الثانية 2000 منشورات مؤسسة صحاري 31:محمد سعيد طالب ” الدولة العربية الإسلامية- الدولة والدين” منشورات مؤسسة الأهالي للطباعة والنشر –سورية