موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحراك الأوروبي .. إلى أين؟

مقدمة: حررت هذه المقالة بمناسبة الذكرى الثانية لإستشهاد محسن فكري اللتي هي على الأبواب ؛ كقراءة خاصة لواقع الحراك الأوروبي اللذي يحتاح لاكثر من قراءة وتحليل في هذا الوقت العصيب ؛ من أجل تبيان نقاط ضعفه وما يعترضه من إكراهات وصعوبات ؛ أملا في مساعدة الطاقات والفعاليات اللتي ستستلم المشعل في القادم من الأيام على تفاديها وتجاوزها والتغلب عليها . إن قرائتي المتواضعة هذه للحراك الأوروبي اللذي عشت بعض أشواطه عن قرب وبشكل مباشر هي صادرة عني ليس كمناضل أو منتم لجهة أو طائفة معينة بل :
أولا : كإنسان منتم لجميع العقائد والأيديولوجيات البشرية اللتي تحترم التعدد والإختلاف والتنوع .
ثانيا : كريفي مضطهد مهجر غيور على قضاياه اللغوية والثقافية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية .
ثالثا : كمغربي منتم إلى أمورواكوش الأمازيغي ومتطلع إلى تأسيس دولة مدنية حديثة يتعايش فيها الجميع في ظل العدالة والديموقراطية والحرية .
رابعا : كمواطن أوروبي أتمنى تطبيق النموذج السياسي السويسري في المغرب اللذي سيعترف للجهات التاريخية بحقها في تقرير مصيرها .
1 - الحراك الأوروبي ما قبل اللقاء التاسيسي للتنسيقية الأوروبية أواخر شهر ماي 2017 :
يمكن القول أن الحراك الأوروبي كان قبل أواخر شهر ماي 2017 صوتا واحدا وكتلة واحدة وجسدا واحدا . انصهرت فيه جميع الحساسيات والفعاليات والتيارات الفكرية والأيديولوجية الريفية تحت سقف الملف الحقوقي اللذي صادق عليه أهالينا خلال المسيرة المسائية اللتي شهدتها مدينة الحسيمة يوم 05 مارس 2017 . وشكلت هذه الوثيقة الحقوقية أرضية مثالية لتوحد ريفيي المهجر والداخل وأحيت الأمل والثقة في قدرة الجماهير الشعبية على خوض الصراع ضد قوى القهر والإستبداد .
اندلع الحراك الأوروبي مباشرة بعد الحادث الماساوي اللذي استشهد على إثره الشهيد محسن فكري يوم 28 - 10- 2016 ؛ كرد فعل تفاعلي وتضامني واستنكاري للجريمة اللتي ذكرت الريفيين بمأساة الشهداء الخمسة وباقي المآسي اللتي لازالت عالقة بذاكرتهم الحية منذ 1958 . وتطور هذا الحراك بشكل متوازي مع حراك الداخل اللذي ظل مستمرا بسبب تماطل الدولة وأجهزتها في معالجة الماساة وإيجاد مخرج مقبول لها . فظهرت ما يسمى بلجان دعم قضية الشهيد محسن فكري في العديد من المدن الأوروبية ؛ لتتولى تنظيم وقيادة الأشكال النضالية اللتي عرفت تصعيدا وتناميا ملحوضا في بداية العام 2017 . وتحت إشراف هذه اللجان نظمت مسيرات ضخمة في العديد من المدن الأوربية اللتي شارك فيها الآلاف من ريفيي المهجر كسابقة أولى من نوعها في تاريخ الهجرة المغربية . كم قامت بمراسلة العديد المؤسسات الأوروبية الرسمية والغير الرسمية . مما أعطى لحراك الريف بعدا دوليا خاصة بعد تعاطف بعض السياسيين الأوروبيين ( على رأسهم الهولندية كاتي بيري ) اللذين أثاروا قضية الحراك في البرلمان الأوروبي وبعض برلمانات الدول الأوروبية وساندوا عملية ترشيح ناصر الزفزافي لنيل جائزة ساخاروف لحرية الفكر . فغدى الحراك الأوروبي بما أنجزه من خطوات وراكمه من مكتسبات ؛ مصدر اعتزاز وفخر وقوة بالنسبة لأهالينا بالداخل اللذين عقدوا عليه آمالا كبيرة للضغط على قوى الطغيان والإستبداد والفساد في أفق تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة . ويمكن القول أن الأشهر الستة الأولى كانت تمثل المرحلة الذهبية في عمر الحراك الأوروبي مقارنة مع المراحل اللاحقة اللتي ستعرف ظهور آفة التخوين وسيادة الخطاب الشعبوي السوقي الغير المسؤول خاصة بعد تأسيس التنسيقية الأوروبية
