شكلت السهرة الخامسة من الدورة الثالثة عشر لمهرجان "موازين: إيقاعات العالم" بالنسبة لعشاق الموسيقى الأمازيغية مناسبة للسفر، انطلاقا من ساحة سلا، إلى قلب التراث المغربي العريق، بنجاحها في الجمع بين ثلاثة رموز للأغنية الأمازيغية وهم تيفيور وعبد العزيز أحوزار وفاطمة تباعمرانت. ويكتسي الحفل قيمة رمزية بالنسبة للشغوفين بالثقافة والأغنية الأمازيغيتين انطلاقا من أقصى الريف إلى الأماكن النائية في الأطلس مرورا بالمداشر والقرى والتجمعات السكنية الأمازيغية في الوسط. . ففي افتتاح الحفل، أبهرت فرقة تيفيور ("أجمل من القمر" باللغة الأمازيغية) الفتية الجمهور والمعجبين بهذا الصنف الموسيقي المستلهم من الشعر المحلي الريفي (إزران)، والذي يجمع بين التقليد والمعاصرة، مع احترام للقيم والأصالة. وأثارت الفنانة الشابة، إيمان بوسنان، التي تعد آخر اكتشاف للأغنية الريفية، إعجاب الجمهور بفضل صوتها القوي وموهبتها المتفتحة. يشار إلى أن مجموعة "تيفيور" تمكنت من خلق تواطؤ حقيقي مع جمهورها بعدما صدرت ألبوماتها الثلاثة "مولاي موحند" و"تافويت" و"تونكينت" (ذاكرة) على التوالي سنوات 2007 و2008 و2013 ، ما أتاح لها دخول ساحة الفنانين الكبار في مجال الأغنية الريفية. ولم يتردد عشاق الأغنية الأمازيغية، الذي توافدوا بكثرة لحضور هذا الريبرتوار من الأغاني والأشعار، أن يعربوا عن نفاد صبرهم إزاء تأخر صعود نجمهم المفضل عبد العزيز أحوزار إلى منصة العرض . وما إن استقر أحوزار وفرقته من العازفين والراقصات أمام أجهزة الميكروفون، بعدما استقبلوا بتصفيقات حارة وهتافات الإعجاب والتشجيع، حتى انطلق الحفل بالأغنية الشهيرة "مغربي أيكيخ" (مغربي أنا)، قبل أن يؤدي أحوزار والمجموعة عددا من الأغاني الأخرى باللغتين الأمازيغية والعربية. وتمثلت اللحظة القوية في هذا الحفل في أداء أحوزار لأغنية "إيناس إيناس" ل"سيد لوتار" الراحل محمد رويشة، أمام جمهور متعطش لإعادة الاتصال بهذا الفنان الكبير، الذي ترك بصماته واضحة على الموسيقى الشعبية المغربية. وتلت هذا العرض إحدى الفنانات الأكثر شهرة في مجال الأغنية الأمازيغية، وهي الشاعرة والموسيقية فاطمة تباعمرانت التي جعلت الحضور يتراقص على إيقاعات الموسيقى الشعبية السوسية، الغنية بالإيقاعات المتنوعة. وطيلة العرض الذي قدمته فاطمة تباعمرانت، وفي ختام كل أغنية من أغانيها، كانت ترفع ثلاث من أصابعها، وهو رمز أمازيغي لثلاثية "أكال، أوال، أفغان" بمعنى الأرض واللغة والإنسان. وبالفعل، فإن الهوية والثقافة الأمازيغيتين يشكلان الموضوع الأول لأغاني هذه الفنانة المتحدرة من الأطلس الصغير. وبالرغم من برودة طقس شاطيء سلا ليلا، فقد سحرت تباعمرانت، التي ابتدأت بأغنية "أروغير ياني إي تماجيتينو" (لا أحد يمس انتمائي)، جمهورها بصوتها العذب وأدائها المفعم بالشجن والحماس، وبابتسامتها المشعة والحلي التي تحمل رموزا أمازيغية. وكانت الرايسة تباعمرانت، واسمها الحقيقي فاطمة شاهو، المزدادة في 1962 بإدسالم إحدى قبائل إدوشقرا بإفران الأطلس الصغير، قد تحدت عددا من الطابوهات من أجل الدفاع عن الهوية الأمازيغية. وشغفت بالكلام المغنى والرقصات الجماعية في قريتها منذ كانت تشتغل في الفلاحة بمسقط رأسها، قبل أن تكون نفسها على أيدي أساتذة كبار من أمثال الرايس مولاي محمد بلفقيه الذي ساعدها على نشر ألبومها الأول في 1985. وتمثل فاطمة تباعمرانت مدرسة حقيقية في الأغنية الأمازيغية، ونظمت لحد الآن أزيد من 160 قصيدة شعرية باللغة الأمازيغية. وعلى مدى تسعة أيام، تنظم جمعية "مغرب الثقافات"، تحت الرئاسة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، هذه الدورة الثالثة عشر لمهرجان "موازين: إيقاعات العالم" التي تجمع حوالي 1500 فنان، من بينهم أسماء كبيرة على الساحتين المغربية والعربية، وفنانين ذوي سمعة عالمية وممثلين للتقاليد الموسيقية العالمية حول شعار واحد هو "اختلافاتنا تجمعنا". وتقترح هذه الدورة على رواد المهرجان برمجة أصيلة تسلط الضوء على الإبداع الموسيقي العالمي، وتوزع على عدد من الساحات والفضاءات العمومية بكل من الرباطوسلا.