وزير الداخلية يدعو الولاة والعمال إلى التصدي للنقل "غير القانوني" عبر التطبيقات الرقمية    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    تقرير رسمي "مفزع"... نصف المغاربة يعانون من االإضطرابات النفسية    مناظرة بمدينة مكناس بمناسبة دكرى 49 للمسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    تسمم غذائي يرسل 19 تلميذا إلى المستشفى الإقليمي ببرشيد    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    فرقة "يوبا للابد المسرحي " تطير عاليا بنجوم ريفية في تقديم عرضها الأول لمسرحية " هروب في ضوء القمر    انعقاد الدورة الثانية للجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن لمنظمة الكشاف المغربي بجهة مراكش-أسفي    حاتم عمور يكشف تفاصيل ألبومه الجديد "غي فنان"    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الشرق للتوزيع تعلن انقطاع الكهرباء عن أحياء بمدينة الدريوش    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    رؤية الرئيس الصيني.. التعاون الدولي لتحقيق مستقبل مشترك    زوجة المعارض المصري عبد الباسط الإمام تناشد السلطات المغربية إطلاق سراحه وعدم تسليمه إلى نظام السيسي    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص        حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حسيمة الخزامى" والخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان

أصدر المغرب خلال العقد الأول من الألفية الثالثة أرضيته حول " المواطنة والنهوض بثقافة حقوق الإنسان " بعد مسار طويل من الاشتغال المشترك الذي هم أطرافا وطنية تشكل حلفا موضوعيا يتوخى تحقيق أهداف جماعية ذات محاور متقاطعة، كان المغرب قد خرج لتوه من شرنقة البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان والمواطنة الذي خلفت نتائجه المحدودة نوعا من عدم الارتياح، رغم تزامنه من حيث الانطلاق مع أجواء الانفراج السياسية والحقوقية الهامة التي عرفها المغرب خلال النصف الأول من عقد التسعينيات، ومحاولة هذا الأخير التماهي بشكل إيجابي مع عشرية الأمم المتحدة في ديناميكيتها حول التربية على المواطنة والقيم الإنسانية
من التربية القيمية إلى تأسيس ثقافة النهوض بحقوق الإنسان :
لذلك فإن فكرة النهوض بثقافة حقوق الإنسان كان تنزيلها في فضاء تربوي عام تشابك مع قطاعات مدنية وحكومية مختلفة تجاوزت أفق النظام التربوي المحدود للمدرسة المغربية وتبنت العمل وفق قيم محددة استهدفت الأطر الإدارية المسؤولة عن إنفاذ القوانين، كما أن المنهاج المنتقى خلال التسعينيات كان بيداغوجيا بالأساس توخى التأثير الإيجابي في السلوك والمهارات العملية على غرار المدرسة البريطانية والأمريكية التي حاولت الاستثمار في الجوانب ذات الصلة بالبعد الميكروي والتطبيقي العملي أكثر من استثمارها في المجالات النظرية والماكروية، المتأسسة بالدرجة الأولى على الثقافة المعرفية التي تتضمن أبعادا اجتماعية وأخلاقية وسياسية تتسم بشساعة الاتساع والقدرة على البناء السليم والمتكامل للشخصية الإنسانية، وفي تجاوز ملحوظ للمنهاج المعلوماتي الذي تعضده قوة التكنولوجيات المعاصرة، رغم القيمة الراسخة لنظام المعلومة التي لا يمكن أن يحدث إزاء طهرانيتها الفضلى شنآن بين المتناظرين حول مكونات موضوعها .
