-ترسيم الأمازيغية لم يحظ بالأولوية في المخطط التشريعي للحكومة -ترسيم الأمازيغية يتطلب بالإضافة إلى إعادة النظر في مبدأ التعريب في التعليم والقضاء..موارد مالية ضخمة.. -الصعوبة الذاتية لترسيم الأمازيغية تكمن أساسا في إشكالية اللغة الأمازيغية المعيارية .. والخوف كل الخوف أن يتم فرض لغة لا صلة لها بواقع المتكلمين الأمازيغ..
اين وصل النقاش بشان ترسيم الامازيغية ؟
يمكن النظر إلى سؤالكم هذا من الجانب المرتبط بالجهات الرسمية والمٌخوّل لها القيام بمهام الأجرأة الفعلية لمضامين الدستور، حتى لا نقول مفهوم "التنزيل" الصحيح الذي يروّج له حزب العدالة والتنمية وبعض المنجرّين وراءه بحكم انتماء هذه المفردة إلى حقل الدراسات الدينية والعلوم الفقهية، أما الجانب الآخر فهو مرتبط بالحركة الامازيغية ومجموع الفاعلين والمهتمين بالشأن الامازيغي في إطار سعيهم الجادّ لمواكبة هذه الأجرأة والمساهمة فيها عبر البحث عن آليات وكيفيات تكريس البعد الرسمي للأمازيغية كما تراه الحركة الامازيغية التي ناضلت من أجل بلوغ هذا الهدف حيث كان مطلب الترسيم الدستوري للأمازيغية مطلبا أساسيا للحركة الأمازيغية بالإضافة إلى مطالب أخرى ذات طبيعة ثقافية وسياسية واقتصادية...
فالبنسبة للجهات الرسمية، فإنكم بلا شك تتبعتم النقاش الذي دار في البرلمان حول تدخل النائبة البرلمانية فاطمة شاعو بالامازيغية، وهي خطوة أريد من خلالها إحراج الحكومة والبرلمان للإسراع باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تفعيل مضمون المادة 5 من الدستور وإدراج القانون التنظيمي الخاص بترسيم الامازيغية ضمن أولويات الأجندة التشريعية للحكومة، وقد ساهمت هذه المبادرة في خلق نقاش داخل وخارج البرلمان بغرفتيه وآل إلى ما آل إليه من تجميد للتدخلات بالامازيغية في انتظار القانون التنظيمي وتوفير الإمكانيات اللوجيستيكية كما جاء في بلاغ كريم غلاب.. وللإشارة فقط فإن مبادرة النائبة تاباعمرانت لم تصدر عن حزبها التجمع الوطني للأحرار(وهو بالمناسبة حزب لم تكن له من قبل أية رؤية واضحة بخصوص الامازيغية)، بل جاء ذلك باقتراح وإيعاز من بعض المناضلين في الحركة الامازيغية.. وفي الجانب الرسمي دائما، هناك ملاحظة تتعلق بالخطاب الحكومي حيث يرِد القانون التنظيمي الخاص بترسيم الامازيغية بشكل متواتر في خطب وتدخلات الأطراف الحكومية وخاصة على لسان رئيس الحكومة، الذي صرّح في البرنامج الحكومي أن الولاية التشريعية الحالية تعتبر استثنائية بالنظر إلى ما نص عليه الدستور من ضرورة "تنزيل مقتضياته" أثناءها، مؤكّدا ضرورة إعطاء الأولوية للقوانين ذات الطبيعة المهيكلة مثل القوانين التنظيمية الخاصة بعمل الحكومة والتعيينات والقضاء والأمازيغية والمالية ولجان تقصي الحقائق، إلا أن الحكومة كشفت مؤخرا على النسخة النهائية من المخطط التشريعي الذي تنوي تنفيذه خلال الخمس سنوات المقبلة، وجاء على رأس أولوياته تنزيل الجهوية الموسعة، والعدالة والحكامة.
ومن بين النصوص التنظيمية المتضمنة في المخطط التشريعي بالإضافة للقانون التنظيمي المنظم لسير أشغال الحكومة، هناك القانون التنظيمي المتعلق بتنفيذ الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المحدث للمجلس الوطني للغات والثقافات الوطنية، والقانون المتعلق بشروط تقديم المواطنين للملتمسات في مجال التشريع، والقانون المتعلق بكيفيات تقديم المواطنين للعرائض إلى السلطات العمومية، والقانون التنظيمي المتعلق بكيفيات وشروط ممارسة حق الإضراب، والنص المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين..
