منذ اختطاف يوسف الحمديوي وترحيله إلى عكاشة بالبيضاء، وأطفالي يتساءلون عن مصيره، ويكثرون من الأسئلة المحرجة لي، عن تاريخ إطلاق سراحه ولماذا تم اعتقاله، وهل من يخرج غلى الشارع ليطالب بحقه مصيره السجن و و و ...كثير من الاسئلة البريئة والعميقة كانت تصفعني كل يوم، وكثيرا ما كنت اضبطه يبكي خلسة في انتظار إطلاق سراحه.. خلال الزيارة الأخيرة، فاجأت ابني يوسف الحمديوي البالغ ن العمر 10 سنوات، ساعات قبل انطلاق رحلة العذاب إلى عكاشة، تفاجأ كثيرا، أصبح نشطا يتحرك في كل اتجاه من فرط الفرحة التي بداخله بأن يلتقي اسمه المسجون وابن عمه الذي سجن ظلما وعدوانا، عانقني حين تأكد بأن الأمر حقيقي وعليه الاستعداد.. وكنت قد كتمت الامر ايضا على المعتقل يوسف الحمديوي.. في حين انتبات طفلتي نوميديا هيستيريا بكاء وغضب لأنها ترغب أيضا في الذهاب، ووعدتها أن دورها سيكون التالي لتقضي هي بدورها عطلتها في الطريق إلى عكاشة.. عند خروجنا من البيت، طرحت عليه سؤالا، أردت أن أعرف منه حقيقة مشاعره، وهو يستعد للذهاب إلى عكاشة، أجابني: أبي، لا استطيع أن أصف لك مشاعري، لأنني مرتبك كثيرا، فهي ممزوجة بين الفرح والحزن، فرح لأنني سأرى يوسف العزيز علي، وحزني لأنني أعرف أنه سيبقى هناك حين نعود ولن يرافقنا إلى البيت... عانقته وقلت له: سيخرج قريبا يا صغيري، وعليك أن تستعد لعذاب الرحلة الطويلة التي سنقطعها. كانت الرحلة مرهقة له، قلة النوم، والتعب، وكثرة الاسئلة التي تدور في رأسه، رغم أنه استأنس بإسراء التي رافقتنا في الزيارة لتزور والدها أيضا.. طوينا المسافات بكل معاناتها، وحانت لحظة الحسم وموعد اللقاء.. حين جلسنا في قاعة الانتظار الذي طال كثيرا، كان يسألني، متى سيأتي يوسف، ولماذا تأخر كثيرا؟ كنت أعلم أنه مشتاق لهذ اللحظة التاريخية التي ستظل موشومة في ذاكرته، كطفل صغير، وستنقش فيها لترافقه طيلة حياته، وكان هذا هدفي الحقيقي من وراء مرافقته لي في الزيارة.. فجأة دخل المعتقلون بعد طول انتظار، وقف يوسف ابني ينظر بلهفة جهة الباب الحديدي الذي دخلوا منه، يبحث عن يوسف ويتساءل عمن يكون هذا وما اسم ذاك.. حتى وصل إلينا فتعانقا عناقا شديدا، خصوصا وأن يوسف المعتقل لم يكن في علمه أن يوسف الحر الطريق سيزوره، كانت المفاجأة سارة بالنسبة لهما.. بعد أن استكمل المعتقلون دورة السلام على الجميع، وعاد كل معتقل إلى مكان جلوس أفراد عائلته، قال لي يوسف المعتقل: فاجأتني ياعمي باصطحابك ليوسف في الزيارة.. ثم راحا يتبادلان أطراف الحديث... عند انتهاء وقت الزيارة، بحثت عن ابني يوسف خارجا، بعد أن افتقدته للحظة، رأيته منزويا في زاوية عند باب إحدى قاعات الزيارة ووجهه إلى الحائط، انتزع نظارته وبدأ يمسح دموعه الساخنة التي 1رفها خفية، عانقته وأنا أتمالك نفسي واشجعه على التوقف عن البكاء، التفتت ورائي فرأيته مشاعر الحزن والكآبة تعم المكان، أمهات وأخوات وزوجات وأبناء يبكون جميعا ويمسحون دموعهم، ثم انخرطت في موجة المشاعر تلك وسط رائحة كريهة كانت تحاصرنا من كل مكان، ثم عدنا من حيث أتينا، ليعود يوسف المعتقل إلى زنزانته، ويعود يوسف الطليق إلى عالمه الصغير الذي أصبح كبيرا بأمل أن يعانقه يوما خارج الأسوار.. أطلقوا سراح أطفالنا