الأمر الذي يمكن معه القول أن المغرب توج عقده الأخير من القرن العشرين المنصرم بسعيه نحو التأسيس من خلال المنهاج التربوي لجملة من المفاهيم المبدئية التي ارتأى إدراجها ضمن برامج المؤسسات التربوية في أفق خطة استراتيجية جوهرها المكين التعلم التربوي والحقوقي الذي يتوخى تجاوز وتصحيح جميع أشكال المعتقدات التي تتنافى مع مبدئيات السلوك المدني والغايات المثلى للتربية على المواطنة الحقة، وذلك بناء على حيثيات من الشراكة والعمل التعاوني المتقاطع آنذاك بين كل من وزارة حقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية القائمة على تدبير القطاع، وفي مناخ دولي عام يتقاسم ملامح نشوء بوادر أزمة تربوية وقيمية مستفحلة في العديد من الدول الكبرى من تاريخ عالمنا المعاصر
المشروع الجديد والطموح لخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان :
وهكذا نجد أننا ننتقل عبر مسار متدرج بدءا من المبادئ والمفاهيم ومرورا بمنظومة القيم التي ترسي بثقل حمولتها القائمة على أسس الثقافة الحقوقية في زمن شكلت فيه مثل هذه السياسات الحقوقية بداية الانطلاق الفعلي نحو التمهيد لمرحلة تربوية اتسمت بقطائع معرفية صارمة مع مجموعة من المناهج التقليدية التي درجنا على التفاعل مع تمثلاتها في السابق، غير أن الجديد هذه المرة تجسد في خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان التي حدد لها سقف زمني لا يتجاوز مداه ثلاث سنوات، وهي خطة طموحة ورائدة تندرج في صلب السياسات العمومية التي تضع على عاتقها النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي تشكل العمود الفقري للمتطلبات الأساسية للمواطنين في حياتهم اليومية، يأتي هذا تزامنا مع الإعلان عن الركائز التي سيقوم عليها النموذج التنموي الجديد الذي شرع المغرب في رسم دعاماته الإستراتيجية بنظرة مستقبلية ثاقبة، خاصة وأن طبيعة المرحلة في الوقت الراهن تستلزم الانكباب بكل تفان وإخلاص على الارتقاء بكل السبل التي تستهدف تحسين مستوى العيش في أفق خلق ما يصطلح عليه لدى الحقوقيين وأطر الاقتصاد السياسي بدولة الرفاه الاجتماعي .
إن كثرة التحيينات التي خضعت لها خطة العمل الوطنية وارتفاع عدد إجراءاتها إلى 435 تدبيرا في الصيغة الحالية منذ الانخراط التشاوري والتشاركي في إعداد محتوياتها انطلاقا من سنة 2008 وصولا نحو إصدارها في خضم سنة 2018، أي بعد عقد كامل من العمل المتواصل، لهو أكبر دليل على أن الخطة صيغت في منأى كامل عن جميع أشكال التسرع والارتجال، تحدوها مرجعية وطنية ودولية تنهل من حياضهما ضمن أفق يندغم فيه الموروث الحضاري المغربي المشترك المدعم بنفحة أصيلة من القيم الإنسانية المشرقة، وكذلك بسلسلة من القيم المنتمية إلى المجتمع الديمقراطي المعاصر
كما أن ما يستوقفني ويشدني لأعقد عليها كبير الآمال ليس كون المغرب من الدول المعدودة والمحدودة جدا الذي قام بإرساء لبنات خطة حقوقية محكمة تمكنت في الأخير من الإحراز على صفتها القانونية المكتملة، وإنما بالأساس حصيلتها على مستوى الواقع الاجتماعي، خاصة وأن الأمر هذه المرة يتعلق بميزانيات مالية مرصودة تم مؤخرا الإعلان عن مقاديرها في الصحافة الوطنية وهي تتوخى المساهمة إلى جانب مؤسسات أخرى في الدولة حاملة لصفة الاختصاص في هذا المجال، إنه النهوض الفوري والمتدرج عبر الزمن ضمن سقف زمني معقول في ترجمة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أرض الواقع، وهو التدبير الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية المطلقة قياسا مع باقي التدابير الأخرى التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة بمدى فاعليتها القصوى .
