باختلاف أعمارهن وأوضاعهن الاجتماعية ومستوياتهن التعليمية والثقافية، وقفت الريفيات في المغرب إلى جانب الرجال يهتفن "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية ومساواة". لم تكن الجغرافيا حاجزاً أمامهن، بل ناضلن حتى من خارج الريف. كانت زغاريد الريفيات تتعالى في كل المسيرات والاحتجاجات. إنه انتصارهن داخل مجتمع محافظ، فقد خرجن في "حراك الريف" إلى جانب الرجال، ولم يقتصر دورهن على الجانب المعنوي وإنما تجاوزه إلى الجانب المادي والخروج في الاحتجاجات دون أي رادع. الريفيات لَزِمْنَ الحراك منذ بدايته في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 رغم معاناتهن ورغم اعتقال أبنائهن وأزواجهن. ونظمن، في أحيان كثيرة، مسيرات نسوية خالصة. معاناة مستمرة بحرقة الأم على فلذة كبدها ودموع أنثى حرمت حبيبها، تحدثت عالية بوغروم لDW عربية عن مشاركتها في الحراك بالريف. عالية، التي اعتقل ابنها نبيل احمجيق قبل سنة تقريباً في احتجاجات الريف، شاركت في كل المسيرات والتظاهرات. "مر عام على معاناتنا". هكذا تحسب عالية الزمن الذي مر وهي تذوق الأمرين كباقي الريفيات اللواتي "اختطف أبناؤهن"، حسب وصفها. وتعتبر عالية بوغروم أن معاناة الريفيات لا تقتصر على الجانب المادي فقط، وإنما المعنوي كذلك. فهي اليوم تكابد معاناة السفر حتى سجن "عكاشة" بمدينة الدارالبيضاء، حيث يوجد ابنها، وتقطع كل أسبوع أكثر من 1400 كيلومتر ما بين مدينتها ومدينة الدارالبيضاء لتتابع سير محاكمته. "يا كبدي، سيأخدونه مني". هكذا عبرت عالية عن معاناتها اليومية قبل اعتقال ابنها. هذه المعاناة المستمرة قادتها إلى المستشفى، حيث بقيت عدة أيام فور سماعها خبر اعتقال ابنها. وزادت هذه المعاناة سوءاً بعد أن حرم ابنها من الخروج من السجن. "منذ أن تم اعتقاله لا أذوق النوم"، تضيف عالية بصوت يقطعه أنين امرأة معذبة في الأرض: "أعد النجوم فقط". "ثورة النساء" "أن يحدث هذا في الريف فهو أشبه بثورة". هكذا تصف شيماء زوي في حديثها لDWعربية، خروج النساء في الريف ووقوفهن إلى جانب الرجال في الحراك. فهي تعتبر أن خروج النساء في مناطق أخرى "أمر عادي"، وأن الأمر يختلف بالنسبة لخروجهن في الحسيمة. زوي، الطالبة الجامعية ذات الواحد والعشرين عاماً، شاءت الظروف أن تكبدها عناء السفر حتى الرباط (عاصمة المغرب) لتكمل دراستها، ولكن ذلك لم يمنعها من الوقوف إلى جانب أبناء منطقتها من موقع تواجدها؛ فقد خرجت إلى شوارع الرباط لاستنكار ما جرى "للشهيد محسن فكري" والمطالبة ب"الحقوق المهضومة" لأبناء المنطقة. وتؤكد زوي على "دور المرأة المفصلي في الحراك الشعبي"، مضيفة أن الأم والزوجة والأخت والحبيبة كلهن ساندن الرجل الريفي وخرجن إلى جانبه في جميع الأشكال الاحتجاجية. كما اعتبرت فعل الريفيات استثنائياً، ذلك أنهن فعلن ما لم تستطع فعله الإطارات النسوية التي "تدعي الدفاع عن حقوق المرأة"، حسب تصريحاتها. وترى شيماء زوي كذلك أن" المرأة الريفية وصلت لوعي متقدم جداً" وتفسر ذلك بقولها: "حتى بعد بداية موجة الاعتقالات، استمرت النساء في الخروج إلى الشارع". تاريخ من النضال النساء في الريف كن مع الرجال دائماً في الحروب والاحتجاجات. وجودهن يشهد عليه التاريخ ويؤكدنه من خلال حضورهن في حراك الريف بعد مرور سنة على بدايته، حيث تقول ميساء أجزناي، 25 عاماً، لDW عربية: "الاحتجاجات أحيت أهمية دور العنصر النسوي الذي سبق و سجله تاريخ الريف في عهد الاستعمار". أجزناي ريفية تسكن خارج الحسيمة، وهي واحدة من اللواتي خرجن كلما سنحت لهن الفرصة لتعبر عن رغبتها في تحقيق مطالب "حراك الريف". وهي تعتبر أن مشاركة