إن تركيزنا على القضية الأمازيغية بدل الأمازيغية هو لا الشيء المهم من داخل الخطاب الأمازيغي لكي لا نساهم حتى نحن (الفاعلين الأمازيغيين) في تقزيم القضية الأمازيغية فيما هو لغوي ثقافوي فولكلوري ضيق كما يذهب إلى ذلك النظام المخزني في فهمه الذي يعطيه للأمازيغية، هذا الفهم الذي تتبعه فيه مختلف الأحزاب السياسية والتيارات العروبية والإسلاموية عند حديثها عن الأمازيغية فكلهم مأطرين بالعروبة وحرصين على أن لا يخرج فهمهم لهذه الأخيرة من الفهم المخزني العروبي، وهكذا تجد المخزن وهذه التنظيمات ينظرنا إلى القضية الأمازيغية من منطلق أنها قضية الأقلية اللغوية والثقافية مثلها مثل الأقليات موجودة في العالم ومثلها مثل باقي القضايا الأخرى العادية وبهذا يجب تعامل معها من هذا المنطلق ويجب تدبيرها في إطار الثابت الإيديولوجي المقدس الذي يتمثل في العروبة قبل الإسلام ووفق الهوية القومية العربية الإسلامية الوهمية، ويتبين هذا من خلال ما ذهبت إليها الدولة المخزنية في تعاملها مع الأمازيغية سواء من خلال “خطاب أجدير” 17 أكتوبر 2001 أو من خلال دستور 2011 الممنوح وذلك بفهم الأمازيغية من خلال ما هو إثني وعرقي ولغوي وفوكلوري بعيدا عن الفهم شامل الذي يقترن بالهوية الحقيقية التي تستمد من الأرض الأمازيغية والإنتماء الإفريقي، وحتى حديثها عن الأمازيغية لا ينظر إليها بكونها قضية شعب وهوية شاملة وكاملة مستقلة عن باقي الهويات الأخرى موجودة في العالم بل تذهب إلى تسميتها “بالمسألة الأمازيغية بالمغرب” أو “الإشكالية الأمازيغية بالمغرب” أي مثلها من المسائل والإشكالات الأخرى العادية التي تطرح للنقاش على الساحة السياسية والتي يجب تقديم لها الحل وفق ما هو موجود. وهكذا نجد حتى بعض التيارات المحسوبة على “الحركة الأمازيغية” وبالخصوص تلك المنخرطة في مؤسسة “إركام” أو تلك المهللة (بترسيم الأمازيغية وإخراج القانون التنظيمي) السائرة هي الأخرى في نفس الفهم المخزني والمنخرطة في تطبيل بسياسة المخزن في هذا الجانب، ناسين ومتناسين أن تدبير القضية الأمازيغية وقف هذا الفهم لا يخدم القضية أبدا إن لم تأخذ هذه الأخيرة في شموليتها ووقف الثابت الذي تدور عليه كل المتحولات والمتغيرات الغنية والمتعددة في شخصيتنا الثقافية، هذا الثابت الذي يتمثل في الهوية السياسية للدولة التي من خلالها ستمارس الدولة السلطة والحكم، والتي تكون باسم الإنتماء الجغرافي أولا، أي باسم الأرض التي تقوم عليها هذه الدولة، لا باسم الأرض الأخرى التي لا تربطها معها أي علاقة جغرافية والتي تنتمي إلى جغرافية أخرى يفرق بينهما البحر الشاسع، أما ما تعرفه هذه الدولة من الغنى والتنوع الثقافي واللغوي والعرقي والديني… فكل هذا يعترف به وفق الثابت الذي هو هوية الدولة التي تستمدها من الأرض التي تقوم عليها، واعتبار هذه المتحولات والمتغيرات من الروافد التي شكلة الشخصية الثقافية الوطنية المتعدد في إرثها الثقافي واللغوي والديني… لا المتعدد في الهوية كما يذهب النظام المخزني في فهمه للهوية والذي إعتمده في دستور 2011 وذلك بالقول “أن الهوية المغربية هوية متعددة” فهذا الفهم لا علاقة له مع ما يوجد في الواقع، لأن التعدد في هوية ما داخل دولة واحدة تكون من خلال توفر الحدود الترابية واللغوية المستقلة بين هذه الهويات المتعدد، أي كل هوية تكون مستقلة عن الأخرى بوجود ما يفصل بينهما من حدود مجالية وترابية ولغوية كما هو الحال في دولة إسبانيا حيث نجد الهوية الكتلونية مستقلة عن الهوية الباسكية بوجود حدود ترابية ولغوية ونفس الشيء مع الهويات الأخرى، لكن ما موقعنا نحن في المغرب من هذا؟ أين هي الهويات المستقلة عن بعضها في المغرب حتى نقول أن الهوية المغربية متعددة؟ فالمغرب كله أرض أمازيغية واللغة المنتشرة بين ساكنته تتعدد بوجود مختلف اللهجات الأمازيغية بالإضافة إلى الدارجة المغربية التي هي لهجة محلية للشعب الأمازيغي المغربي فلا وجود لحدود لغوية بين هذه اللهجات التي يتحدث بها هذا الشعب. وهكذا نجد أن هذا الفهم المقدم للهوية في المغرب لا ينطلق من الأرض وإتنماء الجغرافي وإنما من ما هو لغوي وغرقي وإثني … فلا أحد ينفي وجود التعدد اللغوي والعرقي والديني… لكن هذا التعدد أين يوجد؟ على أية أرض يوجد؟ وفي أي جغرافية؟ وإلى أي قارة ينتمي؟ فهذا هو الأهم الذي ترتكر عليه القضية الأمازيغية، حتى نعرف الهوية السياسية التي من الممكن أن تمارس بها الدولة السلطة والحكم، هذه الأرض التي لا يختلف فيها إثنان على أنها أمازيغية الأصل -تامازغا- وعلى إنتمائها الإفريقي، لا بممارسة السلطة والحكم باسم هوية السلطة العربية التي تستمد من الأرض العربية ذات الإنتماء الأسوي القارة، فهذا لا يتقبله العقل ولا العلم ولا التاريخ.
وهكذا فطرح القضية الأمازيغية للنقاش والإستجابة لحقوقها لا يكون إلا وفق الهوية السياسية الحقيقية للدولة، لا وفق الهوية الوهمية التي لا وجود لها على أرض الواقع ما عدى في مخيلة الإيديولوجية الإستئصالية العروبية، وحتى التقرب إلى الأمازيغية من أطارف الحزبية لا يخرج هو الآخر عن الفهم المخزني، كما أن هذه الأحزاب لم تقدم بعد مواقف واضحة من الأمازيغية وحقوقها في شموليتها دون تجزيء ولا تمييع إن لم نقل دون إستغلال سياسي آني، فنجدها تظهر في بعض المناسبات بمواقف سياسية وتختفي في مناسبات آخرى كما فعل “حزب الإستقلال” مؤخرا والذي خرج بموقف سياسي بمناسبة السنة الأمازيغية ثم إختفى بعده دون أن يقدم أو يوضح فهمه للأمازيغية في شموليتها أو حتى في جوانبها المتعلق بالتاريخ ما دام السنة الأمازيغية تنتمي إلى هذا الجانب -هكذا إختفى- ليخرج فيما بعد بموقف آخر متناقض مع الموقف الأول الذي يتعلق بكتابة اللغة الأمازيغية الذي قال أنها يجب أن تكون بالحرف العربي بدل حرفها الأصلي التاريخي والحضاري وبهذا أراد أن يعيد نقاش الحرف إلى الصفر مع العلم أن هذا النقاش حسم وتجاوزته الحركة الأمازيغية، ونفس الفهم نهجته الأحزاب السياسية الأخرى فيما مضى وما زالت في مواقفها المتعلقة بالأمازيغية، فهذه الأحزاب لا تعطي أي موقف سياسي من الأمازيغية خارج الفهم المخزني، ولا تتحرك في مواقفها إلا بأوامر وتسحبها بأوامر كذلك، هكذا تضيع القضية الأمازيغية بين الفهم الحقيقي الشمولي والفهم التجزيئي المخزني والحزبي ومكبدة بإديولوجية العروبة المهيمنة ومحاصرة وفق رغبات القوى السياسية وذلك على النحو الذي لا يتعارض مع الثابت الإيديولوجي الوهمي الذي يتمثل في العروبة والإسلام، وهكذا من يذهب وينخرط اليوم مع المخزن في هذا الإتجاه لا يعدو أن يكون مخزني في فهمه للأمازيغية، ما دام أن المرتكزات الأساسية التي بني عليها الخطاب الأمازيغية هي المبدأ التحرري للشعب الأمازيغي من قفص العروبة والإنتماء الثقافي والسياسي المشرقي.