نماذج من الحسيمة على ضوء السياسة البيئية المندمجة المتضمنة في خطة العمل الوطنية :
نجد في المحور الثاني المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن المحور الفرعي السادس الذي ينص على السياسة البيئية المندمجة، إشارة صريحة إلى مسألة تدبير وتثمين النفايات، ويمكن في هذه الحالة أخذ نموذج مدينة الحسيمة الواقعة في شمال المغرب على مستوى موضوع تدبير نفاياتها المنزلية، فقد أنجز أحد أنصار حركة البيئة بالمدينة في بداية الألفية الثالثة دراسة علمية قيمة في الموضوع، انتبهت إلى أهميتها القصوى الجمعيات الحقوقية الوطنية مما جعلها تأخذ زمام المبادرة لنشرها بحماس كبير، نظرا للقواسم المشتركة التي تلتقي في تهديدها للحق في البيئة السلمية على الصعيد الوطني بالمغرب، ومن أجل تفعيل خلاصة مقترحات هذه الدراسة تم التنسيق محليا مع الحقوقيين بالمدينة، فقد كانت الحسيمة تعيش أزمة بيئية حقيقية تمثلت في صعوبة إيجاد موقع عمومي ملائم لمطرح نفاياتها المنزلية، موقع تتوفر فيه مواصفات صحية مناسبة لا تشكل خطرا محدقا بمستقبل وحياة المواطنين، كما أن المساعي والتحركات الجمعوية المكللة بالجهود الثنائية المشتركة بين البيئيين والحقوقيين كانت ترمي في اتجاه تحويل المطرح المؤقت من موقع " قمة رأس العابد " الذي دأبت مياه بحره المتوسطية المنغرس في أعماقها على استقبال كميات يومية هائلة من أطنان النفايات، ولتحقيق الهدف من هذه النضالات المدنية المتحققة على أرض الواقع، فقد كان لابد من الحصول على موافقة السلطة المحلية والمجلس المنتخب للمدينة، وهو الأمر الذي نجح بالفعل بعد مسار طويل من اللقاءات التي أفضت لحلول وضعت حدا نهائيا لهذا الكابوس المقلق الذي جثم بثقله على صدر المدينة طيلة عقود من الزمن، وليزول بذلك مصدر خطر محقق ناجم عن خطورة مختلف المواد الملوثة المكونة للنفايات التي كانت تلقى في عرض أو بمحاذاة البحر المتوسطي للمدينة .
أيضا فقد تضمنت خطة العمل الوطنية الحق في الولوج إلى الخدمات الصحية، وعلى ضوء هذا التدبير الحقوقي الهام نحيل على إجراء نموذجي اشتركت فيه تقريبا جميع المدن المغربية ومراكزه الحضرية خلال العقود المنصرمة وإلى حدود العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فقد عاشت المدينة ذاتها على وقع ملف تشابك فيه البيئي بما هو صحي، يتعلق الأمر بالأنابيب الموزعة للماء الشروب، فقد تداول بقوة المدافعين عن الحق في البيئة السليمة والحقوقيين بالحسيمة مسألة أنابيب صرف المياه الطبيعية التي تتزود بها الساكنة في المنطقة، واحتدم الجدل حول المادة التي تصنع بها، بحيث بدا واضحا أن الأمر ينسحب على ما يسمى باللغة الإنجليزية مادة " الأميانت " أو الأسبستوس وهي عبارة عن مواد تشبه الألياف بدأ استعمالها في أوروبا ابتداء من 1900، وتعرف الآن تراجعا كبيرا على المستوى الوطني والدولي نظرا للدور الذي لعبته الحركة الحقوقية والبيئية في إثارة بعض المخاطر الصحية التي من المحتمل أن تنجم عن مضاعفات مادة "الأميانت"، لتحل مكانها أنابيب بديلة مصنوعة من البلاستيك P.V.C ، وكانت مرجعيتنا في هذا التدخل الذي قمنا به آنذاك كمجتمع مدني بالأساس هو الاستناد إلى بعض التقارير الدولية المنجزة من لدن بعض من وكالات وأجهزة الأمم المتحدة " منظمة الصحة العالمية/ ومنظمة العمل الدولية" بخصوص مادة "الأميانت"، وذلك من أجل التحقق من مدى صحة بعض المزاعم التي تنحو في اتجاه التأكيد أن مكونات مادة "الأميانت" قد تكون مسرطنة، وتبين بعد طول مخاض عدم وجود دراسات دقيقة، حاسمة وموضوعية في هذا الصدد لديها القدرة في إثبات مثل هذه المعطيات الخطيرة .
في شأن التقاطع والتعاضد الممكن بين خطة العمل الوطنية وبرنامج الحسيمة منارة المتوسط :
وهذه نماذج على سبيل المثال فقط لا الحصر لبعض التحديات وفي نفس الوقت الإكراهات التي ترخي بظلالها تقريبا وبدون استثناء على جميع أجزاء التراب الوطني، وهو الموضوع الذي تلتقي أهم عناصره الجوهرية ليس فحسب مع التوجهات الرئيسة المنصوص عنها في خطة العمل الوطنية، وإنما حتى مع أهم مقتضيات الندوة الدولية المنعقدة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش يومي 25 و26 نونبر 2016 حول موضوع : " البيئة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فضاء للشراكة أم مجال للتنافس ؟ "، لكن السؤال الذي مافتئ يراودني ويمعن في مطاردتي والإمساك بتلابيب تفكيري في اللحظة الراهنة، هو لماذا لا تكون خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان داعمة لمشروع برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" المتعلق بالتنمية المجالية للمدينة والإقليم عامة .