النساء في الاحتجاجات "دعم لصوت الحراك و تقوية لقاعدته". المؤرخ المغربي والناشط الحقوقي، المعطي منجب، صرح لDWعربية بأن دورالمرأة الريفية ومشاركتها في الأحداث السياسية والحروب كان قائماً منذ العشرينيات، بالرغم من أن المجتمع الريفي يعتبر مجتمعاً محافظاً، إلا أنها كانت دائمة الحضور في الأحداث التي تخص منطقتها وأرضها. وأكد منجب أن مشاركة الريفية اليوم في "الحراك" قد تطور مقارنة بحرب الريف التحريرية التي قادها حينها عبد الكريم الخطابي. وعن كيفية مشاركة الريفيات، قال منجب إن الريفية وقفت إلى جانب المقاتلين في العشرينيات وكانت تعتمد في الجانب اللوجستي، إذ حملت السلاح ونقلته بين مناطق الريف بكل مسؤولية. "وراء كل ريفي امرأة ريفية" يبدو أن الريفيات عملن بمثل "وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم"، والدليل ما رصدته الكاميرات والشهود، حيث ساتدن الرجال الذين حملوا وإياهن ملف "المطالب المشروعة" في الريف. كما أن الرجال في المنطقة أكدوا بدورهم على الدور البارز والفعال الذي لعبته المرأة خلال سنة من الحراك. محمد احمجيق، مشارك في الحراك وأخ للمعتقل نبيل أحمجيق على خلفية الأحداث بالريف، تحدث لDWعربية وأكد هو الآخر على التضحيات التي قدمتها النساء، والتي يسجلها التاريخ منذ زمن المقاومة، على حد تعبيره، إلى غاية الآن. ويقول احمجيق: "حضور المرأة في الحراك كان قوياً وساهم في التعريف بالقضية وفي تطور مسار الحراك". كما أكد على أن الريفية "حملت هم النضال والمناضلين". وعن البيئة التي خاضت فيها النسوة معركتهن للمطالبة بحقوقهن، يرى أحمجيق أنها كانت سبباً كافياً لتخرج بدون أي خوف أو تردد. ف"لا توجد أية حالة التحرش منذ بداية الحراك". وأضاف: "المرأة وجدت راحتها الكاملة في التصرف، كنا عائلة واحدة". قائدات كما الرجال سيليا، نوال وأسماء نسوية أخرى، كانت في واجهة الحراك في الريف. نساء كانت لهن الشجاعة لقيادة حراك منطقة كاملة والتضحية بكل ما يملكن من أجل تحقيق مطالبها حتى بعد موجة الاعتقالات. كل المتحدثين لDWعربية أكدوا على قيادة المرأة وتقدمها في الصفوف، إذ تقول شيماء زوي: "كانت المرأة دائمة الحضور في الاجتماعات والأشكال الاحتجاجية، بل غالباً ما نجدها في الصفوف الأمامية"، كما عبرت ميساء أجزناي عن الدور الريادي الذي تقلدته المرأة في الحراك، وأثبتت جدارتها "حتى أنها قادت الاحتجاجات و نجحت في ذلك". وردة العجوري، 36 سنة، معلمة ووجه نسوي نشيط في الحراك، وصفت لDWعربية كل المجهودات التي قامت بها النساء. كما أكدت هي الأخرى تعاونهن مع الرجال وتحمل مسؤوليات كبيرة في احتجاجات الريف: "شاركت النساء في التعبئة، وكتبن الشعارات كما أبدعن في كتابة ذلك". الثامن من مارس: عيد الريفيات لم يمر الثامن من آذار/ مارس هذه السنة دون أن تخرج الريفيات للاحتجاج والمطالبة ب"الحقوق النسائية" التي يسعين للتمتع بها في الحراك على غرار نساء العالم. "كان يوماً كبيراً". هكذا وصفته العجوري في حديثها، وقالت إن عدداً كبيراً من النساء خرجن بحثاً عن الاستقلالية وحقهن في الصحة والتعليم والعمل. الثامن من مارس كان فرصة للريفيات أيضاً للمطالبة بالمساواة، إذ أضفن إلى شعار الحراك الرئيسي "المساواة"، ليصير "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية ومساواة. "إنه دليل على وعي النساء ونضالهن من أجل حقوقهن دون انتظار الرجال". بهذه الكلمات عبرت العجوري عن المغزى من المسيرة "الناجحة"، التي ميزها كونها مسيرة نسوية خالصة، إذ خرجت الريفية عن صمتها لتعبرعن المشاكل التي تحول دون تحقيق ذاتها، وفي مقدمتها البطالة والفقر والتهميش.