2 - الحراك الأوروبي ما بعد اللقاء التأسيسي للتنسيقية الأوروبية أواخر ماي 2017 :
كان الهدف من مبادرة تأسيس التنسيقية الأوروبية هو تطوير الحراك الأوروبي على المستوى التنظيمي وخلق تمثيلية موحدة ورسمية له على المستوى الأوروبي لمخاطبة الهيئات الأوروبية والدولية وحتى السلطات المغربية بصوت واحد وموحد . إلا أن هذه التجربة ولدت ميتة لأسباب ذاتية وموضوعية يمكن تلخيصها في ضعف اللجان الأوروبية وضعف نسبة الرأسمال البشري المؤهل سياسيا وفكريا مما كان له تأثير سلبي على طبيعة الأجهزة والآليات المنبثقة عن لقاء مدريد . إلى جانب الهجوم الشرس اللذي تعرضت له هذه اللجان والتنسيقية بعد إنهاء أشغالها من قبل فعاليات معارضة للتنظيم وأخرى محسوبة على التيار الجمهوري اللذين كانوا يرغبون في أخذ مقترحاتهم وأطروحاتهم بعين الإعتبار في هذا اللقاء . واللتي تتمثل بالأساس في التصعيد السياسي وتشهير ورقة الإستقلال وإحياء الجمهورية الريفية في وجه الدولة المغربية ( ويعتبرون هذا التكتيك كخيار وحيد للضغط على المخزن ) . ورغم رسالة ناصر الزفزافي الصوتية اللتي وجهها إلى المشاركين في لقاء مدريد ؛ واللتي يدعوهم فيها إلى احترام إرادة أهاليهم بالداخل والإلتزام بالملف الحقوقي كأرضية متوافق عليها ؛ وعدم جر الحراك إلى آفاق مظلمة ؛ تشبث هذا التيار المتحمس للتصعيد بتوجهه وخياره المتشدد وتبخيس الملف الحقوقي ؛ اللذي اعتبره خبزيا وغير ذي قيمة وسيعلن بعض عناصره عن نيتهم في فك الإرتباط مع حراك الريف وفلسفته وسقفه النضالي في وقت لاحق خاصة بعد مناقشة حراك الريف في أروقة البرلمان الأوروبي في بروكسل .
لذالك سيعمل جاهدا بعد ذالك وبكل الوسائل من أجل تأسيس حراك أوروبي مستقل طائفي يتحكم فيه الحزب الوحيد ذو لون واحد وأيديولوجية وحيدة وعقيدة مطلقة مقدسة . و سيظهر جناح تخويني وظيفي منتشر قي العديد من الدول الأوروبية محسوب على التيار الجمهوري ومتخصص في التخوين وتشويه سمعة النشطاء المحسوبين على التيارات اليسارية والحقوقية وحتى المستقلين الغير المنتمين لأي تيار والغير المقتنعين بالعقيدة الجمهورية . وسيكون لهذا النهج البدائي الداعشي والشوفيني دور كبير في تقزيم الحراك الأوروبي ومنع تطوره على المستوى التنظيمي وتنفير الناس منه وإغلاق الباب أمام النخب الريفية الأوروبية المعتدلة للإلتحاق بهذا الحراك . وكان هذا السلوك خرقا سافرا لفلسفة الحراك اللتي سطرها قادة حراك الريف والتي تتلخص في المبدء القائل بأن الحراك هو مستقل عن الجميع وملك للجميع وانخرط فيه الجمهوري والملكي واليساري والإشتراكي واللبرالي والإسلامي ......إلخ . هاكذا تحول الحراك الأوروبي بعد هذه المحطة إلى جبهات طائفية متقاتلة ومتناحرة حول القضايا الثانوية والتافهة بعد أن كان جبهة واحدة رغم تنوع أجنحته ومكوناته اللتي صبت كلها في خدمة قضايا الريف الراهنة والآنية والمستعجلة على أرضية الملف الحقوقي المتوافق عليه .
