بعد غياب طويل لسبب إلتزامات شخصية، هذا نحن نعود إلى أقلامنا من جديد، لنشارك متتبعينا من القراء أفكارنا التي قد نصيب فيها تارة، كما قد نخطأ تارة أخرى، ما دامت الممارسة محتملة لثنائية الخطأ والصواب، وما دامنا تأطرنا النسبية والعقلانية في التحليل والإختلاف في رأى ووجهات نظر، ثم مقارعة الفكرة بالفكرة، لا الفكرة بالسيف أو بالكلاشينكوف. في خضم هذا الغياب، تابعنا عن قرب مجموعة من المستجدات السياسية ذات صلة بالقضايا التي نحن في صدد الوقوف عندها في مختلف كتاباتنا، وبالخصوص تلك المستجدات التي لها علاقة ب "الفعل النضالي الأمازيغي"، هو "فعل" إن لم أقل "ردود أفعال" غير بناء بالمرة، ردود أفعال، مفتعلة في كثير من الأحيان، من قبل مهندسي سياسة هذه البلاد المستلبة والمغتصبة من قبل إيديولوجية الفكر الأحادي الذي لا يرى الحقيقة إلا بمنظاره الواحد والأوحد، تلك السياسة المفتعلة الخلاقة التي يراد من ورائها، قياس -مقياس- مستوى وعي "الفاعليين الأمازيغيين" ومدى إلتزاماتهم الفكرية والسياسية، ثم توجيه إهتماماتهم الفعلية إلى "القضايا المفتعلة" التي قد يقدموا من خلال إهتماماتهم بها خدمات سياسية لأصحابها من حيث لا يدرون. هي ممارسة سبق أن نبهنا إليها وما زلنا، كما لا يزال ينبه إليها مجموعة من الفاعلين الأمازيغيين واعون بخلفياتها وأهدافها، فاليوم، وبعد المضي كثيرا في هذه الممارسة أصبحنا نعي جيدا، أن مثل هكذا "ردود أفعال" لا يكمن أبدا أن تخدم القضية الأمازيغية، فما بالنا دفع عجلة نضالها إلى الأمام، ففي الحقيقة لا أخفي عليكم أن هذا الموضوع يحتاج إلى مقالات ومقالات من أجل تشريح كافي وكلي للجسد الأمازيغي ورصد تناقضاته الموجودة بين فهمه وقوله وممارسته، إلا أننا قبل أن ننتقل إلى السؤال المؤرق مدرج في عنوان هذه المقالة، يجب أن نسجل نقطة جوهرية حتى لا نمر على ما سبق ذكره مرور الكرام، لذلك نقول أن، جوهر الممارسية العلمية والعملية الأمازيغية اليوم، لا يمكن أن تستقيم بدون فعل، نعم فعل نضالي أمازيغي جاد ومسؤول، يتسم بالوضوح والشفاف والنزاهة بين مختلف الفرقاء السياسيين الأمازيغيين، فعل بناء ينطلق من الذات الأمازيغية المقهورة المتضررة، ويسعى لهدفه المنشود من خلال خطط إستراتيجية بناءة وآليات عمل واضحة، هذا كله طبعا في وجود "معبر سياسي أمازيغي" -سنأتي للحديث عن رهان بناءه- وفي إنسجام تام لمبادئ المأطرة للخطاب الأمازيغي، ولمواقفه سياسية ولفهم الشامل المقدم للقضية بعيدا عن التجزيئ والتشتيت والتشويه. يعتبر السؤال التنظيمي، سؤالا من الأسئلة المأرقة التي طبعت العمل السياسي الأمازيغي وما زال إمازيغن إلى يومنا هذا في البحث عن الأجوبة الممكنة له -السؤال التنظيمي- بمختلف تياراتهم السياسية لا سواء على مستوى الوطني أو الإقليمي إن لم أقل على مستوى شمال إفريقيا بأكملها. للوقوف إلى مدى صعوبة الإجابة عن السؤال التنظيمي، لا بد منا بالوقوف إلى