وبالنظر إلى اولويات المخطط التشريعي للحكومة يظهر أن الامازيغية لم تحظى بالأولوية حيث جاء القانون التنظيمي الخاص بها ضمن 13 قانونا تنظيميا والتي يحتوي عليها المخطط وهو إجراء يدخل في إطار المهام الدستورية التي أنيطت بالحكومة من خلال إخراج القوانين التنظيمية وفق ما ينص عليه الفصل 86 من الدستور الجديد..
وهذا بجرّنا لمعرفة دور الطرف الآخر وأعني به الحركة الامازيغية وكافة القوى الديمقراطية المعنية بالقضية الامازيغية وبالشق المتعلق بدسترتها بالخصوص، حيث أن ما يقام الآن لا يرقى إلى مستوى ما هو مطلوب وما يجب أن يكون... ما يقام الآن لا يرقى إلى مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها الآن بحيث أن الملاحظ هو استمرار الركون إلى خطاب المطالبة والاستجداء وهو ما ينم عن غياب إستراتيجية واضحة لدى الحركة الثقافية الامازيغة بفعل التشرذم الذي تعيشه والخلافات التي تخترق جسمها وتعدد الخطابات بحكم طبيعتها كحركة غير منسجمة دون أن ننسى تعدد الولاءات ورغبة بعض الوصوليين من داخلها ومن خارجها في الانفراد بثمار ما تحقق بفضل تضحيات مناضلين طالهم النسيان في غمرة التدافع والسباق نحو المناصب والامتيازات الحقيقية والوهمية التي تسيل لعاب البعض.. ونحن في انتظار ما سيأتي من أيام لمعرفة هل ستكون الحركة في مستوى مرحلة تعد حرجة في مسار القضية الامازيغية إذ ان ترسيم الامازيغية يعدّ انتصارا للحركة وجب استثماره بالشكل الصحيح وذلك كمدخل لإعادة الاعتبار للامازيغية وجبر ما لحق بها جرّاء سياسات التعريب والإقصاء منذ الاستقلال..
ما هى الصعوبات الذاتية و الموضوعية التي تتوقعون اعتراض ترسيم و مأسسة اللغة الامازيغية؟
بالنسبة للصعوبات الموضوعية التي يمكن أن تعترض الامازيغية فهي مرتبطة في جانب منها باللوبي العروبي الاسلاموي الذي قاوم ولا يزال كل المطالب المشروعة المرتبطة بالامازيغية، وهو متواجد داخل الحكومة بدرجات متفاوتة، ورغم آن الدستور يقر برسمية الامازيغية واعترف لها بمكانتها المشروعة في المجتمع، فإن هذا اللوبي سوف لن يهدأ له بال إلا إذا تم إفشال هذا الورش، وقد رأينا كيف ارتفعت بعض الأصوات معبرة عن رفضها لترسيم الامازيغية والنموذج من داخل حزب الاستقلال (امحمد الخليفة وعبد الواحد الفاسي على سبيل المثال) دون آن ننسى المواقف الحربائية لحزب العدالة والتنمية الذي كان إلى وقت قريب ضد الامازيغية ولا أدلّ على ذلك ما تفوّه به عبد الاله بنكيران في خطاب له قبيْل النتخابات بقاعة ابن ياسين بالرباط حيث وصف حروف تيفيناغ ب"الشينوية" متهكما كعادته، وسيحاول إخوان رئيس الحكومة وضع العصا في عجلة الامازيغية من خلال اختلاق حروب الحرف واللهجات إلى غير ذلك من أمور تم تجاوز الكثير منها .. وما تعاطي الحزب مع الامازيغية في مشروع دفتر التحملات إلا أحد الأدلة على ذلك.. وقد اعلن مؤخرا عن إجراء مباراة لتوظيف مترجمين من وإلى مختلف اللغات، ملحقين بمختلف المحاكم المغربية، دون ذكر للامازيغية بالرغم من ان المباراة جاءت بعد إقرار الدستور الجديد وفي ظل حكومة بنكيران وتم توقيع قرار إجراءها من طرف وزير العدل، مصطفى الرميد، الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية...
