لعشاق تاريخ الريف ، اليوم سوف اسافر بكم الى الماضي العريق الممتلئ بالذكريات و التقاليد التي لا يمكن نسيانها ، و ان هاته الامور ما زلت راسخة في عقل الانسان الريفي الامازيغي ، ان موضوع اليوم موضوع شيق جدا و صعب جدا على اي باحث ان يتعمق فيه نظرا لقلة تواجد المصادر سوى أدبية او غير ذلك . من المعروف أن المجتمع الريفي هو مجتمعا زراعيا و اقتصاده يعتمد على الفلاحة ، و بمجرد حلول فصل الشتاء في الريف تسنح للناظر رؤية زحف الربيع واخضرار الجبال وعودة ارتفاع صبيب المياه، وذلك استبشار خير وفأل بقدوم موسم زراعي ناجح. ان موضوع المقال اليوم هو الدورة الزراعية السنوية في الريف ، سينطلق النقاش من اولى عمليات الزراعة الى غاية انتهاء الموسم تبدأ التساقطات الاولى في اواسط شهر أكتوبر معلنة بذلك عن انطلاق عملية الزرع و الحرث ، بعدما يكون المزارعون قد حضروا الأرض. عادة ما تحتاج عملية الحرث الى شخصين ، الاول يقوم ببذر الحبوب ، و يتبعه الثاني بالمحراث الخشبي (Asra.Thayassa)الذي يتم جره بواسطة الدواب ، و تستمر العملية بشكل متقطع حتى أواخر شهر يناير. بعد الهطول المتزايد للأمطار ، و تنبت الحبوب ، كمرحلة أولية يتم حصاد الشعير ( Rkssirr) و هذا الامر حكرا على الشعير فقط ، اما باقية الحبوب لا ، كذالك هذه العملية لا تعني نهاية مشوار الشعير ، اذ يبدأ في النمو من جديد حتى تنضج السنابل ، نكون قد وصلنا إلى شهر ماي ، اي بقيت الاشهر الاخيرة للحصاد ، اواخر هذا الشهر ، يتعمد الانسان الريفي الى حصاد السنابل الناضجة من اجل الحصول على ( Imamz) او ( Thazamit) , من اجل الحصول على هذه الوجبة يتم جلب الشعير الذي تم حصاده و هو في مرحلة النضج الى فناء المنزل ،اذ يتم نفض السنابل عن غصنها الرئيسي(Azarzi)، و يتم وضع الحبوب في الشمس لمدة وجيزة ، بعدها يتم وضع الحبوب على صحن من الطين على النار من اجل القلي ، ثم بعد هذا تصل مرحلة تجرش ( Idaz imandi g Mahraz) او ( Ayaz) الحبوب في المهراز الخشبي للتخلص من بقايا الأغصان ، و تتم عملية الذري للتخلص من بقايا التبن ، ثم تعود عملية وضع الحبوب على صحن فوق النار للقلي مجددا ، و في الاخير يتم طحن اما يدويا او عبر الالة ، و في الاخير يتم الحصول (Thazamit) ، و للإشارة فإن هذا العمل تقوم به النساء فقط ، و فيما يخص تاريخ هذه الاكلة فلنا عدة فرضيات وهي : الاولى :اكتشاف هذه الأكلة الى الزمان القديم ، اذ كانت المناطق الريفية تعاني من الجماعة و قلة المأكل والمشرب ، و لذكاء نساء الريفيات اتجهن الى اختراع هذه الاكلة من اجل اشباع حاجيات اولادهن ، الثانية : كما هو معروف فان المرأة الريفية هي المكلفة بالثقافة الغذائية في الريف ، و نظرا لتوليتها لهذا الامر اتجهت الى ابتكار عدة اكل من منتوج واحد ، و الاكلة السالفة الذكر تستخلصها المرأة الريفية من الشعير ، كما ايضا تستخلص منه عدة اكل مثل (Zambo/Afarfor) بعد هذا ، ينتظر الريفيين 15 يوم او اكثر و يبدأ موسم الحصاد في اواخر شهر يونيو ، و هذه العملية عبر طريقتين ، الاولى عن طريق العمل التطوعي كل يوم عند شخص ما من أبناء المنطقة ، و عندما ينتهي العمل معه يتم الذهاب إلى شخص اخر و تسمى هذه العملية في المعجم الامازيغي بي ( Thwiza) ، و الثانية عبر العمال و يصطلح عليهم بي ( Icawaran) و هم عمال