الخلفية المغذية لفشل أي مبادرة تعسى إلى ذلك -البناء التنظيمي- أو إفشالها عنوة، ثم الوقوف إلى خلفية نفور التيارات العاملة من داخل الحركة الأمازيغية، والتي يختلف الفاعليين الأمازيغيين في الإنتماء إليها، النفور الذي يغذيه في أغلب المبادرات الأمازيغية سوء تدبير الإختلاف بين هذه التصورات الغنية التي تزخر بها الحركة الأمازيغية، وسوء تدبير الإختلاف هذا لا يكمن أن يستقيم في ظل التشتت السياسي، أو في ظل غياب تموقع السياسي الواضح للفاعلين الأمازيغية، وهذه من بين الإشكاليات الكبرى التي تنخر جسد العمل الأمازيغي اليوم، إشكالية تموقع الفاعل الأمازيغي في اللاتموقع السياسي والفكري. ومن خلال هذا، أعتقد من وجهة نظري الشخصية، أنه في ظل غياب توافق نسبي بين الفاعلين الأمازيغيين على بلورة خط سياسي واضح وتحديد معالمه الكبرى، من حيث طبيعة الفهم المقدم للعمل السياسي الأمازيغي المستقل في ظل الشروط السياسية المتاحة، ومن ثم تحديد مجالات تحركه، وإتزام الفاعل الأمازيغي سياسيا وفكريا لهوية الخط السياسي المتوافق عليه، ولأرضيته الفكرية، ففي غياب كل هذا لا يمكن، نعم لا يكمن الحديث عن نجاح أي عمل سياسي مشترك فيما هو تنظيمي. هذا بعيدا عن أحادية التفكير في المبادرة والإقتراح والتوجيه، وإلا سنسقط من جديد في الأنا الإحتكارية، والأنا الزعماتية التي كثيرا ما يضيع بحضورها تأسيس عمل سياسي تنظيمي جمعي مشترك. وعلى سبيل الختم، قد نخلص من خلال وجهة نظر هذه، إلى أن الرهان الحقيقي في بناء معبر سياسي أمازيغي مستقل من حيث الفهم والعمل، والمنسجم -المعبر السياسي- مع مواقف "الممانعة" الأمازيغية، بعيدا عن التطبيل والتبريك والتهليل لسياسة الأعتاب المخزنية الشريفة كما عودنا بعض جبناء العمل الإنتهازي الأمازيغي بفهمهم "البربري الجديد" للأمازيغية، نعم رهان البناء التنظيمي يحط على عاتق المتموقعين فكريا وسياسيا لا من يعيش عبثية تموقع سياسي وفكري، عبثية مصلحي إصلاحي الذي يحط رجله الأولى في النسق المخزني ورجله الثانية في صف "الممانعة"، فأي جهة أتت منه الرياح المصلحة أخذته، نعم أقول هنا الرهان الحقيقي في البناء التنظيمي لا العمل الأمازيغي، فالكل يهلل بالعمل، وما نحن بحاجة إلى العمل الجاد المسؤول، لا عمل التمييع والتشويه للخطاب الأمازيغي وممارسته في كثير من الأحيان. هكذا، عند الوصول للإجابة عن سؤال البناء التنظيمي الهادف للعمل السياسي الأمازيغي المشترك من قبل المتموقيين سياسيا، ومن ثم تحديد معالم هويته وأرضيته الفكرية والسياسية، وضبط التنظيم من خلال "تعاقد إجتماعي" داخلي يتوافق عليه الكل، أنذلك سيكون التنظيم مفتوح في وجه كل الأحرار الذين لهم حرقة على القضية الأمازيغية للمساهمة في دفع عجلة النضال الأمازيغي الحر إلى الأمام، وكذا السعي إلى بلورة مشروع مجتمي سياسي أمازيغي هدفه النضال من أجل تحقيق دولة المواطنة والديمقراطية لا دولة الأشخاص والرعايا.