3 - ما بعد محطة فرانكفورت وفشل مساعي المصالحة واستفحال ظاهرة التخوين :
لقد بلغ مستوى التخوين والتكفير؛ اللذي اتخذه التصعيديون الموحندويون كسلاح وحيد للتخلص من مخالفيهم ؛ مستوى خطير يرقى إلى درجة الأفعال الإجرامية اللتي تعاقب عليها القوانين والتشريعات الأوروبية . حيث تم التجني عل العديد من الأشخاص من خلال التشهير بهم وتشويه سمعتهم عبر اللايف والتدوينات المنشورة في وسائل التواصل الإجتماعي والتلميح إلى تصفيتهم جسديا في بعض الأحيان . وغالبا ما كانت التهمة الموجهة لهؤلاء هي الإنتماء للدكاكين السياسية والجمعيات الممخزنة واليسار العروبي الخوزوماشوقي.....إلى غير ذالك من التهم الواهية والغير المنطقية . وأشهرت جماعة التخوين والتكفير مبدء حراك الريف اللذي عادى الدكاكين السياسية والجمعيات المدنية لتبرير أحكام التخوين هذه ضد الآخر المختلف اللذي لا يشاركهم نفس القناعات والمبادئ . وعلى أساسه رفضوا حضور أشغال لقاء فرانكفورت المنعقد في بداية شهر فبراير 2018 رغم المجهودات الكبيرة اللتي بذلت من أجل تجميع الشمل في هذه المحطة ؛ بمبرر أن هذا النشاط هو استمرارية لمحطة مدريد وأن المشرفين عليه هم خوزوماشوقيون ويساريون عروبيون ممخزنون .
ولكن السبب الحقيقي وراء هذا العداء المطلق للتيار المعتدل المتشبث بسقف حراك الريف ؛ ليس هو الغيرة على مصلحة الريف ومصلحة المختطفين والمعتقلين القابعين في السجون والمعتقلات وعائلاتهم اللتي تعاني بشكل يومي ودائم كما يزعمون . لو كان الأمر كذالك لما خرجوا عن مبادئ الحراك وفلسفته ولما رفضوا المساعي الحميدة اللتي كانت تحاول إبرام الصلح بين الإخوة الأعداء . كل ذالك كان من أجل فرض طرحهم الخاص المتمثل في إشهار ورقة الإستقلال في وجه الدولة المغربية وفرضه قسرا على جميع الريفيين . و ينطلقون من المسلمة القائلة بأن الريف له مرجعيته الفكرية والسياسية المتمثلة في الفكر الموحندوي ومشروع الجمهورية الريفية لتأكيد صحة هذا الطرح وحقانيته وسموه على كل المرجعيات الأخرى السياسية والفكرية . وعلى هاذا الاساس يكفرون كل من لا يقبل بهذه المرجعية المقدسة عندهم . تماما مثل المسلمين السلفيين المتشددين اللذي يقدسون التراث الإسلامي والخلافة الإسلامية كمرجعية مقدسة لكل مسلم وكل خارج عنها هو كافر .