مختصون في الحصاد و هذه المهنة موسمية ، و يستعمل العمال انابيب من القصب لحماية الوسطى و البنصر و الخنصر من ضربات المنجال ، و ان هذه العملية تصاحبها طقوس أمازيغية بإمتياز مثل رفع أهازيج ريفية ( Izran) ، كشحنة ايجابية لمواصلة العمل و هي نفس الاهازيج التي ترفع في الاعراس ، يجمع الزرع في كومات (Acawaf) و يتم وضع فوقه الحجارة من اجل حمايتها من الريح من جهة و للتأكد من حدوث سرقة في حال ملاحظة نقص ما. فيما بعد يتم نقل الزرع المحصود على ظهر الدواب او ظهر رجال و نساء المنطقة الى البيادر ( Andra) ، ليقوم الرجال بعملية الدرس باستعمال الحمير او الابقار او البغال. غالبا ما يحتاج المزارع الى دابتين على الاقل لإنجاز هذه العملية ، حيث يجعلهما تدوران في البيدر باستمرار ، تربط الدواب فيما بينها بواسطة حبل يمر حول اعناقها و يمسك بطرفه الاخر المزارع نفسه او احد أبنائه ، من اجل التحكم في سيرها و تغيير الاتجاه دورانها بعد كل نصف ساعة تقريبا حتى تستريح الدواب التي في الجهة الخارجية من الدائرة. بعد هذه العملية ، تنطلق عملية التذرية بواسطة المذراة ( Thazath) لعزل الحبوب عن التبن ، تليها عملية اخرى يستعمل خلالها المزارعون مجرفات و مقشات خاصة لتنقية الحبوب من الأجزاء الغليظة من التبن التي لم تحملها الرياح في عملية التذرية . يعبئ المزارعون بعد ذلك الحبوب المصفاة في الاكياس و يتم بعثها المنازل ، و تقسمها النساء الى قسمين ؛ قسم من اجل التغذية ، قسم من اجل الزراعة في السنة المقبلة و يتم وضعها في المطامير ( Thasraft). اما التبن فله طريقة التعامل معه ، اذ يتم وضعه داخل البيدر وسطه ، اذ غالبا ما تحتاج عملية صناعة الكومة ( Athmon) ، الى عدة رجال من اهل القرية ، غالبا يبدئ هذا العمل مع طلوع الفجر إلى غاية الظهيرة و هو عمل تطوعي (Thwiza) ، و لا يتقاضى المشاركون في هذا العمل اجرا عنه ، و ترافق هذا العمل مجموعة من الاهازيج الريفية ( Izran) ، و ينتهي الامر الى صناعة شكل من الأشكال الهندسية اما دائريا او مستطيل ، و يسمى غالبا في المعجم الامازيغي بي (Athmon) ، اي كومة التبن ، و ينتهي الامر اما بوجبة غذاء او عشاء على شرف المزارع لكل من اهل القرية سوى من شارك في هذا العمل او غيرهم ، و تتنوع هذه المائدة بعدة اطباق ريفية . هناك فرضيات حول اشكال متى ينتهي موسم الحصاد الاولى : قبل يوم موت الارض اليوم السابع من شهر يوليوز( Thainsath) ، للان المخيال الريفي يعتقد ان كل شيء يجب حصاده قبل هذا التاريخ ، نظرا لما يحمل من اهمية ، اي بعد هذا التاريخ يبدأ الموسم الزراعي من جديد ، و بداية موسم جني ثمار الاشجار ، و يعتبر هذا التاريخ مرحلة تفصيلية في التقويم الامازيغي. الثانية : يجب ان يبدأ موسم الحصاد بعد تاريخ السالف الذكر ، اذ بعد هذا التاريخ تكون المزروعات قد نضجت بشكل كبير ، و ان حصيلة الحصاد تكون ايجابية . اذان تختلف المعتقدات من حين لأخر ، و كل منطقة الا ولها طرقها و وتقاليدها الخاصة بها . تنتهي الدورة الزراعية حسب دافيد هارت ، حولي منتصف شهر شتنبر ، اي خلال موسم الحفلات و الاعراس التي تنطلق في شهر غشت ، و تستمر حتى اواسط شهر أكتوبر ، حينما تبدأ التساقطات الاولى معلنة عن انطلاق عملية الحرث و دورة زراعية جديدة. محمد بدواو طالب باحث في جامعة محمد الاول وجدة