خاصة وأن الخطة الوطنية تتقاطع مع برنامج الحسيمة منارة المتوسط في محاورها الخمسة وبالضبط في محوريها الهامين المتعلقين بكل من النهوض بالمجال الاجتماعي وحماية البيئة وتدبير المخاطر التي تحيط بها على مستوى تأهيل المطارح العمومية، علما أن الخطة الوطنية هذه المرة انطلاقا من الاسم المحدد لها، نلاحظ أنها عملية لكون منبعها يبقى في المحصلة الأخيرة هو الميدان القائم على التطبيق المحسوس والمباشر، وبالتالي فإن عمقها هو الوسط الاجتماعي بالدرجة الأولى بما يحفل به من مهامه ومهاد محفوفة بالمصاعب والتحديات، وفي منأى نسبي عن ما هو نظري بالنسبة لتقوية قدرات الفاعلات والفاعلين الجمعويين من خلال التكوين الأساسي الذي يروم التمكن من آليات الثقافة الحقوقية، هذا الأخير الذي يمكنه من حيث الأولويات أن يحتل الرتبة الثانية، حتى وإن كانت المبالغ المالية المخصصة للخطة الوطنية لا يمكنها أن تضاهي برنامج منارة المتوسط، ولكنهما على العموم متطابقان تقريبا في الأجرأة التنفيذية في ما يتعلق بالمدة الزمنية، وتسري عليهما نفس التوصيات ذات الصلة بتتبع عملية التنفيذ .
خطة العمل الوطنية على ضوء الحكامة الأمنية وحريات التجمع والتظاهر السلمي :
وفي جانب هام تتطرق الخطة الوطنية أيضا إلى الحكامة الأمنية وحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات، وبذكر هذين المحورين يتبادر إلى ذهني كيف أن دولة عريقة مثل فرسا في التقدم العلمي والحضاري والتأسيس في فترات مبكرة من التاريخ لفكر الأنوار وثقافة حقوق الإنسان وظهور نزعات فلسفية للخطاب الذي أصل في رحابها لحركة الأنسنة، وكيف أنها اهتدت في المقابل خلال سنة 1999 إلى الشروع من جديد في التربية على السلوك المدني والقوانين الاجتماعية رغم أن دولة من حجم وعظمة فرنسا لم يكن لديها بتاتا مشاكل تذكر بخصوص إرساء القوانين، وذلك بعد استشعارها لخطورة بروز نزوعات عرقية وعنصرية مدمرة تتدثر بعباءة العنف الذي تستهدف به فئات واسعة من المهاجرين، وعليه فقد كان لابد من التفكير في العودة إلى التربية على المواطنة والقيم الإنسانية والحضارية المشرقة، ولا أعتقد أنها ستقف مكتوفة الأيدي أمام موجة العنف الخطيرة التي تنتابها مؤخرا من جراء الحركات الاحتجاجية والاجتماعية التي يعتبر قادتها من أصحاب "السترات الصفراء"، نظرا لكون فرنسا لها تاريخ مديد في ابتداع أحسن المناهج التربوية والبرامج الكفيلة بمعالجة معضلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد بانحلال سداها المؤسساتي والقيمي المتماسك .
أما الحركة الاحتجاجية التي عرفها الريف مؤخرا، فهي لم تشذ بدورها عن ظاهرة العنف الذي بلغ أحيانا مستويات جد مؤلمة، وشمل رجال القوات العمومية من رجال الأمن والمحتجين أيضا، ولذلك فإن دور مختلف الإطارات والاتجاهات السياسية والإيديولوجية والمذهبية انصب بالأساس على التحليل السياسي، وفي أحسن الأحوال على بعض المقالات ذات الطابع السوسيولوجي، ولم تلتفت إلى ظاهرة وأسباب العنف الذي رافق هذه الاحتجاجات في آونتها الأخيرة بالتحديد، وتعتبر الدراسة الوحيدة التي تناولت احتجاجات الريف من زاوية أكاديمية صرفة هي تلك التي صدرت بتنسيق من الأستاذ محمد الرضواني، وهي عبارة عن مؤلف جماعي حمل موضوعه العنوان التالي : " الدولة وحراك الريف/ السلطة، والسلطة المضادة وأزمة الوساطة " غير أن مقالات الكتاب المتعددة على الرغم من قيمتها العلمية فهي في أمس الحاجة إلى نقاش مستفيض وعميق .