كما أن الصعوبات الموضوعية يمكن النظر إليها من زاوية تعقّد الجوانب المتعلقة بالتشريع وخاصة بالنسبة للقوانين التنظيمية التي يجب ان تراعي كل جوانب الترسانة القانونية بالبلاد لإعادة النظر فيها بالتعديل أو الإلغاء آو الخلق، وانتم تعلمون أنه بعد مرور 8 أشهر من عمر حكومة بنكيران لازالت وتيرة صياغة القوانين التنظيمية بطيئة حيث لا يزال ستة عشر قانونا تنظيميا لم يرى النور من أصل 20 قانونا تنظيميا وردت في الدستور، بالإضافة طبعا إلى الترسانة القانونية التي تصل إلى 300 نصّ وجب إخراجها في ظرف 5 سنوات من عمر هذه الحكومة... وسيكون على الجميع إعادة النظر بالأخص في مبدإ التعريب الذي يعتبر عصب المبادي الأربعة التي أقرتها "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم" والتي عقدت أول اجتماع لها يوم 28 سبتمبر 1957 وهذه المبادئ التي أقرها المغرب الرسمي كأساس لإستراتيجية التعليم هي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر.. كما يجب تغيير الترسانة القانونية التي تتحدث عن التعريب الكلي والاستعمال الحصري للغة العربية وهنا يحضرني ما أقره المشرع المغربي بخصوص مبدأ تعريب القضاء بمقتضى الفصل 5 من ظهير 26 يناير 1965 المتعلق بتوحيد القضاء ومغربته وتعريبه، وذلك على مستوى الأحكام والمرافعات وكذا الوثائق والمستندات..دون الحديث عن باقي التشريعات والقوانين التي يجب تحيينها وتكييفها مع مقتضيات الدستور الجديد، بالاضافة إلى مجموع القوانين التنظيمية الاخرى التي جاءت في نص الدستور والتي تتعلق بالهيئات والمؤسسات المستحدثة وكل الفصول ذات العلاقة بترسيم الامازيغية..
كما يجب الإشارة إلى ما تتطلبه عملية ترسيم الأمازيغية من موارد مالية ضخمة في مختلف الإدارات، و هي موارد ينبغي رصدها من ميزانية الدولة. و من تم فإن التشريعات التي تصدر عن البرلمان يمكن أن تكون موضع رفض من طرف الحكومة إذا كانت تتطلب تكاليف مادية جديدة، و ذلك ما ينص عليه الفصل 77 من الدستور الجديد.. وهي بعض الحيل التي يمكن أن يلجأ إليها خصوم الامازيغية لتعطيل أجرأة ترسيم الامازيغية...
كما ان الصيغة التي جاءت في المادة 5 من الدستور يمكن أن تكون مثار جدال وخلاف بين الفرقاء ومن تم تعطيل وعرقلة تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية، حيث جاء في الفقرة الثانية من هذا الفصل "يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية."
وبالنظر إلى تركيب وصياغة هذه الفقرة فإن تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية لن يكون آنيا وبشكل مباشر بل إن هذه العملية ستمرّ عبر مراحل تحدد من طرف القانون التنظيمي الذي سينظر في كيفيات إدماجها في مجالات الحياة العامة التي لم يحددها الدستور واكتفى بنعتها بتوصيف "ذات الاولوية" وباستثناء مجال التعليم الذي ورد في هذه الفقرة فإن عبارة "مجالات الحياة العامة ذات الأولوية" ستطرح إشكالا تأويليا في هذا المجال، بالاضافة إلى ان اذات الفقرة تضيف " وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية." هو ما يعني أن اللغة الامازيغية لن تستطيع أداء وظيفتها الرسمية والنهوض بهذه المهمة إلا مستقبلا أي بعد مسلسل لا يعلم مداه إلا أهل الحل والعقد..