4 - الحراك الأوروبي والحاجة لحراك فكري وفلسفي تنويري تصحيحي لتجاوز مرحلة التخوين :
إن عقلية التخوين اللتي ظهرت بوادرها الأولى بالريف كلفت الحراك الأوروبي الكثير وعرقلت مواصلة مسيرته بالشكل اللذي انطلق بها . ورغم ما حققه من إنجازات ومكتسبات مهمة إلا أنها لم تبلغ بعد مستوى التضحيات الجسيمة اللتي قدمها ولا زال يقدمها إخواننا المختطفون والمعتقلون القابعون وراء القضبان . وليس هناك أي مبرر أو معنى لهذا الصراع الهجين في الوقت الراهن اللذي لا يخدم قضية الريف في شيء . و من المفروض بدل ذالك أن يتوحد هاذا الحراك أكثر حول قضية المختطفين وملفهم الحقوقي اللذي من أجله يؤدون ضريبة النضال وتتألم عائلاتهم وتتعذب من أجلهم بشكل يومي . إن الواجب الأخلاقي والإنساني لريفيي المهجر هو دعم أهاليهم وإخوانهم في معركتهم البطولية ضد الإستبداد والفساد . وليس من حق أحد أن يعطي لهم الدروس في النضال أو يقدم لهم النصائح ويدلهم على الطريق الصحيح ؛ وكل من يسعى إلى خلق توافق وتعاقد جديد يتجاوز الملف الحقوقي عليه القيام بنفس ما قام به أهالينا بالداخل وصنع حراك جديد ولكن ليس على حساب معاناة أهالينا بالداخل .
إن الفكر لا يمكن أن يكون سببا مباشرا للتخوين . وذالك مهما كانت طبيعة هذا الفكر ؛ سواءا كان جمهوريا أو إسلاميا أو ماركسيا أو أمازيغيا. إن جذور التكفير والتخوين مرتبطة أكثر بطبيعة التكوين الوجداني والنفسي للإنسان اللذي من طبيعته اعتناق العقائد والنظريات والأديولوجيات اللتي يتأثر بها في المحيط والزمن اللذي ينشأ فيه . لذالك نجد المخونين والمكفرين في كل المذاهب بنفس الدرجة اللتي نجد فيها مفكرين إنسانيين يعترفون بقيم التعدد والتعايش السلمي واحترام الآخر المختلف . وإذا كان الإختلاف لدى المتشدد والمتعصب هو مبرر للتخوين والتكفير فذالك عند الديموقراطيين والمتشبعين بالقيم الإنسانية الحديثة ؛ لا يفسد للود قضية . كارثتنا الكبرى نحن غالبية ريفيي أوروبا هي أننا نعيش في بلدان تجاوزت بكثير نمط تفكيرنا وطبيعة علاقاتنا الإجتماعية المبنية على الولاء المطلق للزعيم والقبيلة والجماعة ونبذ التفكير الجدلي والنقدي . ولا زلنا نفكر بعقلية طفولية أسطورية وخرافية لا علاقة لها بالواقع الأوروبي المعاش ؛ اللذي إذا ما استطعنا فهم سر تقدمه وتطوره لقدمنا الشيئ الكثير لأهالينا . إن الحراك الأوروبي في حاجة لعصر الأنوار وحراك فكري وفلسفي يخلصنا من عاهاتنا الوجدانية والنفسية اللتي تسببت لنا فيها المنظومة المخزنية القوروسطوية نتيجة حرماننا من حقوققنا و تهجيرنا من وطننا .
5 - الحراك الأوروبي : الإكراهات الذاتية والموضوعية :
لم يكن هناك إلى حدود اندلاع الحراك بعد استشهاد محسن فكري أي تنظيم سياسي أوحقوقي أو ثقافي ريفي قادر على زحزحة الوصاية المطلقة اللتي يفرضها المخزن المغربي العابر للحدود ؛ عبر منظومته التربوية والدينية والإعلامية والسياسية ؛ على الوعي الجمعي الريفي أو المغربي بشكل عام بالمهجر . إن هاذا الوعي كان ولا زال محاطا بسياج من حديد سميك وغليظ من الصعب جدا نقر ولو فتحة صغيرة فيه نظرا لخضوعه المطلق لهيمنة حلفاء المخزن من وعاظ وأئمة ورجال الدين ونخب مخزنية . إن هاذا السياج يشبه تماما حجم الصور اللذي ضربه ذو القرنين على قوم ياجوج وماجوج لمنعهم من إيذاء جيرانهم . ولقد اشتغل المخزن على بناء هذا السياج منذ الستينات من القرن الماضي ؛ ولا زال يصرف الملاير من أموال الشعب على الأئمة ورجال الدين والجمعيات المخزنية اللتي تتولى حراسة الأمن الروحي للعوام الريفيين وغسل دماغهم واستلابهم و بالتالي الحفاظ على ولائهم المطلق للمخزن ورموزه . ظلت الدولة المغربية في مأمن تام من أي قلاقل يمكن أن تتسبب فيها هذه الملايين اللتي تدعم خزينتها بنسب ضخمة من العملة الصعبة ؛ حتى جاء الحراك فتغيرت المعادلة وأصبحت هناك أصوات ريفية تسائل الدولة المغربية حول سياستها في منطقة الريف وتحاسبها وتحاكمها أمام الرأي العام الدولي .