من أجل ذلك تجدني لا أعير كبير اهتمام لبعض السيناريوهات السياسية المنشورة على أعمدة الصحافة الوطنية والتي تريد أن تزج بهذه الاحتجاجات في حمأة موبوءة بتقديرات موغلة في القتامة والبعد عن جادة الصواب والتي لم يكن الهدف منها سوى إطالة أمد التوتر والاحتقان، بيد أن أفضل ما يمكن الارتكان إليه في هذا الصدد هو الاستناد إلى نتائج بعض الدراسات والأبحاث المغربية التي أنجزها أساتذة مشهود لهم بالمصداقية العلمية من قبيل مؤلف الأستاذ محمد الطوزي حول"الملكية والإسلام السياسي في المغرب" الذي عرج على الأحداث الاحتجاجية التي عرفها المغرب خلال القرن التاسع عشر وكيف خرج منها قويا ومعافى، وعلى نفس المنوال يمكن الاستدلال أيضا بالدراسة القيمة للمفكر المغربي الكبير الأستاذ عبد الله العروي المعروفة ب " الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية " التي كشف فيها النقاب عن خبايا بعض الجماعات المستفيدة من الأحداث العنيفة التي عرفتها بوادي مغرب أواخر القرن التاسع عشر والبدايات الأولى من القرن العشرين، وكيف أن ذلك لم يؤثر على مسار وتطور الدولة المغربية .
على سبيل الختم :
نخلص بناء على خوضنا لغمار النقاش في أتون ومضامين خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة المحورين المتعلقين بالديمقراطية والحكامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن عدم الحسم في بعض القضايا الخلافية من قبيل إلغاء عقوبة الإعدام وعدم المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وكذلك بعض المقتضيات من مواد قانون الأسرة ومدونة الشغل لن يكون لها كبير تأثير على خطة العمل الوطنية لكونها ليست من القضايا التي يمكن أن ينجم عنها عدم الاستقرار الذي يمكنه أن يؤدي إلى التوتر المجتمعي، فعقوبة الإعدام ونظام روما الأساسي قضايا محدودة تهم نخبة الطبقة السياسية والنخب الحقوقية والدينية، وليست شأنا مجتمعيا يخضع لآليات النقاش العمومي من قبل كافة شرائح المجتمع المغربي، دون أن يعفي هذا الدولة بالطبع من احترامها لمبدأ الكونية المنصوص عنها في وثيقة الدستور في ما يتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام .
ويمكننا أن نستنتج في المقابل أن وشائج العلاقة خلال القرن الواحد والعشرين انطلاقا من المقولة المعروفة ل( يوغن هابرماس )، سوف تكون جد قوية ووثيقة بين الجبهة الثقافية ومبادئ حقوق الإنسان، مما يجعل من منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، لكن بموازاة ذلك سيكون من الأهم أيضا إعمال المنظومة القيمية والأخلاقية، والتربية على ثقافة فولتير التي تهم التسامح والسلم والحق في الاختلاف وفي المصير والعيش المشترك، وأن نصيخ السمع إلى حكمة وتجربة عالمة الاجتماع السياسي الأمريكية "حنا أرندت" في مؤلفها الشهير " في العنف " .
هذا الكتاب القيم، رغم وفاة صاحبته سنة 1975 فهو لا يزال يحتفظ بالكثير من ألقه وراهنيته والذي نستوحي من أفكاره العبارات التالية : " إن العنف يتعارض جوهريا مع السياسة، بل يقصيها ويغيبها تماما، فالعنف يرتبط بأفعال غير سياسية في عمقها، وبالتالي فالعنف لا يمكن أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة، وأنه يتعين علينا لكي نفهم العنف على حقيقته أن نتفحص جذوره وطبيعته، فالسلطة والعنف ليسا الشيء نفسه، فالسلطة والعنف يتعارضان، وحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا، لتستدرك الفيلسوفة ذات الأصل الألماني، بقولها : ينبغي علينا أن نعرف كون أي انحطاط يصيب السلطة إنما هو دعوة مفتوحة للعنف "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.