وهذه النقطة الأخيرة تحيلنا على الجانب الذاتي أي الصعوبات الذاتية لتفعيل ترسيم الامازيغية والذي يرتبط في شق كبير منه باللغة الامازيغية المعيارية التي يراد لها الترسيم، إذ أن لا مجال هنا للغموض فالدستور يتحدث في الفقرة الأولى من مادته الخامسة عن أن الأمازيغية تعد أيضا "لغة" رسمية للدولة، كما يتحدث عن حماية اللغات العربية والامازيغية كمهام للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وبالتالي فإن الترسيم يعني هنا لغة معيارية شأن اللغة العربية الفصحى والتي يجب تعميمها والعمل بها في جميع مرافق الدولة والادارات العمومية وكل الفضاءات المرتبطة بما هو عمومي.. وهنا تكمن إشكالية الترسيم التي لا يمكن حلّها آنيا بحيث يجب التدرج وعدم الارتجال حتى لا يتم فرض لغة لا صلة لها بواقع المتكلمين الامازيغ، وفي هذا الاطار يجب إيلاء أهمية كبيرة للغة الام للمواطنين وذلك في إطار مشروع الجهوية المتقدم الذي يجب استغلاله وإخراجه إلى الوجود بشكل يعبر عن الخصوصيات الجهوية الثقافية واللغوية والمجالية لكل جهة في إطار مغرب فيدرالي يشارك فيه السكان في السياسات التنموية للبلاد..ويمكن التظر ايضا إلى هذه المسألة باستحضار الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور الذي عن حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب.. وهي إشارة إلى أن اللهجات ستبقى قائمة بموازاة مع اللغتين العربية والامازيغية..
هذه بعض الصعوبات التي تحضرني الآن بالإضافة إلى صعوبات أخرى يجب التداول فيها بشكل موسّع لأن هذا الورش يهمّ الجميع بحيث أن الأمازيغية، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء كما جاء في الدستور، هي إرث ومسؤولية لجميع المغاربة كما نادت بذلك الحركة الامازيغية وبالتالي فإن شأن تفعيل مقتضيات ترسيمها يجب ان يشارك فيه الجميع وخاصة ذوي الاختصاص والفاعلين في الميدان وكل المهتمين دون إقصاء او تهميش أو محاولة من البعض لعب دور "العرّاب" و"الممثل الشرعي والوحيد" لإيمازيغن..
يبدو ان ترسيم اللغة الامازيغية كيفما كان الحال كان سهلا نسبيا لكن المشكل يكمن فى ترسيم امازيغانية المغرب في التعليم و الإعلام خصوصا في ظل حكومة عربو –إسلامية.
أسمح لي في البداية ان أعرج بك على إشكالية اللغة في الفكر الانساني، فإذا كان علماء اللغة يتفقون في تعريف مفهوم اللغة كونها كل نظام من الرموز و الإشارات و الأصوات التي يتم بها التواصل بين البشر طبيعيا كان أم وضعيا مع القدرة على إنشائها و القصد إلى استعمالها، إلا أن الفلاسفة و علماء اللغة قد اختلفوا في تحديد وظيفتها الأساسية و ظهر جدال كبير بينهم فالبعض منهم يعتبر أن وظيفتها الأساسية هي التواصل الاجتماعي بينما البعض الآخر يرى أن اللغة هي وسيلة تنظيم القدرات العقلية والتعبير عنها، وهو ما يطرح ضرورة استحضار مختلف الوظائف الأخرى التي تضطلع بها اللغة في المجتمع.. وهنا يمكن تلمّس بعض الجوانب من الجواب على سؤالكم على اعتبار أن سؤال الترسيم لا يمكن أن يختزل في "لغة معيارية" يتم استعمالها كأداة للتواصل بدون النظر إلى المحتوى والمضمون الذي يجب نقله للمتلقي، وهنا أتحدث عن الامازيغية كمنظومة من القيم وتعبير عن السلوكات وأنماط الفكر والحياة التي تختصّ بها الثقافة الامازيغية بمفهومها الانتربولوجي وذلك في ارتباط بالتلاقحات وعملية المثاقفة التي عرفتها على مرّ العصور، مع ما يقتضي ذلك من انفتاح على قيم العصر والمبادئ الإنسانية المتعارف عليها كونيا..
