إن قراءة واقع التعليم بالمغرب يستدعي العودة الى السيرورة التاريخية و التراكمات التي عرفها منذ (الاستقلال) ، بحيث عرفت بداية هذه الحقبة التاريخية تطورا نضاليا شعبيا دفاعا عن المدرسة العمومية ومجانية التعليم توجت بإنتفاضة 23مارس 1965 كرد عن المخطط الثلاثي الذي يهدف الى التراجع عن التعميم والتوحيد والمغربة بعد تقليص ميزانية التعليم. لكن الدولة مضت في إتجاه خوصصة هذا القطاع خدمة للوبيات القطاع الخاص وضدا عن طموحات الشعب المغربي في تعليم شعبي ديمقراطي ومجاني عبر تنزيل مجموعة من المخططات توجت ب (الميثاق الوطني.. المخطط الاستعجالي.. الرؤية الاستراتجية..)، التي تولد عنها مرسومي فصل التكوين عن التوظيف وتقليص منحة التكوين، بالإضافة لنهج سياسة التوظيف بالتعاقد. وهذا ما هو الا تجسيد فعلي لتفويت قطاع التعليم للقطاع الخاص عبر إصدار اليوم ما يسمى بالنظام الاساسي لأطر الاكاديميات في نسخته الاخيرة و الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام يجعلنا نتساءل عن ما مدى مطابقته لنظام الاساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية. وبعد الاطلاع عليه ومقارنتهما تبين أن هناك المزيد من مظاهر خرق مبدأ المساواة بين أستاذين ينتميان لنفس الوزارة ويقومان بنفس المهام و اجحاف الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد من العديد من الحقوق والامتيازات ونذكر على سبيل الذكر الحق في التقاعد الذي يستخلص من النظام الجماعي للمنح ورواتب التقاعد، اعفاء بمجرد عدم نجاح في التأهيل المهني او في حالة الاصابة بمرض مزمن وبعد الاستفادة من جميع الرخص المرضية، او انعدام الكفاءة بعد استشارة لجنة الاطر في المقابل الاستاذ النظامي يتم عرضه على اللجنة الادارية المتساوية الاعضاء. وفي هذا السياق ولتكريس المزيد من مظاهر الخوصصة في قطاع التعليم تمت دعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية من أجل الإسراع في تنزيل قانون الإطار51.17 الذي يهدف الى القضاء على ما تبقى من مجانية التعليم عبر فرض رسوم تسجيل ليشمل الأسر الميسورة وتعميمه بشكل تدريجي بعد ذلك. إن الإسراع في تنزيل هذه القوانين وفي المرحلة بالذات هي محاولة من جهاز الدولة لنقل المعركة إلى الميدان القانوني و إحاطتها بسياج من القوانين التي ستضفي الشرعية القانونية لخوصصة التعليم طبقا لقاعدة سياسة تقول من يهيمن سياسيا و إقتصاديا و إديولوجيا يهيمن قانونيا. وفي إطار استمرار الدفاع عن حق أبناء وبنات الشعب في الوظيفة العمومية و حقهم كذلك في تعليم شعبي ديمقراطي مجاني تأتي معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد للتصدي للسياسات اللاشعبية التي تمضي الحكومة في تنزيلها في قطاع التعليم عبر سلسلة من الإضرابات و المسيرات الإقليمية الجهوية و الوطنية المتوجة باعتصامات ومبيتات ليلية تدخلت الدولة في كل مرة لقمعها بانهيال الأجهزة القمعية على رجال ونساء التعليم في مختلف شوارع البلاد(معتصم الرباط،طاطا،تطوان...) مخلفة بذلك العديد من الإصابات المتفاوتة الخطورة على الرغم من كون هؤلاء الأساتذة لم يطالبوا إلا بحقهم المقدس العادل والمشروع في الوظيفة العمومية المخولة بموجب الدستور و المواثيق الدولية، إلا أن الدولة استمرت في أساليبها القديمة الجديدة من قمع و تنكيل و تهديد و تخويف تارة عبر إرسال إشعارات بترك الوظيفة التي سُلكت في إطار غير قانوني، كما اتجه بعض الأطر الإدارية الى ممارسة الضغط على العديد من الأساتذة و الأستاذات بدفعهم لتكسير خطوة الإضراب الشامل الذي يشل جل المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني، بالإضافة إلى الخرجات الإعلامية التي لا تخلو من نبرة التخويف والتهديد، وليس هذا فقط بل شرعت بعض المديريات بتقديم شكايات ضد مناضلي التنسيقية الوطنية، وما الشكاية المقدمة ضد منسقة برشيد بتهم واهية لخير دليل، والهدف من كل هذا زرع المزيد من التخويف ومحاولة تيئيس الجماهير الأستاذية جعلها تتراجع عن مطلبها العادل و المشروع في إسقاط مخطط التعاقد. وفي ظل غياب أي بادرة حوار من خلاله