رغم امتلاك مدينة الحسيمة للعديد من المقومات الطبيعية التي تؤهلها لأن تصبح وجهة سياحية بإمتياز، فإن الواقع الحالي للسياحة بهذه المدينة يكشف عن تدهور وركود سياحي وما يستَتْبِعه من ركود تجاري غير مسبوق، يُنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بدأت بعض تجلياتها تتضح من الآن، أبرزها إفلاس المشاريع الصغيرة وهجرة الفئة النشيطة. في فترة الصيف من سنوات قد خلت كانت مدينة الحسيمة تنتعش بفضل السياحة الداخلية حيث كانت تستقطب عدد كبير من المواطنين من مختلف المدن المغربية الذين تُلهمهم أجواء وطبيعة مدينة الحسيمة وبالأساس شواطئها، علاوة على استقطاب السياح الأجانب من مختلف الدول لاسيما الأوربية المتوسطية، وذلك بالتزامن مع عودة الآلاف من أبناء هذه المدينة من الدول الأوربية، مما كان يخلق دينامية وحركية سياحية وتجارية هامة، تُعوّض ركود باقي فصول السنة. هذه الدينامية والحركية التجارية والسياحية أصبحت من ذكريات ماضي المدينة، وبدت كضوء شمس غاب وحل محلها ضلام انسدل على واقع المنطقة، وجعلها كمدينة مهجورة .. هو واقع مرّ يتفاقم سنة بعد أخرى، نتيجة عدة عوامل متداخلة محلية ووطنية ودولية، سنتطرق لأحدها في تقرير "دليل الريف" التالي: في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإنهاء هذا الواقع المظلم الذي لا تحتمل منه المزيد هذه المدينة التي لُقبت تارة ب"الجوهرة" وتارة ب"المنارة"، وإعادة الحياة لها وإستعادة "الزمن السياحي الجميل"، نجد أن المعنيين الأساسيين بالأمر يسبحون عكس التيار، ويُساهمون بقسط وافر في تأزيم الوضع السياحي ومعه التجاري بالحسيمة. الأمر يتعلق هنا بالمجلس الإقليمي للسياحة بالحسيمة، وهو الجهاز الوصي على القطاع إقليمياً، حيث ظل منذ بداية الأزمة التي تنخر القطاع بالحسيمة، مكتوف الأيدي دون إتخاذ أي مبادرة من شأنها تخفيف حدة الأزمة على الأقل، و لم يُسجل على المجلس اتخاذ أي خطوة عَمَلية فعّالة تهم القطاع منذ انتخابه، اللهم إصدار بيان إبان الحراك يُطالب السكان بعدم الاستجابة لدعوات الاحتجاج لأنها تضر بالسياحة، بل الأكثر من ذلك يُساهم أعضاء المجلس باعتبارهم ملاك لعدد من الفنادق المصنفة بالمدينة، في تنفير السياح، عبر رفع أسعار المبيت في هذه الفنادق بشكل "جنوني" وجعلها لا تُساير بتاتاً الواقع المرحلي للمدينة. وكمثال صارخ على "جنونية" الأسعار، نجد أن فندق أمير الشاطئ ذو ثلاثة نجوم الذي تعود ملكيته للرئيس الحالي للمجلس الاقليمي بالحسيمة، وضع ثمن 998 درهم لليلة الواحدة، في الوقت الذي تتراوح أثمنة الليلة الواحدة في الفنادق ذات ثلاثة نجوم بمدينة طنجة بين 550 و 700 درهم، ولكم أن تقارنوا واقع الحال بين "طنجة الدولية" و"الحسيمة المهجورة"، وبين أثمنة فنادق المدينتين.
نماذج لأثمنة فنادق 3 نجوم (الأول من الحسيمة والثاني من طنجة) وكنموذج آخر ل"جشع" من يُفترض فيهم ترجيح مصلحة المدينة على المصلحة الشخصية، نجد أن أثمنة فندق "ميرا بلاص" ذو أربعة نجوم الذي يملكه الرئيس السابق للمجلس الجهوي للسياحة، تصل إلى 1255 درهم لليلة الواحدة، في الوقت الذي نجد فيه بعض الفنادق من نفس الدرجة وبمواصفات جيدة، بمدينة مراكش تتراوح بين 500 و 600 درهم لليلة الواحدة، ولكم كذلك أن تقارنوا بين "مراكش العالمية" و "الحسيمة ...". نماذج لأثمنة فنادق 4 نجوم بالحسيمة نماذج لأثمنة فنادق 4 نجوم بمراكش ويُشار إلى أن صاحب الفندق الأول يستفيد من مساحة كبير من الملك البحري في شاطئ "ماطاديرو"، جعل منه فضاء يحلب منه جيوب المصاطفين، أما صاحب الفندق الثاني استفاد وما زال يستفيد من أوعية عقارية هامة بأثمنة بخسة من أجل إنشاء مشاريعه السياحية، وهي امتيازات يتلقاها هؤلاء تحت غطاء تشجيع وتنمية القطاع السياحي بالمنطقة، فأي تنمية ستتحقّق أمام هذه الأثمان التي بمجرد أن يطلع عليها الراغب في زيارة الحسيمة عبر مواقع الحجوزات، تُحبط رغبته ويُحوّل وجهته مرغماً نحو مدن بلدية تتوفر فيها خدمات سياحية مهمة بأسعار معقولة. هذا دون أن نغفل الوحدات الفندقية المصنفة بالحسيمة التابعة لمؤسسات شبه عمومية (الحسيمة باي، ميركور، محمد الخامس)، حيث تعتمد أثمنة وإن كانت أقل من أثمنة الفنادق المذكورة أعلاه، إلا أنها لا تتماشى مع طبيعة هذه المرحلة الخاصة التي تمر بها المدينة، كما أن خدماتها لا ترقى إلى مستوى التصنيف الذي حصلت عليه، وهذا بشهادة المهتمين والمعنيين بالقطاع، في الوقت الذي كان عليها أن تقدم عروض مميزة عن باقي الفنادق بالمدن الأخرى لتشجيع السياحة بالمنطقة، في إطار المساهمة في إخراج المدينة من الازمة الخانقة التي تتخبط فيها. وعلى سبيل الختم حري بالذكر أن وزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، كنت قد خصصت خلال السنة الماضية علافاً مالية مهماً لإطلاق حملة تواصلية وترويجية للقطاع السياحي بالحسيمة، بشراكة مع المجلس الاقليمي للحسيمة، دون أن يترجم البرنامج على أرض الواقع ودون أن يُصرف هذا الغلاف المالي في الغرض الذي خصّص لأجله، ولنا عودة إلى هذا الموضوع تقرير لاحق.