من هنا يمكن القول ان عملية "التّنزيل الديمقراطي السليم"، العزيزة على حزب العدالة والتنمية، ستعرف كثيرا من الممانعة والمقاومة من طرف ذات الحزب وبعض المتحالفين معه وخاصة حزب الاستقلال، إذ أن ترسيم "امازيغانية المغرب" أي ذاك الوجه المشرق والراقي من الثقافهة والحضارة المغربية المتميزة بالتعدد والاختلاف وباحترام الآخر.. وخاصة على مستوى الإعلام والتعليم سيشكل خطرا على البرامج المفعمة بالإيديولوجية الإقصائية وبالفكر الخرافي والمتطرف الذي تتبناه هذه القوى، وستحاول الحفاظ عليه وتمريره عبر وسائل الإعلام وعن طريق البرامج المدرسية.. وهنا تكمن الأهمية القصوى التي يكتسيها الإعلام والمدرسة كمجالين يجب التركيز عليهما وإيلاء أهمية بالغة وأولوية قصوى في مسلسل ترسيم الامازيغية.
وفي اعتقادي الخاص فإن الإعلام والمدرسة هما جبهات النضال التي يجب على الحركة الامازيغية أن تخوض معاركها وتركّز جهدها حولهما، إذ أن الإعلام، وخاصة السمعي البصري منه، يعتبر منبرا ووسيلة لتعميم ونشر الامازيغية والقيم التي تزخر بها الثقافة والحضارة الامازيغية، وخاصة في ظل مجتمع مطبوع بالثقافة الشفاهية وهنا يمكن للتعابير اللغوية اوالتلاوين اللهجية للامازيغية وباقي اللهجات المغربية أن تلعب دورا مهما.. كما أن المدرسة تعتبر بوابة للحفاظ على الامازيغية ونقلها للأجيال المقبلة بالنظر إلى ما تعرفه من تصحّر وتراجع على مستوى الناطقين والمتحدثين بها.. وقد انتبهت الحركات الإسلامية إلى أهمية المدرسة والتعليم منذ مدة طويلة وحاولت الهيمنة على فضاءاتها من خلال هيآت التدريس بحيث أصبح عدد كبير من المعلمين والأساتذة مرتبطين بهذه التنظيمات ولك أن تنظر إلى كوادر وأطر العدالة والتنمية وحركة العدل والاحسان وباقي التنظيمات الاخرى لترى حجم وأعداد المدرّسين بها.. كما ان هذه التنظيمات استطاعت ان تخلق شبكة من مدارس التعليم الخصوصي التي تؤطرها وتوجهها كوادرها الحزبية او الدعوية وهي نفس الخ"ة التي كان حزب الاستقلال قد نهجها إبان الاستعمار الفرنسي وفي بداية الاستقلال..
وأنا أقول دائما أننا لسنا في حاجة إلى لغة أمازيغية مفصولة عن القيم الامازيغية وكل ما له علاقة بطرق التفكير والتدبير التي تطبع الثقافة والحضارة الامازيغية.. وهو ما يجب الانتباه إليه لأن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل الاجتماعي بل هي حمّالة لفكر وقيم وسلوك ...
اذا كان الترسيم في شقه الشفوي ممكن بلوغه ولو نسبيا، فكيف يمكن التغلب على صعوبات الكتابة على اعتبار مثلا أن الكثير من الكلمات المستحدثة لن يفهم معناها الكثير من الإداريين والفاعلين الاجتماعيين و السياسيين؟
سؤال الكتابة والكلمات المستحدثة(النيولوجيزم) هو وجه آخر لإشكالية الترسيم وهو مرتبط في الكثير من جوانبه بالسياسة اللغوية التي تعتزم الدولة نهجها إذ أن تعميم "الامازيغية المعيارية" على مستوى المرافق والإدارات العمومية فضلا عن الفضاءات العمومية يتطلب تعميم كتابتها ومصطلحاتها المستجدّة التي لا أظن ان الجميع يفهمها ولو في صفوف المتحدثين بالامازيغية، وهنا سنكون أمام عملية جديدة لمحو الأمية تستدعي الكثير من الجهد المادي والكثير من الموارد البشرية فضلا عن منهجية عقلانية في دراسة وإعداد برامجها...كما آن الإعلام يجب أن يلعب دورا مهما في هذا الإطار وذلك بالمساهمة في ترسيخ هذه المفردات المستحدثة في خطاباته وفي برامجه مع اقترانها بمرادفاتها التي تعود الجمهور على استعمالها بالعربية او بالفرنسية والاسبانية حتى لا يقع هناك نفور من طرف الجمهور وحتى لا تتبدى له هذه اللغة كما لو انها فرضت عليه فرضا بعد ان تم استحداثها في مختبرات اللغة بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية.. وهي الانتقادات الكثيرة الموجهة للمعهد بهذا الخصوص..