يمكن إيجاد حل نهائي لهذا الملف يمكننا القول أن أجهزة الدولة تريد إطالة أمد المعركة من أجل تهييء الظروف لانشقاقات داخلية في صفوف التنسيقية، ولهذا الأمر يسخرون كافة قواهم من أساتذة تابعين لأحزاب معروفة، وكذا بعض المتخاذلين المتذبذبين لزرع التشكيكات و الانقسامات بين المناضلين ومحاولة إقناع القواعد الأستاذية بالتراجع عن المعركة. كما عملت الحكومة بشكل مباشر على إخماد شوكة هذه المعركة البطولية بتقديم وعود عبر جلسة شبه حوار من أجل توقيف الإضراب ومن ثم بعده سيتم برمجة حوار رسمي مع الوزارة بحضور النقابات الأكثر تمثيلية، إلا أن ذلك ظل مجرد حبر على ورق وتبين لاحقا أن هدفه منه هو كسر الزخم النضالي للمعركة...وهلم جرا من الأساليب غير مشروعة التي يجب على الجميع استحضارها و الوقوف عند تفاصيلها بالتحليل وتوضيحها للقواعد الأستاذية. كما ان الدولة تتهرب من عدم فتح الحوار مع الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد تحت يافطة مبرر سياسي يتمثل فيما يلي: إن تحقيق الاساتذة الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لمطلبهم،سيشكل تنازلا سياسيا للدولة (خسارة هبة الدولة) من جهة،وإعادة للثقة في الاحتجاج الشعبي من جهة ثانية.كما أن نجاح هذه المعركة بالنظر الى التعاطف الشعبي الواسع معها سيشكل دفعة قوية لكافة الحركات الاحتجاجية. وهذا ما يناقض طموحات الدولة حيث تريد جعل من الحركات الاحتجاحية النضالية حركات جوفاء تناضل ولا تحقق مكتسبات. إذا كان رهان الدولة إطالة أمد المعركة و اللعب على وتر مللنا و تعبنا و يأسنا من طول الدرب. فرهاننا نحن كأساتذة فرض علينا التعاقد من أجل إنجاح معركتنا النضالية واستمرار زخمها النضالي الكفاحي، هو دعوة تنسيقيتنا الوطنية في الاتجاه صوب الجماهير مباشرة و العمل على تكثيف الجهود من أجل التنسيق مع كل من يملك غيرة صادقة في الدفاع عن المدرسة العمومية، ومجانية التعليم، والحق في الشغل، من قبيل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب والذي لا يتوانى عن تلبية نداء كل المعارك الجماهيرية، وكذا جمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين بالمغرب، وكل الإطارات النقابية و الجمعوية و السياسية حتى، بالإضافة إلى العمل على توحيد صفوف نضالات الشيغيلة التعليمية و صياغة مطالبها بشكل موحد (أساتذة الزنزانة9، الأساتذة المرسمين، ضحايا النظامين، الترقية بالشواهد،...). وقد يشكل انفتاحنا الميداني على هذه الحركات الإحتجاجية دعما جماهيريا لمعركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد سيعمل على التنفيس على القواعد المناضلة بتشكيل المزيد من الضغط على الحكومة من أجل الرضوخ لمطالب الشغيلة التعليمية بدون قيد او شرط. وقد يتساءل سائل عن نقط تلاقينا مع الحركات الاحتجاحية أعلاه وما الهدف من التنسيق معها؟ الجواب أننا نلتقي مع كافة هذه الحركات في المطالب السياسية : كالحق في الاحتجاج، الحق في الكرامة و العدالة الاجتماعية والحرية.. ونلتقي معها كذلك في المطالب المادية كالحق في الوظيفة العمومية والشغل والتعليم ... إذن، فمعركتنا النضالية في الدفاع عن المدرسة والوظيفة العموميتين من بطش الصناديق المالية الإمبريالية هي معركة ومسؤولية الجميع. وبالتالي، فلتتضح المواقف و تتبين المواقع، حتى لا نحمل -بضم النون- تنسيقيتنا ما فوق طاقتها وعدم إعطاء من هم على هرم السلطة فرصة لتخريب ما تبقى من المدرسة العمومية عبر شرعنة التشغيل بالعقدة وما يليه من تبعات خطيرة في اتجاه تفكيك المدرسة العمومية والضرب في مجانية التعليم وكذا الحق في الوظيفة العمومية التي ستشمل تعديلات نظامها الأساسي، وشرعنة مخطط التوظيف الجهوي .. وإذ نؤكد في الأخير أن معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد هي معركة الشعب المغربي بكافة أطيافه: طلبة معطلين، تلاميذ وأساتذة ونقابات، وكذا كل الفاعلين في المجتمع، وهي فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ودعوة لكل من له الغيرة على هذه الأخيرة دعم وإنجاح هذه المعركة النضالية والمساهمة فيها.