إلا أن ضعف الإطارات السياسية والحقوقية والثقافية الريفية المستقلة المتواجدة بالمهجر إلى جانب تجذر المنظومة الفكرية المخزنية في الوعي الجمعي الريفي يمكن أن يكون أكبر عائق موضوعي أمام الحراك الأوروبي اللذي يسعى إلى خلق جبهة ريفية عريضة معارضة للمخزن المغربي . ولا بد من وعي الحراك الأوروبي بهذا العائق وفهم مكوناته البنيوية وتفكيكها وإيجاد آليات تسهل عملية تكسير السياج المخزني المشيد حول الوعي الجمعي الريفي المزيف والممسوخ . وهذا لن ينجح طبعا في ظل التطاحن والإقتتال الريفي الريفي الحاصل حاليا ولا بد من وضع حد لهذه الوضعية والتفكير بشكل جماعي وتضامني من أجل إعادة بعث الروح من جديد في الحراك الأوروبي لمواجهة مثل هذه التحديات .
أما الإكراهات الذاتية فيمكن إيجازها في منسوب الخوف اللذي لا زال متجذرا في وجدان أغلب ريفيي المهجر ( خاصة الأجيال اللتي تربت وترعرعت في كنف المنظومة المخزنية ) رغم تحررهم على المستوى المعيشي والإجتماعي من مؤسسات الدولة المغربية . أي أن تعاطيهم للسياسة لا يمكن أن يشكل أي خطورة على أرزاقهم ومورد عيشهم كما هو الشأن داخل المغرب . إلا أنه رغم ذالك هناك حذر شديد من الإقتراب من دائرة المخزن ومعارضة سياساته حتى فى مستوياتها الدنيا اللتي تسمح بها القوانين المغربية . وهذا الخوف موروث إلى حد ما عن المنظومة المخزنية الإستبدادية اللتي تعاملت مع الريفيين بالحديد والنار منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي حتى اليوم . مما جعل الريفيين يحذرون من التعاطي مع الشأن العام والسياسة اللتي لا تؤدي بصاحبها سوى إلى التهلكة والموت والسجن . دون أن ننسى طبعا ظاهرة التخوين اللتي لا زال الحراك يعاني من تبعاتها التدميرية .
خاتمة :
إن الحل الوحيد لمأزق الحراك الأوروبي يكمن في العودة إلى مبدء استقلالية الحراك واحترام كل مكوناته وأرضيته اللتي تعاقد عليه الريفيون ؛ والقطع مع ثقافة التخوين والتكفير ؛ وتراجع كل من كانت له اليد بشكل مباشر أو غير مباشر في نشر التخوين إلى الوراء . ان الحراك الأوروبي لمابعد مرحلة التخوين في حاجة إلى طاقات سياسية وفكرية وثقافية متشبعة بثقافة الأنوار وليس ثقافة القبيلة و مؤهلة قادرة على إنتاج خطاب حقوقي وسياسي ريفي وواقعي على أساس مشاريع ومقترحات تتعلق بالقضايا الراهنة والإستعجالية لمنطقة الريف وعلى رأسها إطلاق سراح إخواننا المتواجدين وراء القضبان وفتح أوراش تنموية حقيقية في مستوى تطلعات أهالينا ومطالبهم العادلة والمشروعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.