وأتذكر بالمناسبة أني قرأت لك رواية "أسكيف ن يينزاضن"، التي كانت تنشر عبر حلقات على صفحات مجلة "تيفاوت" في تسعينيات القرن الماضي، وهي رواية مفهومة وواضحة نظرا لأسلوب كتابتها السلس واعتمادها على لغة وسيكة يمكن فهمها بكل بساطة، فبالرغم من احتوائها على مصطلحات من منطقة القباءل بالجزائر وكذا الكثير من المفردات المستحدثة إلا أن التذكير بمرادفاتها وبمعانيها بين هلالين، قد جعل فهمها يسيرا ومستساغا.. على الأقل بالنسبة لنا نحن أبناء منطقة الجنوب الشرقي وبعض رفاقنا من منطقة سوس الذين كنا ننشط معهم في إطار "الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية بالرباط" أو "ANCAP"، والتي تم تغيير اسمها إلى "تاماينوت" باقتراح من مجموعتنا في فرع الرباط، أو "أيّاو نالرباض"، أثناء المؤتمر السادس المنعقد باكادير في صيف 1996.. وهو ذات المؤتمر الذي قدمنا فيه ورقة حول حرف الكتابة حيث دافعنا عن الحرف اللاتيني واعتبرنا تيفيناغ كرمز للهوية وهي الورقة التي حملت اسم "la roue n'est pas à réinventer" .. تلك كانت بعض الملاحظات، بين قوسين، مستوحاة من الماضي والتي لربما ليست لها أية علاقة بالموضوع إلا أن عملية الاستطراد فرضت حضورها الآن..
وأعتقد، أخيرا وليس آخرا، أن موضوع أجرأة مقتضيات ترسيم الامازيغية لن تتم ولن تكتمل في غضون الخمس سنوات التي حددت لحكومة بنكيران، بالنظر أولا للرهانات السياسية والثقافية والاقتصادية والحضارية المرتبطة بالقضية الامازيغية وهي رهانات تستدعي توافر جهود الجميع وتقتضي توفر إرادة سياسية لدى جميع المتدخلين في هذه العملية وفي مقدمتهم الدولة والأحزاب السياسية.. كما أن حجم المشاكل والاشكاليات المتراكمة حول موضوع اللغة الامازيغية ومحتوى المضامين التي ستعبر عنها في مختلف المجالات ستجعل من الصعب بكثير القيام بتفعيل رسمية الامازيغية بشكل صحيح يستجيب لمتطلبات المرحلة ويجيب عن تطلعات المغاربة ومطالب الحركة الامازيغية .. كما أن الصعوبة تكمن أيضا وبالأساس في كون أن هذا الترسيم سيمسّ ويطال جميع مناحي الحياة في المغرب كما انه سيعيد النظر في الكثير من المسلمات حول الهوية والتاريخ وبعض أنماط التفكير والسلوكات وفي لغة التداول اليومي وبعض المفاهيم والمصطلحات المتداولة والتي دأب عليها معظم المغاربة دون إعمال العقل والتساءل حول صحتها ومعناها.. هو إذن زلزال سيعصف بالكثير من القلاع التي كانت تختفي وراء قدسية اللغة العربية واستغلال الدين لضرب الامازيغية وهو ما لا يمكن ان تسمح به بعض اللوبيات المستفيذة من الوضع اللغوي والهوياتي الحالي وستحاول مقاومته بكل ما أوتيت من قوة وبأس شديد...
----------------------------- محمد بوداري من مواليد مدينة الريش-الرشيدية 1965 إجازة في البيولوجية النباتية كليتي العلوم بكل من مكناس وفاس إجازة في سوسيولوجيا الظواهر الحضرية- جامعة محمد الخامس - كلية الاداب والعلوم الانسانية أكدال الرباط إجازة في القانون الخاص- فرنسي ماستر العلوم القانونية-فرنسية-جامعة محمد الخامس كلية الحقوق -اكدال الرباط فاعل أمازيغي عضو سابق في المجلس الوطني لمنظمة تاماينوت المؤتمر السادس 1996.. رئيس تحرير الجريدة الالكترونية "lareleve.ma " (عن "المنعطف" – الأربعاء 5 شتنبر 2012 )